وأمس الخميس، تعهَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتنفيذ ضربات بـ"كامل القوة" ضد حزب الله حتى يتوقف عن إطلاق الصواريخ عبر الحدود، مما أضعف الآمال في اقتراح وقف إطلاق النار الذي قدمه مسؤولون أمريكيون وأوروبيون، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتد برس.
ودعت الولايات المتحدة وفرنسا وحلفاء آخرون، في وقت متأخر من يوم الأربعاء، إلى وقف إطلاق نار "فوري" لـ21 يوماً للسماح بالمفاوضات مع ازدياد المخاوف من أن التصعيد العنيف في الأيام الأخيرة -بعد 11 شهراً من تبادل إطلاق النار عبر الحدود- يمكن أن يتحول إلى حرب شاملة.
ويعد هجوم إسرائيل هو "الأعنف والأوسع". ووفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن خبراء عسكريين، فإن الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل كانت بمنزلة "واحدة من أكثر الغارات الجوية كثافة في الحروب المعاصرة، متجاوزةً حتى قصف غزة خلال الأيام الأولى من الحرب في أكتوبر/تشرين الأول".
وبسبب التصعيد، نزحت آلاف العائلات من الجنوب نحو صيدا وبيروت حتى طرابلس في الشمال، بحثاً عن الأمان بعد أن تركوا كل ممتلكاتهم تحت القصف الإسرائيلي، فيما أدت حركة النزوح المكثفة إلى زحمة سير كبيرة على الطرق الرئيسية، وبقي النازحون، وبينهم أطفال ونساء، لساعات داخل سياراتهم من دون طعام ولا ماء، يسألون عن مراكز إيواء أو منازل للإيجار.
هذه المشاهد المتتالية في لبنان تنذر بكارثة إنسانية، إذ تتشابه الوقائع ومقدمات التصعيد بين الجبهة الجنوبية اللبنانية وما يحصل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ لا تزال الإبادة مستمرة فيه حتى الآن.
تصعيد ميداني واجتياح بري محتمل
ويستمر التصعيد المتبادل بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله إلى اليوم الخامس على التوالي، وأدت الغارات الإسرائيلية على 5 محافظات في لبنان، أمس الخميس، إلى مقتل 92 شخصاً وجرح 153 آخرين، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وعلى الحدود مع لبنان، أجرى جيش الاحتلال، أمس، مناورة تحاكي اجتياحاً برياً، وهي المرحلة التالية المحتمَلة بعد الغارات الجوية المتواصلة وتفجيرات أجهزة الاتصالات، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
وقال قائد القوات الجوية في جيش الاحتلال الإسرائيلية، اللواء تومر بار، في وقت متأخر من يوم الخميس، إن القوات الجوية تخطط لمساعدة القوات في حالة وقوع عملية برية وستوقف أي عمليات نقل للأسلحة من إيران.
وقال نتنياهو لجنوده في مقطع فيديو وزَّعه الجيش: "نحن نستعد جنباً إلى جنب مع القيادة الشمالية لمناورة برية. مستعدون إذا جرى تفعيلها. هذا قرار يجب اتخاذه فوق رؤوسنا".
وفيما عُدَّت بوادر اجتياح بري، أعلن جيش الاحتلال، الأربعاء، استدعاء لواءي احتياط إلى الحدود مع لبنان، وقال قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، إن "إسرائيل دخلت مرحلة جديدة من حملتها، ويجب أن تكون مستعدة للمناورة والعمل". ولم يحدد ما إذا كانت هذه التصريحات إشارة إلى اجتياح بري محتمل في جنوب لبنان.
وقال اللواء أوري جوردين خلال زيارته، الثلاثاء، تدريب لواء على الحدود الشمالية لإسرائيل: "دخلنا مرحلة جديدة من الحملة"، حسب بيان عسكري. وأضاف: "بدأت العملية بضربة قوية لقدرات حزب الله، مع التركيز على قدراته النارية، وضربة قوية للغاية لقادة المنظمة وعناصرها. وفي مواجهة هذا، نحتاج إلى تغيير الوضع الأمني، ويجب أن نكون مستعدين تماماً للمناورات والعمليات".
كانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد كشفت في تقرير لها، الثلاثاء الماضي، عن أن جيش الاحتلال أعدَّ طوال العقد الأخير لحملة عسكرية كبرى ضد حزب الله، مضيفةً أن "تضاؤل قدرات حركة حماس في غزة عزَّز من إمكانية تنفيذها".
ونقلت الصحيفة عن ميري آيزين، ضابطة استخبارات سابقة في جيش الاحتلال الإسرائيلي التي جرى إطلاعها على المداولات الأمنية: "كان الجيش يبني ويعيد بناء الخطة منذ سنوات"، مضيفةً أنه "في كل مرة نصل إلى مرحلة ونكون على وشك تنفيذها، تكون هناك قيود".
وأوردت واشنطن بوست، نقلاً عن محللين، أن نتنياهو كان متردداً في دخول مواجهة شاملة مع حزب الله خوفاً من القتال على جبهتين، ومن التورط في حرب مكلفة وغير حاسمة أخرى في لبنان.
الكاتب والباحث في الشأن السياسي والعسكري سمير الحسن، يرى أنه منذ أن جرى الهجوم السيبراني وتفجير البيجرات وأجهزة اللا سلكي فإن الحرب بين إسرائيل وحزب الله "دخلت مرحلة جديدة من التصعيد".
وقال الحسن لـTRT عربي: "أعتقد أنه من الطبيعي أن ترد المقاومة، وحتى الآن هي تعمل على إجراء دفاعي، أي ضمن مسرح العمليات الذي وضعت له آليات عمل كإسناد، والنمط الآخر هو الرد على الاستهدافات".
ويضيف: "دخلنا مرحلة من التصعيد، وعلى ما يبدو أمريكا تشتري الوقت لنتنياهو، وهو يستثمر بهذا الوقت الضائع، نحن أمام فترة الوقت الضائع من الآن حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني، يحاول نتنياهو تعويض خسائره وإخفاقه وإسقاط أهدافه في غزة عبر الانتقال إلى جبهة الجنوب".
ويشير الحسن إلى أن جيش الاحتلال منذ نحو أسبوعين، ينقل الفرق العسكرية، كالفرقة 36 والفرقتين 98 و162، بالإضافة إلى وجود الفرقتين 99 و210"، معتبراً أنه "إجراء هجومي تطوَّر على مستوى المواجهة".
هل تكرر إسرائيل سيناريو غزة في جنوب لبنان؟
وفق مراقبين، هناك اختلافات جوهرية بين غزة ولبنان، وكيفية إدارة إسرائيل عملياتها حتى الآن، التي تقول إنها تهدف إلى دفع حزب الله بعيداً عن الحدود حتى يتمكن عشرات الآلاف من الإسرائيليين النازحين بسبب هجمات حزب الله الصاروخية، من العودة إلى ديارهم. وعلى الرغم من قولها إنها تستعد لعملية برية محتملة، فإن إسرائيل لم ترسل قواتها إلى لبنان حتى الآن.
وهناك مخاوف من أن تتكرر أفعال إسرائيل في غزة، بما في ذلك استخدام القوة المفرطة، التي وصفتها منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة بأنها غير متناسبة في لبنان. وهدد كبار المسؤولين الإسرائيليين بتكرار سيناريو غزة في لبنان إذا استمر حزب الله في إطلاق الصواريخ.
ويرى الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، في حديث مع TRT عربي، أنه "من حيث النيات والمخططات، إسرائيل لا تستبعد شن حرب إبادة على لبنان وتدميره، وتُلوِّح بإعادته إلى العصر الحجري وتدمير كل بنيته التحتية ومعاقبة لبنان بسبب ما يفعله حزب الله".
ولكن يستدرك الباحث بقوله: إن "إسرائيل أيضاً تدرك أن معادلة لبنان وأدوات الردع لدى حزب الله مختلفة عن غزة، كما أن نظرة العالم إلى لبنان لا تشبه ما نظرته إلى غزة، أي إن العالم لا يحتمل رؤية تدمير هائل في لبنان وبنية تحتية ومنشآت، خصوصاً فرنسا والغرب".
