ولم تتضح بشكل كامل الملفات التي نُوقشت خلال الاجتماعات، وسط تحفّظ وتكتّم كبير من المسؤولين الأردنيين والإيرانيين والعراقيين، باستثناء تصريح جاء على لسان السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إرنا.
أردنياً التزمت السلطات في عمّان الصمت ولم يصدر عنها أيّ توضيح أو تعقيب على تسريبات الفاينانشال تايمز ورفضت الإجابات على أسئلة TRT عربي، ما فتح الباب موراباً للحديث والسؤال عن أهمية هذه الاتصالات، وعلاقتها مع التصعيد الإسرائيلي الأخير على الداخل الإيراني، وتمركز القوات الإيرانية في المثلث الذهبي "الحدود الأردنية العراقية السورية".
سياسيون وخبراء قالوا لـTRT عربي إنّ فكرة وجود تقارب أردني إيراني قد لا يكون ناضجاً الآن لعدم توفّر الأرضية والبيئة الحاضنة لهذه التقاربات، غير أنّهم أشاروا إلى أنّ المنطقة برمّتها تشهد استدارات سياسية باتت واضحة بعد تولي الديمقراطيين إدارة البيت الأبيض.
إرادة سياسية إيرانية
الخبير المتخصص بالشأن الإيراني الدكتور نبيل العتوم بيّن أنّه مِن المُبكّر الآن التحدّث عن تقارب أردني إيراني واضح، وإنْ كان هذا التقارب فيه مصلحة مهمة للأردن وللمنطقة.
وقال العتوم في تصريح لـTRT عربي "إنّ عدّة مصالح قد تكون مشتركة بين الأردن وإيران إذا نجح هذا التقارب"، مشيراً إلى أنّ المصالح تتمحور في الإطار الاقتصادي والسياسي، غير أنّ ذلك كله مرهون بوجود إرادة سياسية إيرانية.
وأضاف أنّ الأردن يسعى دوماً لإيجاد حلٍّ كامل للأزمة السورية، ومع وجود النفوذ الإيراني في سوريا ربما يكون هذا التقارب بادرة لحلحلة الأزمة السورية، دون أن تلتفت إيران إلى مشاريعها التوسعيّة التي تتعارض في جوهرها مع سياسات الأردن.
وعن مبررات الأردن لفتح صفحة جديدة مع إيران قال العتوم: "إنّ الأردن يحاول دوماً التهدئة بالمنطقة، خاصة بعد التغيّرات التي حدثت على الحدود وأزمات قد تنفجر وتتحول إلى عمل عسكري بين إيران وإسرائيل على إثر التصعيد الإسرائيلي في ضرب منشآت إيرانية مهمة خاصة النفطية منها".
وأكد أنّ التصعيد الإيراني الإسرائيلي ليس في مصلحة الأردن، خاصّة مع وجود تقارير تفيد بأنّ إيران تتوعد إسرائيل بعمليات أكبر إذا استمر التمادي على المصالح الإيرانية.
وحول الدور العراقي في فتح الخطوط بين الأردن وإيران، كشف العتوم أن للأردن ارتباطات كبيرة مع العراق ومع أهمية وجود النفوذ الإيراني في العراق، بالتالي فإن الوساطة العراقية مهمة لمصالح الجميع.
ونوّه إلى أن الإدارة الإيرانية تستخدم دوماً استراتيجية إزالة التوتر، وتؤسس لوجود علاقات جيدة مع المحيط في العالم العربي، إلى جانب حرصها على إرسال رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس جو بايدن أن هناك تسويات على الأرض، وأن إيران تسعى للتهدئة مع الأطراف خاصة الخليجية منها.
وربط العتوم هذا التقارب بالانتخابات الإيرانية التي ستجري بعد أقلّ مِن شهرين، موضحاً أنّ التوقعات تتجه نحو تولي شخصية عسكرية متشددة سدّة الحكم، وهو ما يعني زيادة التوتر في المنطقة، فكانت محاولات هذا التقارب لإيجاد مصالح وقواسم مشتركة وتخفيف حدة التوتر بالمنطقة.
وختم أن إيران تضع سوريا في أولوياتها لأجل التوسع، كما أنّها توظّف الأزمة السورية لتصفية الحسابات مع إسرائيل، وكلّ ذلك يجعلها تستفيد من تمركزها في الجنوب السوري-الحدود الأردنية السورية، وبالتالي التأثير على الأمن الأردني.
مُتطلب إجباري على الأردن
الخبير السياسي والاستراتيجي عامر السبايلة قال "إنّ الأردن اليوم غير قادر على التعاطي وفتح خطوط مع إيران، لدواع سياسية عديدة، إلى جانب عدم توفر الرغبة والقدرات في عمّان لإنجاح هذا التقارب".
وأوضح السبايلة في تصريح خاص لـTRT عربي أنّ محاولة الأردن لهذا التقارب قد تكون مُتطلباً إجبارياً، لأنّ العلاقة بين الأردن والعراق يجب أن تمر بالبوابة الإيرانية دون أي ضرر بالمصالح، إلى جانب أهمية التعاطي مع إدارة بايدن ورؤية الإدارة الأمريكية الجديدة لملفات المنطقة.
