ألقت السلطات التركية يوم الاثنين 15 أبريل/نيسان القبض على شخصينيُشتبه في تورطهما في التجسُّس لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد توجيه اتهامات لهما بالحصول على معلومات سرية خاصة بالدولة لأغراض تجسسية عسكرية وسياسية.
مهمة المتهمين بالتجسُّس تركزت على متابعة أنشطة حركتي فتح وحماس في تركيا وأسماء منتسبيها ومسؤوليها، كذلك كان من المهام الموكولة إلى المتهمين الحصول على الهيكلية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين في تركيا.
قُبض على كل من سامر سميح شعبان (40 عاماً) وزكي يوسف حسن (55 عاماً)، وهما مواطنان فلسطينيان، ووجّهت إليهما النيابة العامة بإسطنبول لائحة اتهامات حصلت TRT عربي على نسخة منها، تشير إلى صلة المتهمين بمحمد دحلان، المستشار الأمني لمحمد بن زايد.
تشير الأدلة، حسب لائحة الاتهامات، إلى صلة محمد دحلان، المقيم في الإمارات، بالانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، الأمر الذي دفع السلطات التركية إلى وضع كل من سامر سميح شعبان وزكي يوسف حسن تحت المراقبة لأكثر من 6 أشهُر حتى يوم الاعتقال، الاثنين الماضي.
مَن محمد دحلان؟
قيادي فلسطيني مفصول من حركة فتح، ظهر اسمه على الساحة السياسيةبعد اتفاقية أوسلو عام 1996 أصبح دحلان، بأمر من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، رئيساً لجهاز الأمن الوقائي، وهو المنصب الذي استقال منه عام 2002 بعد رفض عرفات تعيينه وزيراً للداخلية.
أصبح دحلان وزيراً للشؤون الأمنية ثم وزيراً للشؤون المدنية بعد وفاة عرفات، ووزيراً للداخلية في حكومة محمود عباس، وفي عام 2011 أُطيحَ بدحلان من الحركة بعدما أدانته لجنة تحقيق بالتورُّط في قضايا جنائية ومالية، لتبدأ الخلافات بينه وبين السلطة الفلسطينية، تحديداً الرئيس محمود عباس الذي ظلّ يطارده بالاتهامات في مؤتمرات الحركة.
ليتجه دحلان بعدها إلى الإمارات، ويصبح المستشار الأمني لحاكم أبو ظبي محمد بن زايد، ويمتد تأثيره على الخريطة السياسية للشرق الأوسط.
محمد دحلان: أخطبوط حقيقي في الشرق الأوسط؟
"أصبح أخطبوطاً حقيقيّاً في الشرق الأوسط"، هكذا ذُكر اسم محمد دحلان في صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير يتحدث عن اسم دحلان المؤثر في الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والمذكور اسمه في عدة أحداث غيّرت من مستقبل المنطقة، من بينها التدخل الإماراتي في حرب اليمن، والدعم الإماراتي لخليفة حفتر، اللواء الليبي المتقاعد، وقائد قوات ليبيا الشرقية المعارضة لحكومة طرابلس.
ولكن حينما يكون الحديث عن تركيا، لا يُعَدّ ارتباط اسم محمد دحلان بالمتهمين الفلسطينيين بالتجسُّس لصالح الإمارات في تركيا مفاجئاً، إذ يعود تاريخ ارتباط اسم الأخير بتركيا إلى محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016، فبعد حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها عن دولة خليجية موّلت محاولة الانقلاب في تركيا، توجهت الأنظار إلى الإمارات.
وسائل إعلام تركية تحدثت عن محاولة الإمارات دعم الانقلابيين في تركيا في الخامس عشر من يوليو/تموز عام 2016 من خلال دفع مبلغ وصل إلى 3 مليار دولار أمريكي، وهو ما أشار إليه آنذاك وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بقوله إن دولة عربية مولت الانقلابيين بمليارات الدولارات، دون ذكر اسم الدولة مع الاكتفاء بأنها دولة عربية مسلمة.
تسريبات الرسائل البريدية للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، أكدت تورُّط الإمارات في محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، إذ أوضحت إحدى الرسائل المسرَّبة حديث العتيبة بأن الحل لـ"إنقاذ" تركيا يكمن في انقلاب الجيش على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ورد بعد ذلك اسم محمد دحلان ضمن تورُّط الإمارات في دعم محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا بأنه أرسل أموالاً لتنظيم كولن الإرهابي قبل أسابيع من وقوع محاولة الانقلاب وفقاً للصحفي البريطاني ورئيس تحرير موقع ميدل إيست أي دافيد هيرست، الذي أكد في تقريره تورُّط دحلان في دعم محاولة الانقلاب التي وصفتها محطات إعلامية إماراتية حين ذاك بأنها محاولة انقلاب ناجحة.
يقول أستاذ العلاقات الدولية سمير صالحة لـTRT عربي إن التوتر التركي-الإماراتي لم يكن توتُّراً مباشراً في العلاقات الثنائية، لكن في العامين الأخيرين تحديداً أثّر أكثر من ملف على العلاقات بين البلدين، منها الملف المصري، وارتدادات الانقلاب في مصر على العلاقات بالنسبة إلى الموقف الإماراتي المعارض تماماً للموقف التركي، بالإضافة إلى أزمة الخليج.
