لا يزال الغموض السمة الأكثر ملاءمة لوصف "إمبراطورية قرطاج" التي لم تبُح بأسرارها حتى اليوم، ورغم تمكّن علماء الآثار من فكّ شفرة حضارات عديدة، فإن قرطاج وتاريخها المخفى ظَلّا سرّاً يؤرّق الباحثين ويسعى علماء ومؤرخون لسبر أغواره.
المؤرخ التونسي والأكاديمي بالجامعة التونسية بولبابة النصيري يكشف لنا في هذا الحوار الذي أجرته TRT عربي عن بعض أسرار قرطاج وتاريخها، ويوجّه من خلاله نداءات إلى أطراف عدّة للبحث وتصحيح مسار وتاريخ حضارة كاملة، وربما تصحيح مسار التأريخ العالمي.
وفي ما يلي نص الحوار:
* كيف كانت تونس قبل قرطاج؟
يمكن تلخيص الحقبة التاريخية أو الحضارات التي تعاقبت على تونس قبل قرطاج في 3 فترات، الأولى كانت الحضارة القبصية (القرن البرونزي الأول) التي استمرت نحو 53 ألف سنة، فالحفريات التي قام بها خبراء بريطانيون مع مجموعة من الأساتذة الأمريكيين من جامعة كاليفورنيا أثبتت أنّ آخر عهد لنا بالحضارة القبصية يعود إلى 7 آلاف عام، لكن هذا لا يعني أنها لم تتواصل، فقد تواصلت من خلال وريثها.
الحضارة الثانية هي الحضارة العاترية التي امتدت على كل من قابس وتوزر وقبلي وتطاوين (الجنوب التونسي)، ثم الحضارة الآشولية التي امتدت من الجنوب إلى أقصى الساحل. تواصلت هذه الحضارات من العصر الحديدي إلى العصر البرونزي، أي من القرن التاسع عشر إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
أما الشعوب التي وُجدت في هذه المناطق فهي مختلفة على اعتبار أنّ أول هجرة شهدتها تونس تاريخياً كانت من الجنوب إلى أقصى الجنوب (من توزر إلى قابس)، ثمّ مع الحضارة القبصية انطلقت الهجرة إلى السواحل. عموماً هجرتنا كانت عكسية من السواحل إلى أقصى الجنوب، على اعتبار أنّ الحضارة القبصية كانت معمرة وتمتدّ إلى عديد من المدن، والآثار الموجودة في متحف قفصة تثبت هذا.
كذلك نحتاج إلى تصحيح للمفاهيم التي تدّعي أنّ الأمازيغ والبربر هم السكّان الأصليون، هذا مفهوم خاطئ لأن كلمتَي بربر وأمازيغ من الكلمات المستحدثة التي وقع إسقاطها على تاريخ تونس خاصة.
سكان شمال إفريقيا لم يكونوا من البربر ولا الأمازيغ، هم مجموعة من الأجناس المختلفة، لوبيون ونوميديون وقرطاجيون وقبصيون وحتى من أصول أوروبية وكنعانيون.
* كيف ومتى تأسست قرطاج؟ وما علاقتها بالفينيقيين؟ وهل شخصية عليسة حقيقية أم أسطورة؟ وما علاقتها بتأسيس قرطاج؟
كل كتبنا الجامعية والمدرسية تؤكّد أنّ عليسة مجرّد أسطورة، لكن أين الإشكالية؟ في تعلّقنا بهذه الأسطورة، الإغريق والرومان أيضاً أخبرونا أنّها أسطورة، نحن لم نبحث عن الحقيقة، وكيف لنا أن نبحث عن إرث حضارة من خلال أسطورة؟
ثمّ كيف يمكن تأسيس حضارة من خلال 80 فرداً فقط؟ الاعتقاد بأنّ الفينيقيين هم مؤسسو قرطاج هو اعتقاد خاطئ جداً؛ فينيقيا لم تكن قَط حضارة، وليست إمبراطورية، فينيقيا في الحقيقة هي وصف أو تسمية للدويلات التي كانت موجودة في الشام، وصيدا، وصور، وكنعان، تمتد حتى الحدود الشمالية لسوريا والحدود الجنوبية لتركيا، كلها كانت إمارات صغرى من أصول كنعانية، السمة التي كانت تجمع بينهم حروبهم الدامية التي امتدت إلى قرون.
