احتجاجات في تل أبيب لإعادة المحتجزين الإسرائيليين / صورة: AA (AA)
تابعنا

وليلة الأحد، قام الإسرائيليون بأكبر مظاهرات مناهضة لحكومة نتنياهو منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقدرت هيئة عائلات المحتجزين الإسرائيليين المشاركين في المظاهرات بنحو 750 ألفاً في 20 مدينة وبلدة، بينهم نصف مليون في تل أبيب، وقبلها كانت دعت أكبر نقابة عُمالية في إسرائيل إلى إضراب عام.

ورغم ذلك الغليان لم تظهر تغيرات على خطط نتنياهو، حيث أنه مضى في تصعيد الحرب، وبدا أكثر تمسكاً بموقفه من عدم إتمام أي صفقة لا تشمل سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا بين مصر وغزة، وهي نقطة نزاع رئيسية في المفاوضات الخاصة باتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس.

لماذا لا تقود الاحتجاجات نحو اتفاق يضمن عودة المحتجزين؟

تقول صحيفة وول ستريت جورنال، إن الأسباب التي حالت دون تحرك الحكومة الإسرائيلية رغم كل تلك الاحتجاجات "معقدة، وبعضها سياسي بحت"، لكنها تعكس أيضاً المشاعر المتضاربة في الشارع الإسرائيلي، إذ "يوجد شعوران مسيطران، أحدهما الرغبة في إنقاذ الرهائن المتبقين وعدم الثقة في نتنياهو. وفي الوقت نفسه، يشعر الكثير أن الجيش يجب أن يبقى في غزة، قلقاً من أن التوصل إلى اتفاق مع حماس قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تشكيل قواتها".

من ناحية أخرى، يريد نتنياهو أن يحافظ على وجود أمني على طول ممر فيلادلفيا، الذي يمتد لمسافة 9 أميال على طول الحدود الفاصلة بين غزة ومصر، والذي تزعم إسرائيل أنه استُخدم لتهريب البشر والأسلحة.

وقال نتنياهو مخاطباً الإسرائيليين: "إنكم تريدون تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس، ولا يمكنكم السماح لحماس بإعادة التسلح، هذا أمر واضح، لذا يتعين عليكم السيطرة على الممر"، زاعماً أن "تحركات حماس هذه كلها جزء من حملة إرهاب نفسي تهدف إلى دفعه إلى الرضوخ لمطالب الحركة".

وهذا الموقف يلقى صدى لدى العديد من اليهود الإسرائيليين، وفق ما ذكرته الصحيفة، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد سياسة الشعب اليهودي في الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، أن 49% من الإسرائيليين اليهود قالوا إن "إسرائيل يجب ألا تتخلى عن السيطرة على الممر حتى على حساب صفقة الرهائن"، بينما قال 43% إنها صفقة الرهائن أهم.

وتتابع الصحيفة أن نتنياهو "لا يزال غير محبوب على نطاق واسع"، ورغم ذلك يبدو أن وضعه السياسي آمن في الوقت الراهن، فالبرلمان الإسرائيلي ليس منعقداً في الوقت الحالي، والطريقة الوحيدة لإسقاط الحكومة، باستثناء حل نتنياهو لها بنفسه، هي "أن يتحول أعضاء ائتلافه ضده، وهم ليس لديهم حافز كبير للقيام بذلك كي لا يخسروا السلطة".

كما أن أغلب تحالف نتنياهو من الشركاء السياسيين اليمينيين والقوميين المتطرفين والمتدينين، يتفقون مع موقفه من المفاوضات، ولا ينظرون إلى المحتجين في الشوارع باعتبارهم ناخبين لهم.

وفي هذا الصدد، تقول الخبيرة في الرأي العام الإسرائيلي داليا شيندلين، لوول ستريت جورنال، إن نتنياهو وائتلافه "يدركون تمام الإدراك هوية المتظاهرين، فهم لا يهتمون إذا كانوا أغلبية، إنهم ينظرون إليهم باعتبارهم استمراراً لاحتجاجات الديمقراطية في عام 2023، ولا ينظرون إليهم باعتبارهم دائرتهم الانتخابية".

بدوره، قال الباحث في مركز تجديد الديمقراطية الإسرائيلية للأبحاث، يوناتان ليفي، للصحيفة : "لا يمكنك إلقاء كل المسؤولية على حركة الاحتجاج على الأشخاص الغاضبين والمحبطين، الذين يحملون لافتة ويخرجون إلى الشارع، في وقت لا تهتم فيه القيادة حقاً بما يعتقده الجمهور الأوسع، فإن قدرة حركة الاحتجاج على تحريك الأمور محدودة".

"البقاء السياسي فوق كل شيء"

وفقاً لتقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس، فإن نتنياهو يضع بقاءه السياسي فوق كل شيء آخر، بما في ذلك مصير المحتجزين الإسرائيليين، ويعتمد حكمه على دعم حزبين قوميين متطرفين كانا ذات يوم على هامش السياسة الإسرائيلية، ولكنهما يشغلان الآن مناصب رئيسية في الحكومة.

