"تضارب نظريات".. هل تصبح جزيرة العرب خضراء ماطرة وأوروبا تعيش موجات حر؟
شهدت شبه الجزيرة العربية منذ الخريف الماضي أمطاراً غزيرة وسيولاً وثلوجاً في بعض المناطق الصحراوية. في المقابل تعرف أوروبا شتاءً جافّاً هو الثاني على التوالي، بعد أوَّل سجّل نسباً قياسية. فهل سيعمّ القحط أوروبا وتخضرّ براري الصحراء العربية؟
هل تصبح جزيرة العرب خضراء ماطرة وأوروبا تعيش موجات حر؟ / صورة: AP (AP)

لفتت مشاهد الاخضرار في ضواحي مكّة المكرمة، المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين تداولوها على نطاق واسع. فيما أتت مقاطع الفيديو تلك، بعد أخرى أكثر غرابة، إذ توثّق تساقط الثلوج في إحدى مدن الكويت، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويعرف عدد من مناطق الجزيرة العربية، منذ الخريف الماضي، أجواء شتوية استثنائية، وسيولاً روت مساحات واسعة من أراضيها الصحراوية. في المقابل، تعرف أوروبا جفافاً للشتاء الثاني، بعد نفس الفترة في السنة الماضي التي سجّلَت أرقاماً قياسية في انحباس المطر والثلوج.

وتتضارب النظريات حول هذه الظاهرة الطبيعية، إذ يرجع علماء هذا التحول في نسب الأمطار إلى الاحتباس الحراري الجاري، فيما يرى آخرون فيها سيرورة طبيعية لدورات المناخ التاريخية.

أمطار في الصحراء

تشهد المملكة العربية السعودية أمطاراً غزيرة وسيولاً، شملت عدداً من مناطق البلاد. ووفق ما أعلنه المركز الوطني للأرصاد الجوية السعودية في 3 يناير/كانون الثاني الجاري، ستستمر هذه التساقطات لتشمل أغلب مناطق المملكة لأكثر من أسبوع، كما تتوقع أن تشهد العاصمة الرياض نهاية أسبوع ماطرة، قد تستمر إلى يوم الثلاثاء.

وحسب ما نشره الباحث في الطقس والمناخ عبد العزيز الحصيني، فإن المملكة ستشهد بداية من يوم الخميس تساقطات مطرية "يمكن تصنيفها من خفيفة إلى شبه قوية مع فرصة سيول وحبات برد"، تشمل عدداً من المناطق بما فيها "مكة والرياض والشرقية والباحة وعسير وجازان والجوف والشمالية والحائل والمدينة وتبوك". وأشار الباحث السعودي إلى أنها "الحالة الماطرة العاشرة التي تشهدها البلاد منذ دخول شتاء الموسم الجاري".

ويضيف الحصيني في تغريدة ثانية، أن هذه التساقطات ستضمّ أيضاً "أجزاءً من الإمارات وسلطنة عمان وشرق البحر المتوسط"، وستنحو نحو التوسع والامتداد بحلول يوم السبت القادم، ما يحيل إلى استمرار الطقس الماطر في تلك المناطق. هذا وحسب موقع "الطقس العربي"، شهد جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك عمان والإمارات، منذ الخريف الماضي شهوراً ممطرة ورطبة.

وتسببت هذه الأمطار في سيول وفيضانات أغرقت عدداً من المدن السعودية، من بينها أجزاء من العاصمة الرياض. وأظهرت لقطات متداوَلة على وسائل التواصل الاجتماعي، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، اندفاع السيول بشوارع مدينة مكة، جارفة معها السيارات والعربات المركونة في طريقها.

وفي الكويت بلغت نسب التساقطات التي عرفتها البلاد، أرقاماً مهمة في عدد من مناطق البلاد. ورصد عدد من مقاطع الفيديو مشاهد السيول التي اجتاحت البلاد، بما فيها منطقة الروضتين وخباري شمال الكويت.

وفي أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، اكتست شوارع الكويت بالبياض إثر تساقطات ثلجية شديدة، في ظاهرة نادرة لم تشهدها البلاد منذ عقدين. وعزا خبير الأرصاد الجوية محمد كرم، في تصريحاته لوكالة الصحافة الفرنسية، هذه الظاهرة إلى سقوط كميات كبيرة من الأمطار بلغ حجمها 66 ملم في ميناء الأحمدي، وانخفاض درجات الحرارة، متوقعاً تكرار الظاهرة خلال السنوات المقبلة.

