خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الخميس المنصرم تصنيف مجموعتي التطوير العقاري الصينيتين، إيفرغراند وكايسا، قائلة إنهما "تخلفتا عن سداد سندات في الخارج". في حين ذكر مصدر أن كاسيا بدأت العمل على إعادة هيكلة ديونها الخارجية البالغة 12 مليار دولار.
طوال الأشهر الماضية يرضخ قطاع التطوير العقاري في الصين تحت أزمة سيولة ضخمة منذ تعثر مجموعة إيفرغراند الصينية، المطور الأكثر مديونية فى العالم بإجمالي ديون وصلت إلى أكثر من 300 مليار دولار. فيما يبلغ إجمالي ديون شركات التطوير العقاري الأكبر في الصين أكثر من 5 تريليون دولار، وفقاً لتقديرات مجموعة نومورا المالية.
وبينما تكرر شركة كاسيا سيناريو إيفرغراند، أفادت وكالة بلومبرغ في وقت سابق تجاوز ثلث أكبر 30 شركة عقارية من حيث المبيعات أحد الخطوط الحمراء الثلاثة للديون التي وضعتها الحكومة الصينية لكبح المضاربة العقارية، الأمر الذي من شأنه أن يدب الرعب في قلوب الاقتصاديين والمستثمرين في الصين وربما في العالم أجمع، وسط مخاوف من تداعيات اقتصادية شديدة قد تعم العالم بأسره، رغم أن بكين طمئنت المستثمرين مراراً.
قطاع العقارات الصيني
لا تملك الصين أكبر تعداد سكاني (أكثر من 1.4 مليار نسمة) فحسب، بل تملك أيضاً ثاني أكبر اقتصاد عالمي تضاعف في العقد الأخير حتى وصل لنحو 15.42 تريليون دولار العام الماضي رغم جائحة كورونا، وما زال يحافظ على نمو مرتفع في طريقه ليصبح الاقتصاد الأقوى في العالم في غضون سنوات قليلة.
ويعد قطاع العقارات في الصين من أحد أهم الركائز الرئيسية في اقتصاد البلاد، إذ يساهم بقرابة 29% في الناتج المحلي الإجمالي للصين، ما ينذر بأن أي انهيار في قطاع العقارات قد ينذر بخسائر ضخمة وقلقاً كبيراً من شأنه أن يتجاوز حدود الصين.
وفي سياق متصل، تشير التقديرات أن أكثر من 90% من العائلات الصينية تمتلك منازلها الخاصة، وأن عدداً كبيراً من الصينين يملكون أكثر من عقار واحد. إلا أن أزمة إيفرغراند التي اندلعت في الأشهر الماضية أثرت على سوق مبيعات العقارات الجديدة في الصين، وسبَّبت هبوطاً حاداً بلغت نسبته 32% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
أزمة ديون
تفجرت أزمة ديون شركات التطوير العقاري الصينية في سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بعد أن تعثرت إيفرغراند عن سداد ديونها المستحقة، ما جعلها عنواناً رئيسياً لأزمة سوق العقارات الصيني بإجمالي ديون بلغت نحو 305 مليار دولار. لكن جذور الأزمة تعود لسنوات سابقة، وتحديداً بعد أن تدخلت الحكومة الصينية لوضع حد للمضاربات في سوق العقارات في البلاد.
وبهذا تكون إيفرغراند قد فتحت الباب واسعاً على فقاعة العقارات الصينية التي لا تعتبر حديثة العهد، كون الخبراء أعزو عدم انفجارها إلى سياسة التعتيم الإعلامي والضغط الحكومي، اللذيْن أسهما بشكل كبير في تأخير انفجارها.
وإذا أخذنا إيفرغراند كمثال، نجد أن الشركة التي تعتبر ثاني أكبر شركة عقارية في البلاد، والتي تعمل في مجالات أخرى كالطاقة المتجددة والسيارات، اعتمدت اعتماداً كلياً على القروض التي بدأت تخنقها رويداً رويداً منذ بدء هبوط إيراداتها في عام 2018. إذ تشير التقديرات إلى أن 170 بنكاً صينياً و120 بنكاً أجنبياً ستتضرر من تعثر الشركة، فضلاً عن الحديث عن ديون بلغت 160 مليار دولار لصالح الشركات التي وردات مواد بناء إلى أكثر من 1300 مشروع سكني لإيفرغراند.
وتزامناً مع بدء شركات عقارية عملاقة أخرى في سلك طريق إيفرغراند، كثرت التخوفات من امتداد الأزمة إلى قطاع البنوك وتحولها إلى أزمة مالية عالمية على غرار انهيار بنك ليمان براذرز الأمريكي الذي مهد للأزمة العالمية عام 2008.
هل تتوسع الأزمة وتصبح أزمة عالمية؟
رغم أن التوقعات تشير إلى أن ملايين الصينيين سوف يتكبدون خسائر كبيرة بسبب أزمة العقارات المستعرّة، فإن الانكماش في قطاع العقارات لن يُحدث أثاراً كبيرةً أو يتسبب في أزمة من شأنها أن تلحق الضرر بالنظام المالي العالمي كما حدث عقب انهيار بنك ليمان براذرز الأمريكي عام 2008.
ويعود ذلك بحسب خبراء إلى أن الصين قد تعلمت من الأزمة الأمريكية قبل أكثر من عقد، إذ وضعت الحكومة خطوطاً حمراء بشأن ديون الشركات من أجل منع حدوث أزمة عقارية مثل تلك التي حدثت في الولايات المتحدة عام 2008، وأنها جاهزة للتدخل إذا استدعت الحاجة لذلك.
وعقب أزمة إيفرغراند، وبينما أشار جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي إلى أن مشاكل ديون عمالقة العقارات الصينية يبدو أنها تخص الصين إلى حد كبير، وليس لها نظير في قطاع الشركات العاملة في الولايات المتحد، حذر البنك المركزي الأميركي الشهر الماضي من أن أزمة العقارات التي تشهدها الصين "تشكل خطراً على النظام المالي في الولايات المتحدة"، وأشار إلى أن الشركات العقارية الصينية التي تواجه مشاكل مديونية هائلة قد تصبح مصدراً للعدوى في الأسواق العالمية كلها.