في الواقع هم لم يكونوا قَط حضارة، ولا رابط بينهم إلا الحرب، هنا نتحدث في حدود القرن الحادي عشر قبل الميلاد، طالت هذه المعارك وبدأ زحف الجيوش الآشورية من العراق، وقُضي كلياً على هذه الدويلات.
مع اشتداد الحرب هرب نحو 80 شخصاً من الفينيقيين ودخلوا حوض البحر الأبيض المتوسط، يقول المؤرخون إنّ سفينتهم تعرضت للغرق، وقع إنقاذ هؤلاء وانقسموا إلى سفينتين، سفينة توجهت إلى قرطاج والأخرى نحو مصر.
وقع تزييف ومحو كبير لتاريخ قرطاج، نحو 400 عام من التاريخ القرطاجي جرى محوها من الذاكرة التاريخية من قِبل الرومان والإغريق وحتى من قِبل مَن جاء بعدهم. تاريخ 814 قبل الميلاد هو تاريخ خاطئ ومزيف حاولوا إقناعنا به، الفينيقيون لم يكن لهم وجود أصلاً في ذلك الوقت.
من هنا أوجّه نداءً إلى المؤرخين التونسيين، والحكومة التونسية، والبرلمان التونسي، والدولة التونسية لتصحيح التاريخ، لأنّ قراراً كهذا يكون سيادياً، يحتاج إلى كثير من الإرادة والموارد.
* لماذا يعتمد دارسو التاريخ على المصادر الإغريقية واللاتينية بالأساس في دراسة التاريخ القرطاجي؟
خلال حقبة الاستعمار الفرنسي لتونس وقع كثير من الأمور التي اعتدت على التاريخ التونسي، إذ إنّ أكبر سرقات الآثار التي شهدناها كانت عبر "جمعية أصدقاء قرطاج"، التي أسسها الطبيب فيليب أرطوست وزوجته عام 1919، وكان مقيماً بتونس وعاشقاً للتاريخ، خلال تلك الفترة شهدت تونس أكبر عملية ممنهجة وقانونية لسرقة الآثار، بموافقة البايات (الحكام الحسينيون).
سرقة وطمس وتخريب متعمد للتاريخ والآثار التونسية، محتويات متحف اللوفر وليون ومارسيليا كلها آثار تونسية، نحن نتحدث عن أكثر من 800 قطعة أثرية، وكثير من القطع الأثرية التونسية موجود إلى اليوم في المخازن الفرنسية ولم يُعرض أو يُعلن عنه.
وفي المتحف البريطاني اعترفت بريطانيا 1974 بأنّها تمتلك نحو 12 ألف قطعة ولوحة أثرية جرى تهريبها من شمال إفريقيا، تاريخ تونس موجود في المخازن البريطانية والفرنسية، ولا معلومة لنا عنه.
كما كانت بريطانيا تستحوذ على حجر رشيد (مفتاح اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية)، تمتلك كذلك مفتاح اللغة القرطاجية، لأنها تمتلك بعض اللوحات التي تحتوي على اللغة القرطاجية ولم ترد الإعلان عنها، اللوم أيضاً يقع على الحكومة التونسية التي لم تحاول حتى البحث عنها أو استرجاعها.
بطمس وتخريب الفرنسيين لهذا التاريخ غابت عدة حقائق، وجرى تعويضها بالمصادر الرومانية الكلاسيكية، وبطبيعة الحال التاريخ يكتبه المنتصر، فتغيب الحقيقة.