ويشير منصور إلى اختلاف السياقات بين جبهة لبنان وغزة بقوله: "لبنان لم يصدر منه (السابع من أكتوبر)، ولا تحكمه حماس التي نفذت العملية، حزب الله جزء من تشكيلة لبنان، لذلك هذا يقيّد إسرائيل، أي إن عوامل الردع والنظرة الدولية وعدم امتلاكهم مسوغاً كافياً تقيد الاحتلال في هذا الأمر، لذلك ربما يقدم على عملية تدمير واسعة، ولكن ليست بالحجم ولا بالطول ولا بالمدة التي استغرقها في غزة".
وحول مسألة الاجتياح والحرب البرية، يوضح منصور أنها "واردة ولكن لا تتعجل لها إسرائيل، لأنه يُدخلها في صراع مفتوح أو جبهة استنزاف تطول، وهي لا تريد حرباً طويلة مع لبنان، هذا يُرهقها، كما أنها لا تستطيع أن تحتمل وجود مليونَي إسرائيلي في الملاجئ لفترات طويلة".
ويتابع: "أعتقد أن اسرائيل تريد أن يدفع حزب الله ثمناً باهظاً، وتجعل اشتراكه في الجبهة مكلفاً، وبالتالي يذهب باتجاه حل يفصل بينه وبين غزة، ويسمح بعودة السكان إلى الشمال، وربما ينسحب إلى خلف نهر الليطاني".
دعوات للتهدئة
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أبلغ إسرائيل، الخميس، أن مزيداً من التصعيد في الصراع الدائر في لبنان لن يؤدي إلا إلى زيادة صعوبة عودة المدنيين إلى ديارهم على جانبي الحدود.
ورفضت إسرائيل الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار مع حزب الله، متحديةً بذلك أكبر حلفائها في واشنطن ومواصلة الضربات التي أسفرت عن مقتل المئات في لبنان وزادت المخاوف من اندلاع حرب إقليمية شاملة.
وسبق أن أكد بلينكن أن بلاده "تعمل بلا كلل مع الشركاء لتجنّب حرب شاملة"، معتبراً أن "خطر التصعيد في المنطقة حاد، ونركز بشدة على ذلك".
وأضاف أن "الدبلوماسية وجهودنا المنسقة ضرورية لمنع مزيد من التصعيد وتمهيد الطريق لمزيد من السلام والاستقرار".
كما حذر وزراء خارجية الأردن ومصر والعراق، الثلاثاء، من أن إسرائيل تدفع المنطقة إلى "حرب شاملة"، ودعوا إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان.
أكاذيب نتنياهو بين غزة ولبنان: "حربنا ليست مع المدنيين"
كان نتنياهو قد وجّه، الاثنين، رسالةً إلى اللبنانيين باللغة الإنجليزية تزامناً مع الضربات، قائلاً فيها: "لديَّ رسالة للشعب اللبناني أن حرب إسرائيل ليست معكم.. إنها مع حزب الله".
وأضاف: "لقد استخدمكم حزب الله لفترة طويلة دروعاً بشريةً، ووضع صواريخ في غرف معيشتكم وصواريخ في مرائبكم. من فضلكم، ابتعدوا عن الأماكن التي قد تتعرض للأذى الآن".
ومنذ حربه على غزة لطالما ادّعى نتنياهو أن حماس تستخدم المدنيين "دروعاً بشريةً"، في حين سبق أن كرر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ما قاله نتنياهو بأن "حربنا ليست مع أهالي غزة أو مع لبنان، بل مع حماس وحزب الله وداعميهما".
كما تلقى لبنانيون رسائل تحذير إسرائيلية عبر هواتفهم المحمولة تطالبهم بإخلاء أماكن وجودهم، مثلما يفعل الاحتلال في غزة، وأعلنت وحدة إدارة مخاطر الكوارث بالحكومة اللبنانية، الخميس، أن أعداد النازحين وصلت إلى نحو 77 ألفاً و100 نازح، حتى مساء الأربعاء.
والخميس، قالت متحدثة مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رافينا شمداساني، إن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على جنوب لبنان لها تأثير مخيف على المدنيين. وأضافت: "هذا الوضع له تأثير مخيف على المدنيين، والمطلوب بذل جهود عاجلة لوقف إطلاق النار".