تعكس جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين 17 و20 أكتوبر/تشرين الثاني إلى إفريقيا، والتي شملت هذه المرة كلاً من أنغولا وتوغو ونيجيريا، تصميم أنقرة على تعزيز علاقاتها مع القارة الإفريقية من خلال توسيع التمثيل الدبلوماسي باضطراد، وتبادل الزيارات رفيعة المستوى مع مختلف دول القارة، بهدف ترجمة الشراكة الاستراتيجية مع القارة على أرض الواقع.
وقبل هذه الجولة، زار الرئيس أردوغان 28 دولة إفريقية في 38 زيارة بصفته رئيساً للوزراء ورئيساً للجمهورية التركية، وارتفع عدد السفارات التركية في الدول الإفريقية إلى 43، وبذلك تكون تركيا واحدة من أسرع الدول من ناحية زيادة التمثيل الدبلوماسي مع إفريقيا.
ثلاث محطات.. وقضايا التعاون المشترك
أولى محطاته كانت أنغولا، والتي جاءت زيارة أردوغان بعد ثلاثة أشهر من زيارة نظيره الأنغولي جواو لورنسو لتركيا. حيث ألقى أردوغان خطاباً أمام البرلمان الأنغولي، كما رأس الزعيمان اجتماع منتدى الأعمال بين البلدين.
وبحثا العلاقات الثنائية بين البلدين. فأنغولا بلد نفطي، ثاني أكبر منتج للنفط في إفريقيا، خرجت من حروب أهلية ونزاعات خطيرة جرت على مرحلتين (1992-1994، و1998-2002)، وبالتالي يحاول هذا البلد التعافي من إرث ذلك الماضي من خلال البحث عن شركاء جدد.
والمحطة الثانية دولة توغو، والتي افتُتحت فيها السفارة التركية في أبريل/نيسان من هذا العام، وقد بحث مع نظيره فور غناسينغبي سبل تطوير العلاقات بين البلدين.
وفي توغو نفسها التقى رئيسي بوركينافاسو روش مارك كريستيان، وليبيريا جورج ويا، على مأدبة عمل برعاية رئاسة جمهورية توغو، فضلاً عن لقاءات ثنائية مع كلٍّ منهما. حيث صدر بيان في ختام جلسة العمل أكد تصميم الدول الأربع على "محاربة الإرهاب دون تمييز بين التنظيمات الإرهابية".
أما المحطة الثالثة، فكانت نيجيريا عملاق غرب إفريقيا، التي تُعدّ أكبر ديمقراطية في القارة. كما أنها بلد ذو ثقل ملموس، لا سيّما في غرب إفريقيا، حيث بحث الرئيس أردوغان والوفد المرافق له مع نظيره النيجيري وكبار المسؤولين سبل تطوير العلاقات، وكون نيجيريا شريكاً تجارياً مهماً لتركيا، حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى نحو ملياري دولار.
وفي ختام الزيارة، حسب تصريحات الرئيس النيجيري محمد بخاري في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي في العاصمة أبوجا، وُقّعت 7 اتفاقيات ومذكرة تفاهم بين البلدين شملت مجالات التعاون في الطاقة والصناعات الدفاعية والتعدين والهيدروكربون.
الشراكة الاستراتيجية.. الأفعال لا الأقوال
تأكيداً على أهمية القارة الإفريقية ضمن استراتيجية الانفتاح التركي، حرصت تركيا على إبراز ذلك في الخطابين الإعلامي والسياسي خلال هذه الزيارة.
وفي تصريح له خلال مؤتمر صحفي بإسطنبول قُبيل بدء جولته، قال الرئيس أردوغان: "تبرز تركيا كشريك استراتيجي للدول الإفريقية مع تجاوز حجم تجارتنا 25 مليار دولار نهاية 2020"، وأضاف: "أنا على ثقة بأنّ دور القارة الإفريقية سيكون بارزاً على الساحة الدولية في القرن الحادي والعشرين، ولهذا نريد المضي قدماً بعلاقاتنا معها على أساس الربح المتبادل والشراكة والمتساوية".
لسنا ممن يتّبعون سياسات استعمارية قديمة بوسائل وطرق حديثة، على الإطلاق، نحن نسعى لتحقيق النجاح والمسير جنباً إلى جنب مع إخوتنا الأفارقة
وتابع: "لسنا ممن يتّبعون سياسات استعمارية قديمة بوسائل وطرق حديثة، على الإطلاق، نحن نسعى لتحقيق النجاح والمسير جنباً إلى جنب مع إخوتنا الأفارقة".