* كم عدد المواقع الأثرية القرطاجية في تونس؟
عدد المواقع القرطاجية في تونس يبلغ 34 موقعاً، للأسف الدولة لا تعترف إلا بواحد فقط وهو موقع كركوان، هذا الموقع لم تكتشفه الدولة التونسية، بل جرى اكتشافه خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
في تونس لم نقُم بأي شيء حرفياً، فقط ننفض القليل من الغبار عن القطع الأثرية، كل ما هو موجود في المتاحف التونسية لم نقُم نحن التونسيون بالعمل عليه، ورثناه عن الاستعمار، وجرى العمل عليه من قِبل غير المختصين، فرنسا أيضاً تتحمل مسؤولية تهميش وتخريب آثارنا وتاريخنا.
الفرنسيون خربوا موقع كركوان وسُرق كثير من التوابيت، وحفروا في مقابر وفي مدينة قرطاج، يمكنني الجزم بأنّ فرنسا حفرت في كامل التراب التونسي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. الإشكالية أنهم يدّعون أنّ موقع كركوان فقط قرطاجي. أعطي مثلاً هنا، موقع دقة الذي يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، مَن الحضارة التي حكمت تلك الحقبة؟ الحضارة القرطاجية دقة بناها القرطاجيون، إذاً كيف يصحّ ادعاء فرنسا بأنّ دقة بناها الفينيقيون وطوّرها الرومان؟ هذا خطأ كبير.
ومن هذا المنبر أدعو إلى الاعتناء بميناء سلقطة، وبإقامة حفريات جديدة فيه، كذلك الاعتناء بالموقع الأثري بأوتيك، والموقع الأثري بكاب زبيب الذي يحتوي على ميناء قرطاجي، الموقع الأثري بحيدرة الذي يعود إلى القرن الرابع ق.م، علينا أيضاً إطلاق حفريات في سبيطلة لأنها تحتوي على آثار قرطاجية ورومانية وبيزنطية، موقع دقاش في الجنوب يحتوي على معبد روماني بني على معبد قرطاجي.
هذه أكبر المواقع المكتشفة، لكن علينا تسليط الضوء والعمل أكثر على كل من موقع سلقطة وكركوان وموقع دقة، أسرار قرطاج الكبرى ستخرج من هنا، سلقطة كانت البداية والنهاية، رفات الجنود وسيف ودرع حنبعل وُجدوا في سلقطة.
قرطاج هي التي خلقت قانون الزراعة، قرطاج كانت أول حضارة وأول جمهورية ديمقراطية، أول محكمة دستورية، قرطاج خلقت أول قانون يهتم بشؤون المسنين، بحفظ حقوقهم والسماح لهم بالتطبب والتعبد ودخول المسرح مجاناً، قرطاج أول جمهورية سنت قوانين لحفظ حقوق المرأة ومنع تعدد الزوجات، قرطاج منعت ضرب المرأة، قرطاج سنّت قانوناً يضمن حق المرأة في الميراث، قرطاج اعترفت بأحقية شهادة المرأة في المحكمة، قرطاج سمحت بحضور المرأة في المسارح.
في الحضارات الأخرى لم يُسمح للمرأة بالحضور في المسارح إلا في القرن الثالث بعد الميلاد، في قرطاج كان بإمكان المرأة قيادة العربة والعمل في أرضها والحق في امتلاكها، للمرأة في قرطاج الحق في الإجهاض.
المرأة في قرطاج لعبت أدواراً بما في ذلك الصناعات، وكانت رائدة في صناعة الفضة، تاريخ كبير طمسوه، من حقّنا أن ندافع عنه، وعلى الدولة التونسية أن تبعث مشروعاً وطنياً لتصحيح تاريخ قرطاج.