وأشار إلى أنّ الداخل الإيراني نفسه اليوم لا يُساعد وقد لا يقبل وجود توافقات بين إيران وكل من الأردن والخليج خاصة السعودية، منوّهاً إلى أنّ الأمور في داخل إيران الآن تذهب لصالح التيار الصقوري، وإشارات تتجه نحو تولّي قيادات إيرانية أكثر تشدداً وقريبة من مرجعية خامنئي خلال الانتخابات القادمة.
وبيّن السبايلة أنّ البوادر بإنشاء هذا الربط أو فتح الاتصالات سيبقى لها محاذيرها، لا سيّما مع وجود التصعيد الإسرائيلي الذي أثار قلق التيار الصقوري في إيران، ووجب الردّ على هذا التصعيد، خاصة بعد مقتل قاسم سليماني وضرب المفاعل النووي.
ونوّه إلى أنّ إسرائيل تسعى لاحتواء نمو النووي الإيراني الذي وصل إلى نسبة 60 % من تخصيب اليورانيوم، إلى جانب احتواء علاقات طهران بالمنطقة، وهو ما يعني أنّ الفترة القادمة قد تكون أكثر صعوبة وتشهد تصعيدات.
وعن الوساطة العراقية، بيّن السبايلة أنّ أرضية العراق لا تُساعد على إنجاح هذه التفاهمات، منوّهاً إلى أن الأمر يحتاج لوقت أطول لفتح خطوط توافق، ويتطلب إرادة قوية وأرضية صلبة لينجح هذا التوافق إذا تم فعلاً.
استدارات سياسية في الإقليم
أستاذ العلاقات الدولية وفضّ النزاعات الدكتور حسن المومني قال إنّ وجود اتصالات وترتيبات لفتح قنوات اتصال بين إيران والعراق والسعودية هو أمر طبيعي نتيجة حدوث نوع من الاستدارات في المنطقة وتغيّر الأمور، بعد تولي الديمقراطيين وجو بايدن إدارة البيت الأبيض.
وأضاف المومني في تصريح لـTRT عربي "أنّ دخول الأردن ليكون طرفاً في هذه الاتصالات يأتي لرغبة من عمّان في توسيع هامش الحركة في الإقليم، مبيّناً أنّ الأردن ومن خلال علاقته القوية مع الخليج التقط رسالة التواصل السعودي الإيراني".
وعن المبررات التي دفعت الأردن إلى هذا التوافق، أشار إلى أنّ عمّان تربطها علاقات كبيرة اقتصادية وسياسية مع العراق، ولدى إيران أذرع داخل السياسة العراقية ولا بد من موافقة الإيرانيين على هذه الشراكات.
وبيّن المومني أنّ العراق من خلال هذه الوساطة يحاول تقديم نفسه في المنطقة كقناة وصل، ويستعيد الدور المحوري في حلحلة مشاكل الإقليم من خلال تقريب وجهات النظر بين الخصوم.
وأشار إلى أنّ الأمر لا ينحصر في الأردن فقط بقدر ما هو عليه الاندفاع السعودي لإنجاح هذا التواصل، مبرراً ذلك بأنّ السعودية هي المتضرر الأكبر على الأرض نتيجة استهداف أذرع إيران منشآت سعودية مهمة مثل أرامكو وغيرها.
وأوضح أنه إذا ما نجحت هذه التواصلات بين الأطراف من خلال البوابة العراقية، فقد نشهد إنتاج نظام إقليمي جديد من القوى المؤثرة تسعى إلى التخفيف من أزمات المنطقة.
وشدد المومني على أنّ إدارة بايدن وسياسة البيت الأبيض الجديدة هو ما يحرّك المياه الراكدة، على خلاف ما كان عليه الحال حين كان دونالد ترمب رئيساً.
وزارة الخارجية الأردنية امتنعت في تصريحها لـTRT عربي عن التوضيح، وأكدت على لسان الناطق الإعلامي باسمها ضيف الله الفايز أنه لا تعليق على هذا الملف.
تاريخياً تراوحت مسيرة العلاقات الأردنية الإيرانية بين القطيعة الدبلوماسية الحذرة منذ العام 1979، تاريخ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي ووصول الثورة الإسلامية إلى الحكم، حيث توترت العلاقات أكثر بعد مساندة الأردن للعراق في حربه مع إيران خلال الأعوام 1980-1988، فيما عادت العلاقات الدبلوماسية بين عمّان وطهران بعد وفاة زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني عام 1989، إلى أن أغلق الأردن مكاتب حركة مجاهدي خلق المعارضة لإيران في عمّان عام 1991.
كما تعثّرت العلاقات الأردنية-الإيرانية وتعقّدت بعد تأييد عمّان لأبو ظبي في أزمة الجزر الإماراتية الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، وكذلك إثر غزو العراق عام 2003 واندلاع ثورات الربيع العربي 2011 واستغلال إيران تداعياتها للتمدد في المنطقة.