علاوة على ذلك، تأتي الجولة أيضاً بهدف حشد المشاركة في الأُطر المؤسسية المشتركة المتنامية بين تركيا والدول الإفريقية، فمن المقرر عقد المنتدى التركي-الإفريقي للاقتصاد والتعاون في إسطنبول في الفترة بين 21 و22 أكتوبر/تشرين الأول. بينما تُعقد قمة الشراكة التركية-الإفريقية الثالثة في 17-18 ديسمبر/كانون الأول تحت شعار "معاً من أجل عالم أكثر عدلاً".
ديبلوماسية "اللقاحات" والقوة الناعمة
نجد أن سياسة الانفتاح التركي النشطة ومتعددة الأوجه والأبعاد تجاه إفريقيا قد واكبت التأثيرات الكبيرة التي تركتها جائحة كورونا على تشكيل علاقات التعاون والتضامن بين دول وأقاليم العالم، وذلك في سياق الترويج لـ"تعاون تركي جديد في إفريقيا".
وفي هذا الصدد، أشار الرئيس أردوغان إلى تقديم بلاده معدّات ومستلزمات طبية لنحو 159 دولة و12 مؤسسة دولية لمكافحة وباء كورونا. كما جدد أيضاً التزام تركيا بذل كل ما في وسعها لتوفير لقاح "توركوفاك" لكافة البلدان التي تحتاج إلى اللقاحات عندما يكون جاهزاً.
كذلك اتخذت تركيا من دبلوماسية التبادل الثقافي والبرامج التعليمية نهجاً لتعزيز التواصل مع إفريقيا. فهناك نحو 145 مؤسسة تعليمية ومركز ثقافي لنشر اللغة التركية في مختلف الدول الإفريقية. وتقدّم الجامعات التركية منحاً دراسية لأكثر من 12 ألف طالب من 55 دولة إفريقية، من بينهم 4800 طالب في الدراسات العليا.
الأهمية الاستراتيجية
من الناحية الجيوستراتيجية، فإنّ الزيارة تشمل دولاً في منطقة خليج غينيا، وبجانب تعزيز المصالح الاقتصادية تحاول تركيا، باعتبارها فاعلاً صاعداً في مجال الأمن والدفاع والإسهام، كذلك في صناعة الاستراتيجيات الأمنية التي تعاني مشكلات القرصنة وشبكات الجريمة العابرة للحدود، بجانب خطر الإرهاب المحدق بالمنطقة أيضاً انطلاقاً من الساحل الكبير.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ منطقة خليج غينيا، كتكتّل إقليمي، تضمّ 18 دولة من وسط إفريقيا وغربها، وهي تشكّل الجزء الجنوبي الغربي للمحيط الأطلسي، وقد حازت مؤخراً الاهتمام عقب تنامي ظاهرة القرصنة فيها بشكل كبير.
وتأكيداً على أهمية هذه المنطقة، وبالتزامن مع زيارة الرئيس أردوغان لها، يزور مستشار الأمن القومي الأمريكي جون فاينر، غينيا الاستوائية ونيجيريا، حيث يبحث هناك الأمن البحري في منطقة خليج غينيا وتشجيع الديمقراطية وحكم القانون على التوالي.
وترقب الدوائر الغربية استراتيجية التوسّع التركي في القارة السمراء، وفي هذا الصدد أوردت دورية "آفريكا أنتلجنس 15 أكتوبر/تشرين الأول": "يهدف الرئيس التركي خلال جولته الرسمية إلى أنغولا ونيجيريا وتوغو إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول خليج غينيا"، وكذلك رأت الدورية أيضاً أنه "سيكون من الأمور المركزية في هذه الاستراتيجية تعزيز مصالح صناعة الدفاع التركية قبل القمة التركية-الإفريقية المقرر عقدها في ديسمبر/كانون الأول في إسطنبول".
علاوة على ذلك، تأتي هذه الجولة أيضاً ضمن مساعي تركيا لتعزيز نفوذها الدولي لا سيّما في أقاليم العالم المختلفة، خصوصاً في بناء ديبلوماسية عالم متعدد والبحث عن "عالم بديل".
خلاصة القول إنّ استراتيجية تركيا للانفتاح على القارة قد أثمرت في بروز استعداد واسع من عدد من الدوائر الإفريقية في مبادلة تركيا نفس الإرادة، حيث باتت تلك الدوائر تنظر إلى تركيا على أنها شريك يمكن الوثوق فيه في كافة المجالات التي تهمّ شعوب ودول القارة على حدٍ سواء.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.