ألقت الشرطة الأمريكية القبض على بعض المتهمين باغتياله المنتمين إلى جماعة أمة الإسلام، التي اختلف معها وخرج من تحت رايتها، ولقد جرت محاكمة المتهمين وسجنهم إلا أن الكثير من الغموض لا يزال حتى الآن حول العقل المدبر لعملية اغتياله.
ولد مالكوم إكس في مدينة اوماها بولاية نبراسكا سنة 1925 لأبوين أمريكيين إفريقيين، وسرعان ما انتقلت أسرته إلى ولاية ويسكونسن لفترة قصيرة ثم منها إلى ولاية ميشيغان حيث سكنت في مدينة لانسينغ عاصمة الولاية. كانت الأوضاع الاقتصادية الأمريكية والعالمية آنذاك سيئة للغاية نتيجة للكساد الاقتصادي العالمي الكبير الذي ضاعف معاناة الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل، إلا أن تأثيره كان أشد إيلاما وسط مجتمعات الأمريكيين السود الذين كانوا يعانون التمييز والفصل العنصري بخاصة جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد ذكر مالكوم إكس بمذكراته أن أكثر الأمريكيين السود حظوة اقتصادية آنذاك كان ممن يحصلون على عمل بمناطق البيض المحرم عليهم العيش فيها، كماسح أحذية أو عامل نظافة بمؤسساتها العامة أو الخاصة، يحصل من خلال هذه الأعمال الشاقة على دولارات قليلة بالكاد تقيم عوده وتسد جوع أسرته.
نشأة مالكوم إكس
نشا مالكوم إكس في أسرة أمريكية سوداء تعتز بأصولها وجذورها الإفريقية، في مجتمع تسود فيه قيم الرجل الأبيض العنصري بمدينة لانسينغ. كان والده رجلاً قوياً صعب المراس عظيم الاعتداد بنفسه مساهماً في مكافحة العنصرية مما سبب له الكثير من المشكلات مع البيض العنصريين، كانت أخيراً سبباً بقتله قتلاً بشعاً لم يحفظ له كرامة إنسانية ولا حقاً بعد موته. كان والد مالكوم إكس متأثراً بالزعيم الأمريكي-الإفريقي ماركوس غارفي داعية الحقوق المدنية للسود. ذكر مالكوم إكس في مذكراته التي دونها وسجلها له الكاتب الأمريكي المرموق ألكس هيلي، الكثير من الذكريات والقصص الحزينة التي أحاطت ظروف نشأته ومعاناته بخاصة بعد وفاة والده. يذكر مالكوم إكس كيف أحرق الأمريكيون البيض منزلهم وهو طفل صغير بنحو الرابعة، ليجد نفسه صارخاً باكياً في الشارع مع إخوته ووالدته وأخيه الرضيع الذي نجا مع والدته بأعجوبة من الموت قبل سقوط البيت عليهم بدقائق قليلة. وعندما جاءت الشرطة ورجال الإطفاء لم يفعلوا شيئاً لإنقاذ الأسرة، بل وقفوا متفرجين كأن الأمر لا يعنيهم. ازدادت معاناة الصغير حينما وُضعت أمه بمصحة عقلية، ربما بسبب انهيارها النفسي جراء اغتيال زوجها وصعوبة رعاية 8 أيتام بأوضاع اقتصادية بائسة وعنصرية بيضاء كالحة الوجه وباطشة اليدين.
أحب الأمريكيون السود، المسلمون منهم والمسيحيون، مالكوم إكس حباً عظيماً لشخصيته الكاريزمية الطاغية ولما لمسوا فيه من صدق التوجه والدفاع عن حقوقهم، وتاريخاً شخصياً يشبه تاريخهم في المعاناة والعوز والفقر والاضطهاد، إذ لم يتنكر مالكوم إكس أبداً لتاريخه ولم يخن قضية الأمريكيين السود رغم علو صيته وبلوغ شهرته الآفاق حتى في أوساط الشباب الأبيض الأمريكي الجامعي.