* لماذا حرصت روما على طمس ملامح الحضارة القرطاجية؟
العلاقة بين روما وقرطاج كانت تنافسية تجارية فقط، مع أوائل القرن الرابع ق.م بدأ الخلاف، مع رغبة قرطاج في التوسع، امتدت إلى أن وصلت إلى الحدود الإغريقية، من صقلية إلى كردينيا إلى الحدود الجنوبية لروما ثم الحدود الشرقية، وصلت حتى إلى مشارف البرتغال وكامل الشمال الإفريقي.
سبب العداء كان تنافساً تجارياً وتحوّل إلى تنافس استعماري، ومعه بدأت روما تستشعر أنّ قرطاج ستصل إليها فقاموا بنوع من الحمائية الاستباقية خلال الحرب البونية الأولى، وانتصرت فيها قرطاج انتصاراً كاملاً، وما أحدث الفارق فيها الصناعات القرطاجية التي كانت متطورة كالسفن والصناعات العسكرية، إضافة إلى قوّتها الاستكشافية، فقرطاج قامت بأول رحلة من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى الداخل الإفريقي (رحلة حانون).
* لماذا تلقى الآثار الفرعونية رواجاً واهتماماً أكثر لدى المؤرخين والباحثين، في حين لا يلقى التاريخ القرطاجي نفس الاهتمام؟
تثمين الآثار في مصر مشروع وطني تتضافر فيه جهود الدولة كاملة، نحن نمتلك ما يساوي أهرامات مصر قيمة، مثلاً موقع دقة أو موقع حيدرة الذي يخربونه وينهبونه، موقع هيكتيس في مدنين، نمتلك آثاراً ذات قيمة كبيرة، بمجرد دخولك قصر الجم الأثري لن تقدر على المغادرة بسهولة لعظمة ما تراه، كل هذا لم يُثمن ولم تستثمر فيه الدولة.
الاعتناء المواقع الأثرية وحفظها والاستثمار فيها تجلب السواح وتجعلها تلقى رواجاً عالمياً، وهذا ما قامت به مصر، المشروع الوطني المصري لتثمين الآثار انطلق منذ ستينيات القرن الماضي، مدخول مصر سنوياً من سياحة الآثار يناهز 6 مليارات دولار، تتنافس في ذلك مع أرباح قناة السويس، للأسف ليس لدينا مشروع وطني لتثمين الآثار، الآثار تحتاج إلى التعريف بها وشهرها والاستثمار فيها.
* مَن حنبعل؟ وكيف كان الصراع معه؟ وكيف انتهى؟ وهل كان حنبعل أسود البشرة؟
حنبعل لم يكن قَط أسود البشرة، لو كان كذلك لذُكر الأمر حتى في تاريخ العدوّ. خلال عهد حنبعل انتشرت المنحوتات الفنية بصفة كبيرة، لدى كل من الرومان والإغريق والقرطاجيين، الفنان الذي نحت تمثال أليسكو وتكسوس وهيرودوكس وتمثال قسطنطين الأول هو من نحت تمثال حنبعل، القاسم المشترك بين كل هذه التماثيل ملامحها المتشابهة، ملامح سكان البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي لم يكن أسود، وبالنظر إلى العملة النقدية التي عليها صورة حنبعل، تميل الملامح فيها إلى إنسان البحر الأبيض المتوسط، الإنسان الروماني والإسباني والتونسي.
البنية الجسدية للإنسان الأسود عادة ما تكون ضخمة، يختلف فيها شكل الأذن والأنف وذقن الإنسان، عادة ما يكون أكبر حجماً، حسب صورته من المستحيل أن يكون حنبعل أسود البشرة.
تعود أصول حنبعل إلى عائلة باريكون، أبوه حمليقار برقة، أخوه صدربعل، عائلة ثرية في إسبانيا، وصل إلى السلطة عن طريق الديمقراطية في إمبراطورية جمهورية، رتبته "السبط" وتعني رأس الدولة، كانت السلطة تنقسم إلى ثلاث: سلطة مراقبة (مجلس المئة) ما يوازي المحكمة الدستورية، وسلطة تشريعية (مجلس الشيوخ)، وسلطة تنفيذية (السبط).