ويتابع صالحة بأن مسألة القبض على المتهمين بالتجسُّس لصالح الإمارات قد تؤدي إلى توتُّر صعب ومباشر هذه المرة في مسار العلاقات الإماراتية-التركية.
ما علاقة محمد دحلان بمقتل خاشقجي؟
السلطات التركية تحقّق في علاقةكل من سامر سميح شعبان وزكي يوسف حسن،المتهمَين بالتجسُّس لصالح الإمارات، بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وفقاً لمسؤول تركي رفض الكشف عن هويته لوكالة رويترز،أكّد أن أحد المتهمين كان في إسطنبول وقت الجريمة، ووصل الآخر إلى إسطنبول بعد ذلك لمساعدته.
كذلك أثبتت التحريات التركية التي تتبّعت سامر سميح شعبان، أحد المتهمين بالتجسس لصالح الإمارات، وحساباته البنكية ورسائله الإلكترونية، تواصله النشط مع دحلان والتورط في أنشطة تجسُّسية.
وتَحدَّثَت وسائل إعلام تركية عن تورُّط محمد دحلان في قضية مقتل جمال خاشقجي من قبل، إذ ورد اسمه في صحيفة يني شفق التركية التي صرحت بإرسال محمد دحلان فريقاً من أربعة أشخاص من لبنان ليقيموا لمدة 3 ليالٍ في إسطنبول، وتكون مهمتهم مسح آثار الجريمة في القنصلية السعودية بعد قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فيها.
ذكرت الصحيفة التركية أن فريق دحلان غادر البلاد يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول بعد دخوله تركيا بجوازات سفر مزوَّرة، وذلك بعد وصول الأشخاص الأربعة إلى القنصلية السعودية ومعهم معدات كيميائية ساعدتهم على إخفاء آثار الجريمة.
تزامناً مع جريمة خاشقجي، ورد في وسائل إعلام تركية أخبار عن وجود دحلان في مستشفى خاص في الإمارات بعد تعرضه لإصابة كسر في العنق بعد شجار على يخت فاخر في الإمارات تزامناً مع الأخبار الواردة بضلوع اسمه في مقتل خاشقجي، وهو ما أثار الجدل حول ما إذا كان دحلان تَعرَّض للضرب على يد فريق إماراتي بعد رفضه أن يكونكبش فداءالسعودية والإمارات في تحمُّل مسؤولية مقتل جمال خاشقجي.
ليست المرة الأولى
يقول الكاتب والمحلل التركي إسماعيل ياشا لـTRT عربي، إن "التحقيقات في قضية المتهمين بالتجسُّس لصالح الإمارات ستكشف لنا الدور الحقيقي الذي لعبه الاثنان داخل تركيا، سواء اقتصر على التجسُّس على المعارضين العرب في تركيا أو كان أكبر من ذلك".
يتابع ياشا بأن "خبر اعتراف المتهمين بالتجسُّس لصالح دولة الإمارات لم يكن مفاجئاً، كُشف أيضاً عن خلية تجسس إماراتية في سلطنة عمان، والآن تحقّق السلطات التركية مع متهمين فلسطينيَّي الجنسية بتهمة التجسُّس لصالح الإمارات، الإمارات تفعل ذلك دائماً، والتحقيقات ستكشف ما حدث بالفعل، ولكن لم يكن الخبر مستغرَباً هنا".
هذا ليس الاغتيال الأول الذي يرد فيه اسم محمد دحلان؛ ورد في الموقع الأمريكي بازفيد نيوز أن أبو ظبي استخدمت مرتزقة أمريكيين لتنفيذ اغتيالات في اليمن وكان الوسيط هو محمد دحلان خلال صفقة اغتيالات تمّت مع أبراهام غولان،متعاقد أمني مجَرِيّ-إسرائيلي يعيش بولاية بنسلفانيا، وهو من أدار فريق عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات في حزب الإصلاح في اليمن بأوامر من الإمارات حسب ما قاله غولان لموقع بازفيد نيوز الأمريكي.
لم يكن دحلان متورطاً في اغتيال الأشخاص فحسب، بل حاول أيضاً اغتيال ثورات الربيع العربي بدعمه الثورات المضادة في كل من مصر وليبيا بدعم مالي من الإمارات، إذ كشفت وثائق مسرَّبة حصل عليها موقع ميدل إيست آي البريطاني، عن أن المحكمة الجنائية الدولية حقّقت بشأن دحلان وعلاقته بسيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والمتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في ليبيا.
قالها دحلان في مداخلة تليفزيونية له من قبل وهو يجيب عن سؤال بخصوص علاقته بالثورة المضادة بأنه "إذا ارتبط اسمي بالإمارات فهذا شرف لي، أشعر بفخر أن يكون لي علاقة بدولة الإمارات، أما ما يُسمَّى بالثورة، فأنا لا أعترف بهذا المصطلح أصلاً، وبالتالي لا يوجد ما يُسمَّى بالثورة المضادة، ما حدث (أي ثورات الربيع العربي) هو مؤامرة على الشعوب العربية".