مالكوم إكس وأمة الإسلام
اعتنق مالكوم إكس في بداية حياته الإسلام وهو يقضي عقوبة السجن على طريقة جماعة أمة الإسلام المعروفة في أمريكا تحت زعامة قائدها أليجا محمد، صاحب الحضور القوي في أوساط الأمريكيين السود في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. تتلخص معتقدات أمة الإسلام في تحريف تعاليم الإسلام لإثبات تفوق العرق الأسود، واعتبار الرجل الأبيض شريراً وأقل ثقافة وحضارة من الرجل الأسود. نجحت أمة الإسلام في الانتشار سريعاً بأوساط مجتمعات الأمريكيين السود وبثت روحاً جديدة من العزيمة والاعتداد بالنفس والفخر بماضي الرجل الأسود الحضاري في إفريقيا قبل وقوعه بالأسر عبداً للرجل الأبيض. برز نجم مالكوم إكس سريعاً في أوساط جماعة أمة الإسلام حتى أصبح شبه المتحدث الرسمي باسمها لوسائل الإعلام وخطيباً مفوهاً لا يشق له غبار، لما يمتلك من قدرات خطابية فائقة ولغة إنجليزية رفيعة، فلا تزال بعض مفردات خطابه متداولة إلى يومنا هذا. اختلف مالكوم إكس اختلافاً جلياً بظروف نشأته وأسلوب طرحه وخطابه عن داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج، إذ كان يرى الأخير ضرورة التعايش السلمي بين الأمريكيين السود والبيض من خلال خطبه العديدة في أرجاء أمريكا مثل خطابه الشهير "لديَّ حلم“.
كان مالكوم إكس قائداً شجاعاً مقداماً لا يهاب المخاطر، فلم تمنعه علاقاته الخاصة مع زعيم جماعة أمة الإسلام أليجا محمد وكونه أميز نجوم الجماعة الساطعة، مواجهة الأخير وفضحه عندما أدرك الانحرافات العقائدية والأخلاقية له. شكَّل خروج مالكوم إكس من جماعة أمة الإسلام واعتناقه مبادئ الإسلام السمحة كما جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم، التي لا ترى فرقاً بين عربي وأعجمي وأبيض وأسود إلا بالتقوى، تشجيعاً للكثيرين المنضمين إلى هذه الجماعة للعودة إلى دين الإسلام القويم. كان مالكوم إكس يدرك خطورة خروجه من جماعة أمة الإسلام وفضحه لزعيمها وأن مصيره سيكون القتل عاجلاً غير آجل، وقد كان ذلك للأسف الشديد ما حدث، وخسر بذلك المسلمون الأمريكيون والمجتمعات الأمريكية السوداء رجلاً مهاباً شجاعاً ألهم الكثيرين من شباب هذه المجموعات.
كانت لمالكوم إكس علاقات خاصة مع المسلمين العرب وبخاصة السودانيون منهم، ولقد شكلت زيارته للمملكة العربية السعودية والأماكن المقدسة تغييراً كثيراً في فهمه للإسلام الصحيح حين رأى بأم عينيه المسلمين من شتى أنحاء الأرض، البيض منهم والسود إخوة في الله متساوين متحابين يؤدون نفس الشعائر لا تمييز ولا فصل بينهم.
كان أستاذي المغفور له -بإذن الله- العالم الجليل البروفسير مالك بدري مؤسس علم النفس الإسلامي الحديث، أحد السودانيين الذين تعرف إليهم مالكوم إكس في زيارته إلى السودان خلال جولته في إفريقيا، وربما يكون اتخاذ مالكوم إكس اسم "مالك" اسماً له تقدير وإعجاب بخلق صديقه السوداني الرفيع مالك بدري. زار مالكوم إكس البروفسير مالك بدري عندما كان الأخير محاضراً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وساعده في تقديم محاضرة عميقة للطلاب رغم تحفُّظ بعض الأمريكيين البيض القائمين على إدارة الجامعة حينها من السماح لمالكوم إكس بمخاطبة مجتمعها الطلابي.
مضى مالكم إكس شهيداً إلى ربه مدافعاً عن دينه، ورغم مرور أكثر من قرابة 60 عاماً على استشهاده لم تقم حتى يومنا هذا أي مؤسسة علمية أو ثقافية إسلامية بتكريم هذا الثائر المسلم بإطلاق اسمه على إحدى المنشآت تخليداً لذكراه العطرة وتذكيراً للشباب المسلم بواحد من قادته العظام في العصر الحديث.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.