أشارت دراسة أخيرة نشرتها المؤسسة البحثية "One Earth"، التي تعنى بقضايا البيئة ومخاطر التغيرات المناخية، بأن كبار شركات النفط العالمية تسببت في خسائر تقدر بتريليونات الدولارات، جراء الكوارث البيئية التي ألحقتها التغيرات المناخية. وهو ما يلزم هذه الشركات بدفع مئات المليارات من الدولارات سنوياً، إن هي أرادت التعويض عن الضرر الناتج عن تجارتها.
بالمقابل تأتي هذه الدراسة متزامنة مع التحذيرات التي أطلقها خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة، والتي تتوقع أن الاحترار المناخي سيزيد 1.5 درجة بحلول 2030، وهو ما يعني بلوغ العتبة التي حددتها قمة المناخ "كوب21" في باريس عام 2015، كهدف تلتزم عدم وصول حرارة الكوكب إليه.
تعويضات بتريليونات الدولارات
وقالت دراسة "One Earth"، المعنونة بـ"حان الوقت لتدفع شركات النفط الثمن"، إن 21 من كبار شركات النفط العالمية، بما فيها توتال وإكسون موبايل وشيفرون وشال، تسببت في ما يقدر بـ5.4 ترليون دولار من الخسائر التي ألحقتها التغيرات المناخية، ومنها الجفاف والحرائق وارتفاع منسوب مياه البحر وذوبان الجليد، وكوارث أخرى متوقعة بين 2025 و2050.
فيما تعد هذه الدراسة المرة هذه هي الأولى التي يحدد فيها الباحثون العبء الاقتصادي الذي تسببه شركات النفط، بإنتاجها للمصدر الرئيسي لانبعاثات الكربون في العالم. ودعت "One Earth" هذه الشركات لتحمل مسؤوليتها الأخلاقية، وتعويض المتضررين عن هذه الخسائر.
وحسب أرقام الدراسة، يتعيّن على هذه الشركات دفع ما مجموعه 209 مليارات دولار سنوياً كتعويضات للمتضررين عن تلك الخسائر. فيما تقر بأن هذا الرقم، على كبره، بقى متحفظاً إذ لا يحتسب القيمة الاقتصادية للأرواح المفقودة وسبل العيش، وانقراض الأنواع وفقدان التنوع البيولوجي.
وهو ما يؤكده ريتشارد هيدي، أحد مؤسسي "One Earth" ومديرها، كما شارك أيضاً في الدراسة، بقوله: "هذه ليست سوى قمة جبل الجليد للأضرار المناخية طويلة المدى (التي تتسبب فيها شركات الوقود الأحفوري)، وتكاليف التخفيف والتكيف (مع تلك الأضرار)".
وبدوره، حمّل محمد أدو، مدير معهد "Power Shift Africa"، وهي مؤسسة بحثية متخصصة في المناخ والطاقة ومقرها كينيا، المسؤولية الأخلاقية لتلك الشركات بشأن التعويض. وقال أدو: "القضية واضحة لشركات النفط والغاز بشأن دفع تعويضات عن الضرر الذي تسبب فيه الوقود الأحفوري. لم تكن طاقتهم القذرة هي التي دمرت المناخ فحسب، بل أنفقت (في كثير من الحالات) ملايين الدولارات على الضغط والتضليل لمنع النضال المناخي".
وفي هذا الصدد، كشفت تحقيقات صحفية، عام 2021، أن شركة توتال إنرجي الفرنسية كانت على علم مسبق، قبل أزيد من 50 سنة، بالآثار المناخية المدمرة التي يتسبب فيها الوقود الأحفوري وارتباط التغيرات المناخية بانبعاثات الكاربون الناتجة عنه، بل وأجرت دراسات خلال سنوات السبعينيات أكدت لها هذه النتائج، ومع ذلك استمرت في تلويث الهواء.
احترار الكوكب متواصل
وتأتي دراسة "One Earth" قبل أسابيع من التحذيرات التي أطلقها خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها الأخير الذي نشرته أواخر مارس/آذار المنصرم.
ويتوقع تقرير الهيئة بأن الاحترار المناخي سيواصل ارتفاعه، ليبلغ مقدار 1.5 درجة ما بين عامَي 2030 و2035. وهو ما يعني تسارع الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية وزيادة وتيرتها، وعلى رأسها الجفاف وارتفاع منسوب المياه وذوبان الجليد. وعلّق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على هذا التقرير الكارثي، قائلاً: "إن البشرية تمشي على طبقة رقيقة من الجليد الذي يذوب بسرعة".
ويعتبر الحد من ارتفاع الاحترار المناخي عند عتبة 1.5 مئوية في أفق عام 2050، أحد أهداف اتفاق قمة المناخ "كوب 21" التي عقدت عام 2015 في باريس. غير أن توقعات التقرير الأخير، أتت كصفعة على خد هذه التعهدات، إذ تتوقع تخطي تلك العتبة بشكل أسرع بكثير مما طمحت إليه أهداف الاتفاق.
ويوصي التقرير بأن التخفيض السريع لانبعاثات الغازات الدفيئة، من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ واضح بظاهرة احترار المناخ في نحو عقدين".