باكستان، قطر وتركيا هي من بين الدول التي تعتبر حكوماتها أن عملاتها تلقت ضرباتٍ مُتعمّدَة، أغلبها قائمة على المضاربات، المبنية على قراءات اقتصادية قد تكون غير صحيحة.
في هذا السياق، أقامت قطر هذا الأسبوع دعاوى قضائية في لندن ونيويورك ضد ثلاثة بنوك منها بنك أبوظبي الأول الإماراتي، وبنك سامبا السعودي.
تقول الدوحة إن البنوك قد أجرت معاملاتٍ وهمية في عام 2017 بغرض تخفيض قيمة عملتها "الريال"، ومن ثمّ إضعاف اقتصادها، في أعقاب خلافٍ دبلوماسي مع دول إقليمية.
فخلال العامين الماضيين، قاطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، قطر، اقتصادياً، متهمين إياها بدعم إيران وجماعات متطرفة في الشرق الأوسط.
واضطرت قطر، التي تنفي تلك الاتهامات، إلى خفض احتياطياتها من العملة الأجنبية لدعم الريال. لكن، على عكس قطر الغنية بالغاز، هناك دولٌ أخرى لا تتمتع بالقدرة المالية اللازمة لدعم عملاتها حينما تتعرض لمثل تلك الهجمات.
خلال العامين الماضيين قاطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر اقتصادياً متهمين إياها بدعم إيران وجماعات متطرفة في الشرق الأوسط.
لكن، قبل التطرق إلى الأمثلة، من المهمّ الوقوف على الأسباب التي أدت إلى صعود المضاربين بالعملة.
كيف بدأ الأمر؟
تاريخياً، كانت الشركات التي تحتاج إلى تسديد مدفوعات عبر الحدود من بلد لآخر، أو الأشخاص الذين يحتاجون إلى النقود للسفر إلى الخارج، كانوا يستخدمون عمليات شراء العملة وبيعها.
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت أسعار صرف العملات ثابتة في إطار ما يعرف باتفاقية بريتون وودز. وكانت قوة عملة دولة ما تعتمد على قدرتها التنافسية الصناعية، وظل هذا النظام يخدم التجارة الدولية على نحوٍ جيد لبضع سنوات.
لكنْ، في عام 1971، خفَّض الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون قيمة الدولار؛ الذي قالت واشنطن إن قيمته كانت مرتفعة بصورة تؤذي المصنعين الأمريكيين لصالح المنافسين الأجانب.
وتجعل العملة الأكثر قوة الصادراتِ أغلى ثمناً وتُسهّل استيراد البضائع من دولة ذات عملة ضعيفة نسبياً.
وفي ظل نظام التعويم، بدأت أسعار الصرف تتأرجح بصورة كبيرة. ومن هنا، رأت المؤسسات المالية فرصةً لجني المال عن طريق مقايضات بسيطة.
مضارباتٌ أكثر من كونها تداولا
يُعتبر سوق تداول العملات الأجنبية ضخماً، إذ تتعدى قيمة معاملاته يومياً الخمس تريليونات دولار. وأغلب هذه المعاملات لا علاقة لها بالتجارة الحقيقية، بل تعكس مضارباتٍ على تقلب أسعار أزواج العملات، مثل الدولار الأميركي في مقابل اليورو.
يُعتبر سوق تداول العملات الأجنبية ضخماً إذ تتعدى قيمة معاملاته يومياً الخمس تريليونات دولار وأغلب هذه المعاملات لا علاقة لها بالتجارة الحقيقية.
كثيراً ما يبيع المتاجرون عملة ما، ويعني هذا أنهم يراهنون على انخفاض قيمة عملة مقابل أخرى سترتفع في زوج العملات نفسه.
قد يكون لمثل هذه المضاربات تأثيراتٌ عكسية. ففي حالة تركيا حيث يتحمّل قطاع الشركات ديناً بالعملة الأجنبية يقدر بمليارات الدولارات حالياً، قد تعني المضاربات أرباحاً أقل للشركات.
فالشركات التركية التي تأخذ أرباحها بالليرة وتدفع الدين بالدولار تكون معرضة لضغوط كبيرة في مثل هذا الوضع.
هناك تصورٌ يقول إنّ المتاجرين لا يلقون نظرة طويلة المدى على قوة اقتصاد ما، وأنهم كثيراً ما يقومون بافتراضات قائمة على عوامل قد تساعدهم على جني أرباح سريعة.
لكنْ، للخبراء رأيٌ آخر.
في كثيرٍ من الأحيان، يأخذ المضاربون في اعتبارهم المؤشرات الاقتصادية الأساسية؛ مثل: احتياطات النقد الأجنبي، والدين العام، وكيفية تعامل حكومة ما مع أمورها المالية.
في هذا الإطار، يقول روب هايوارد، محاضر كبير في كلية برايتون للأعمال: "عادةً ما تشتكي السّلطات من المضاربين عندما لا يروق لها تقييم المستثمرين للمعطيات الأساسية".
ويضيف "عادةً ما يكون المضاربون واعين جدّاً بالمعطيات الأساسية".
ويسترسل المتحدّث ذاته في تصريحه لـTRT مؤكداً أن "السّوق، بما فيه المضاربون، إذا رأوا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرٌ سيئٌ لاقتصاد المملكة المتحدة، فإنهم سيبيعون الجنيه الاسترليني".
لكنْ، في بعض الأحيان، كانت حتى البنوك متعددة الجنسيات تتآمر للتلاعب بأسواق تداول العملات الأجنبية ببساطة، من أجل الوصول إلى الربح.
في بعض الأحيان كانت حتى البنوك متعددة الجنسيات تتآمر للتلاعب بأسواق تداول العملات الأجنبية ببساطة من أجل الوصول إلى الربح.
في عام 2015، جرى تغريم بنوك سيتي غروب، وجي بي مورغان تشيس، وباركليز، وروايال بنك أوف سكوتلاند أكثر من 5.6 مليار دولار لتثبيتها لسعر صرف الدولار الأمريكي واليورو.
وفعلت البنوك هذا من خلال اتخاذ قرارات سرية بشأن وقت التداول، والتأثير في العرض والطلب الخاص بالعملة، ما أثر بدوره في أسعار الصرف.
وبالرغم من ذلك، إلا أن الحكومات تلقي أحياناً باللوم على المضاربين وتتجاهل المشكلات الاقتصادية الأساسية، مثلما هو الأمر في حالة باكستان.
ففي الأسبوع الماضي، بدأت السلطات بمداهمة مكاتب تجار العملات الأجنبية فيما وصفته الحكومة بأنه حملة ضد المضاربين الذين يُخفون الدولارات الأمريكية بغرض خفض قيمة الروبية.
لكن الدولة كانت قد عانت لسنوات من أجل إيجاد طرق لزيادة إيراداتها من العملات الأجنبية، وهو ما يعني دعم الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية بصورة أساسية.
في مثل هذا السيناريو، لا يُعتبر خفض قيمة العملة أمراً وشيكاً فحسب، بل وضروريّاً أيضاً.