ويعارض حزب العمل بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أي اتفاق ينهي الحرب أو يطلق سراح الأسرى الفلسطينيين "المدانين بقتل إسرائيليين"، وتعهدوا بإسقاط الحكومة إذا وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار، وهي الخطوة التي من شأنها أن تؤدي إلى انتخابات، يمكن أن تطيح بنتنياهو من منصبه، وفق الوكالة.

وفي السياق يقول رؤوفين حزان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس لأسوشيتد برس: "إن ما يهمه (نتنياهو) هو بقاؤه السياسي، فبقاؤه مع بن غفير وسموتريتش لا يسمح له بإنهاء الحرب وإعادة الرهائن".

وتابع حزان إنه في غياب الاحتجاجات المستمرة الكبيرة عبر شريحة أوسع من المجتمع، من الصعب أن نرى كيف سيشعر نتنياهو بضغوط كافية لتغيير نهجه، "وطالما أن حكومته مستقرة، فقد يلتزم مطالبه في المفاوضات لاسترضاء ائتلافه وتجاهل الاحتجاجات بالكامل".

كما يشير تقرير الوكالة إلى أن محاكمة نتنياهو تلوح في الأفق بتهمة الفساد، وإذا جرى التصويت على إبعاده عن السلطة، فسيخسر منصته للهجوم على النظام القضائي، الذي يتهمه بالتحيز، ولن يتمكن أيضاً من المضي قدماً في التغييرات التي تخطط لها حكومته للنظام القانوني، والتي يقال إنها قد تؤثر في المحاكمة وتساعده في تجنب الإدانة.

السيطرة على فيلادلفيا فوق حياة المحتجزين

وفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن نتنياهو أضاف عدة مطالب "غير قابلة للتفاوض" إلى مقترح إسرائيل بشأن صفقة المحتجزين في يوليو/تموز الماضي، بما في ذلك السيطرة الإسرائيلية على ممري نتساريم وفيلادلفيا، وهو المطلب الذي لم يكن موجوداً في مقترح 27 مايو/أيار الماضي، والذي نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل بالكامل.

وفي حديثه للصحفيين خلال مؤتمر صحفي في القدس المحتلة الأسبوع الماضي، أصر نتنياهو على أن بقاء جيشه في فيلادلفيا "أمر استراتيجي" ويحدد مستقبل إسرائيل ذاته، قائلاً : "لن نخرج، إن أهمية ممر فيلادلفيا أساسية لإخراج الرهائن، وضمان تدمير حماس، وألا تشكل غزة تهديداً لنا مرة أخرى".

ورفض نتنياهو التأكيد على أن المحتجزين الستة قتلوا في غزة لأن شروطه حالت دون التوصل إلى اتفاق، وقال: "لم نتمكن من تحريرهم، كنا قريبين للغاية، إنه أمر فظيع". مضيفاً: "لكن هذا لم يحدث بسبب ذلك القرار (بشأن ممر فيلادلفيا). لقد حدث ذلك أولاً لأنهم (حماس) لا يريدون التوصل إلى اتفاق".

وأضاف أن "أهمية" السيطرة الإسرائيلية على فيلادلفيا تكمن في "ضمان عدم حدوث 7 أكتوبر آخر و7 أكتوبر آخر و7 أكتوبر آخر" زاعماً أن "محور الشر يحتاج إلى محور فيلادلفيا"، وفق تعبيره، معتبراً أن هذا هو السبب الدقيق وراء "ضرورة سيطرة إسرائيل عليه".

ورداً على تصريحات نتنياهو، هاجمته المعارضة السياسية واتهمته بالكذب بشأن الفشل في حماية الإسرائيليين، ووصف زعيم المعارضة يائير لابيد المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو بأنه "دعاية سياسية لا أساس لها من الصحة"، معتبراً أن ما قاله عن ممر فيلادلفيا "لا علاقة له بالواقع"، وفق ما نقلته تايمز أوف إسرائيل.

وتابع لابيد: "لقد أخلت إسرائيل ممر فيلادلفيا قبل 19 عاماً، وصوت نتنياهو لمصلحة ذلك. سواء في الحكومة أم في الكنيست، كان نتنياهو رئيساً للوزراء لمدة 15 عاماً، لم يخطر بباله استعادة ممر فيلادلفيا".

وأردف زعيم المعارضة الإسرائيلية أن الحرب "بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحتى العشرين من مايو/أيار، أي قبل ثمانية أشهر، لم يكلف نفسه (نتنياهو) عناء إرسال جيش الدفاع الإسرائيلي إلى ممر فيلادلفيا"، وأضاف أن نتنياهو "لا يريد عقد صفقة رهائن، إنه يريد الحرب إلى الأبد.. إنه لن يعقد صفقة، ولن يعيد أطفالنا إلى الوطن".

TRT عربي
الأكثر تداولاً