وصل إلى الحكم عن طريق التدرج في المناصب، حرص أبوه على تعليمه الرماية وركوب الخيل والسباحة واللغات، جاب كثيراً من المدن، تكوينه كان حربياً وتربوياً واجتماعياً، حنبعل كان فاقداً لوجود الأم في حياته، وكان يمتلك مشروعاً إصلاحياً، منذ وصوله إلى السلطة واجه حنبعل معارضيه بسنّ قانون جديد للضريبة، وباستصلاح الأراضي الزراعية، وعديد من المشاريع الإصلاحية.
* هل كان جيش حنبعل يتكون من المرتزقة أم أنه جيش نظامي تابع للدولة القرطاجية؟
لا، لم يلتحق المرتزقة بجيش حنبعل إلا في آخر مرحلة من المعركة، ولم يكونوا من المرتزقة، كانوا أتباعاً للإمبراطورية القرطاجية، وهذا كان معمولاً به في جميع الحروب بصفة عامة، لم تكن هناك حضارة لم تستعمل المرتزقة لكن حنبعل وجد إشكالاً في التمويل في تلك الفترة، إلى حين سكّ العملة ليخلصهم، وهذا ما خلق نوعاً من التململ في جيشه.
* هل كان هذا سبب هزيمة حنبعل؟ وكيف كانت نهايته؟
النهاية يوجد اختلاف كبير حولها حتى الآن. تاريخياً حنبعل كان قائداً عسكرياً وابن قائد عسكري ووريث حضارة كبيرة، الترويج لأنّه فضّل الهرب يعتبر أمراً يستحيل تصديقه، وهذه الرواية طبعاً هي رواية المنتصر، من المستحيل لقائد عسكري أن يخون حضارة كاملة ويخون تاريخ كاملاً.
لو افترضنا أنّ معركة زاما قد حدثت بالفعل، هي رواية الطرف الذي انتصر في المعركة، وتقول إنّ حنبعل انتحر، ولكن هذا يطرح السؤال حول الدليل المقدّم في هذه الرواية، ولا وجود لأيّ دليل حول ذلك، بل إنّ نفس المؤرخ الذي قدم هذه الرواية قال في رواية أخرى إنّ حنبعل هاجر إلى تركيا ودفن فيها.
يوجد اختلاف كبير حول نهاية حنبعل، لا نملك دليلاً قطعياً، وكلّ الروايات تبقى افتراضاً، كلها مبنية على تاريخ الطرف المنتصر الذي كتب القصة حسب ما يريد، لتظل نهاية حنبعل حتى الآن مجهولة.
نحن اليوم قادرون على الوصول إلى حقيقة النهاية، لدينا رفات، لكنّ الحكومة التونسية والمعهد الأعلى للتراث يرفضان أن يحللاها، لماذا؟ وفي أحيان ينفي المعهد الأعلى للتراث وجود الرفات، ثم يخبرنا أنه ضاع، حتى الرواية التي نملكها تختلف.
هناك كثير ممن يريدون طمس تاريخ قرطاج لوجود سر كبير جداً فيه، نحن بحاجة إلى اكتشاف حقيقة هذا السر، هذا السر سيجيب عن سؤال: لماذا تمسكت روما والإغريق والاستعمار الفرنسي والبريطانيون أيضاً بكلمة "أسطورة"؟ و لماذا لم تقُم فرنسا بحفريات في جبل بوقرنين بحمام الأنف؟
* ماذا يمكن أن يكون في هذا الجبل؟
حسب الحفريات يمكن أن يكون فيه معبد، وحسب الخرائط التي تركها ريدوتس يمكن أن يكون المعبد الكبير المسمى بمعبد بعل آمون، وسرّ عصا وصولجان بعل آمون التي يتكئ عليها حسب تمثاله، عصا بعل آمون وصولجانه مكانهما واضح ولكنّه غير موجود، يوجد طمس مقصود وتزييف مقصود في الأمر.