جفاف قاسٍ في أوروبا

بالمقابل، تعرف أوروبا جفافاً حادّاً للشتاء الثاني على التوالي، بعد العام الماضي الذي بلغ فيه انحباس الأمطار والثلوج مستويات قياسية. وحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ستقلّ التساقطات المطرية وموجات الصقيع التي تشهدها أوروبا هذا الشتاء، كما "لوحظ انخفاض شديد في الأنهار الجليدية، والتربة الصقيعية، ومدى الغطاء الثلجي، والمدة الموسمية للثلوج عند الارتفاعات العالية".

وكانت 2022 السنة الثانية الأكثر دفئاً في تاريخ أوروبا، وفق ما كشفه تقرير أخير لمعهد كوبرنيكوس للمناخ. ويضيف ذات المصدر أن درجة حرارة القارة العجوز ارتفعت بأكثر من الضعف خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وحسب خبراء المناخ، واجه كل من إسبانيا والبرتغال العام الماضي أقسى موجة جفاف منذ 1200 سنة، بعد الشح الكبير في الأمطار الذي عرفته تلك البلدان الشتاء الماضي، وموجة الحر الكبيرة التي توالت عليها منذ شهر أبريل/نيسان الماضي، ما يضعها أمام أزمة مياه.

وفي فرنسا حيث أثّر جفاف شديد على المزارعين وأدّى إلى فرض قيود على استخدام المياه العذبة، بلغت الأمطار الشهر الماضي 9,7 ملم فقط، حسب هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية "ميتيو فرانس". ويشكّل ذلك تراجعاً بنسبة 84% عن المعدل المتوسط في يوليو/تموز بين عامَي 1991 و2022، ما يجعله أكثر الأشهر جفافاً منذ مارس/آذار 1961 وفق الهيئة.

وشهدت الحدود بين سويسرا وإيطاليا تغيُّراً إثر ذوبان نهر ثيودول الجليدي، وفي هذا السياق، حسب خبراء البيئة، فإن موجات الحر التي تضرب أوروبا ساعدت على زعزعة استقرار الأنهار الجليدية، وذوبانها بمعدل ثلاث إلى أربع مرات أسرع مما يحدث في أجزاء أخرى من نصف القارة الشمالي.

تضارب النظريات

يرجع خبير الأرصاد الجوية والمدير السابق لإدارة الأرصاد الجوية الكويتية محمد كرم، الأمطار الغزيرة والتساقطات الثلجية النادرة التي عرفتها البلاد إلى التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، وهو ما يعتقده قطاع واسع من الخبراء، إذ يعتبرون انقلاب المناخ في شبه الجزيرة العربية إلى الرطوبة والإمطار إحدى ظواهر الاحتباس الحراري.

وبشكل معاكس يُعزى ارتفاع درجة الحرارة في أوروبا إلى نفس الظاهرة، وهو ما أكّدَته تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إذ أوضحت أن "التدفق الهوائي القوي للجنوب الغربي تَسبَّب في جلب الهواء الدافئ من شمال غرب إفريقيا إلى خطوط العرض الوسطى الأوروبية"، هذا الهواء الأكثر سخونة من المعتاد "كان أكثر دفئاً عند عبور شمال الأطلسي، بسبب درجة حرارة سطح البحر المرتفعة أكثر من المعتاد".

في المقابل يرى خبراء المركز العربي للأرصاد أن التحول المناخي في الجزيرة العربية ظاهرة تاريخية عرفتها المنطقة قبل قرون عديدة، إذ كانت منطقة خضراء قبل تصحُّرها.

ويعتقد عدد من العلماء أن أسباب التغيير المناخي الذي قلب الصحراء خضراء، ثم أعادها صحراء، هو انحراف دوري في محور الكرة الأرضية، يؤدّي إلى تغيير في انحناءة الكوكب، فتتغيّر قوة الشمس التي تضرب بقعة معيَّنة من الأرض، ويؤدّي التغيُّر الشمسي إلى تغيُّر مناخي.

TRT عربي