* ما الغاية من طمس الحقيقة وعدم كشف هذا السر؟
يوجد سرّ كبير تتميز به الحضارة القرطاجية، من الممكن أنّ قرطاج كانت مركزاً للعالم أو مركزاً للأديان أو مركزاً ثقافياً عالمياً، نريد أن نبحث عن حقيقة ما يقارب 500 سنة من تاريخ قرطاج المدفون، ونتساءل عن أسباب رفض الحفريات الكبيرة في تونس.
* الحفريات الكبرى مرفوضة في تونس مِن قِبل مَن؟
مرفوضة حتى من السلطة، ولا نمتلك حتى القرار السياسي. أتذكر في سنة 2016 تقدمنا بمشروع مع ثلة من النواب لتغيير اسم العاصمة لتصبح الدولة التونسية وعاصمتها قرطاج، جرى قبول الوثيقة ولكن بعد ذلك لم نسمع أي شيء حول الأمر، عندما سألنا عنه أخبرونا أنّ المشروع رُفض، ليس فقط من تونس وإنما من خارجها أيضاً، نحن إلى غاية اليوم لا نمتلك قراراً سيادياً كبيراً في ذلك.
عندما نريد اليوم القيام بحفريات كبيرة تحت قصر الجم مثلاً لا نمتلك الحق في ذلك، ولا نستطيع القيام بحفريات كبيرة في دواميس سوسة المغلقة من عهد فرنسا، وهي دواميس كبيرة جداً تحت المدينة، ولاية سوسة تحتوي على دواميس أثرية فيها قبر ما يسمى بالراعي الصالح، لكنّ التونسيين لا يعلمون قصته.
* ما قصة الراعي الصالح؟
الراعي الصالح في ما يبدو نبي سكن بتونس، هناك لوحة تجسّد هذا الراعي ومعه أغنامه، كان رجلاً صالحاً وكان له تأثير ديني كبير جداً في المنطقة، عاش في تونس ولا نعلم أين دُفن، هناك قبور وجدتها فرنسا من الممكن أن يكون قبره بينها، حفرت أيضاً عدة دواميس وجرى إغلاقها بعد ذلك، لا نعلم حقيقتها وما فيها من أسرار.
في تونس كثير من الأسرار، مجال الآثار جرى تهميشه عنوة وعن قصد، من داخل وخارج تونس، والمسؤولية كبيرة، عندما تكون هناك إرادة وطنية وجماعية سنكون قادرين على حل هذا اللغز المتعلق بقرطاج وسرها، الأمريكان الآن يبحثون، وهم يتزعمون هذه الأبحاث.
* كيف سقطت الحضارة القرطاجية؟
سقوط الحضارة القرطاجية كان لعدّة أسباب، الأول كان العداء الداخلي والعداء الكبير ضد حنبعل من الداخل قبل الخارج، وعدم تمويل حملته العسكرية الأخيرة، وعدم تقديم المساعدة والإمدادات له. ومن أخطاء حنبعل أنه فتح كثيراً من المعارك وعدّة جبهات في ذات الوقت، سقوط قرطاج كان بسبب الخيانة من مجلس الشيوخ وخيانة النوميديين وأقرب الناس إلى حنبعل.
كما يتحمل حنبعل نوعاً من المسؤولية في سقوط قرطاج بسبب رغبته الشخصية في الانفراد بالقرار السياسي والعسكري، وأيضاً بسبب رفضه بعض المساعدات العسكرية من دول أخرى.
مع العلم أنّ سقوط قرطاج لم يكن بنفس الطريقة التي كتبها لنا التاريخ، فهي لم تسقط بالسهولة التي جرى تصويرها لنا ولم يجرِ تدميرها، وما جرى قصفه في الحقيقة هو المعبد والأسوار فقط، أعني أنّ قرطاج لم تدمرها كليّاً بالصورة التي نتخيلها، ما جرى تدميره هو قرطاجنة، وهي الموجودة في العاصمة الآن.