"عظَّم الله أجرك في العائلة"، نَصّ رسالة يتخوف أحمد وشاح، وهو شاب فلسطيني من قطاع غزة مقيم في ألمانيا، من تلقيها في أي وقت لتخبره برحيل عائلته جرّاء استهداف إسرائيلي.
يعيش أحمد وفلسطينيون آخرون مغتربون في الخارج، ينحدرون من القطاع، حالة من الخوف والترقب مع توالي أخبار القصف والمجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق أهالي غزة منذ أكثر من أسبوعين.
وبعد إعلان حركة حماس عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ردّت القوات الإسرائيلية بعملية عسكرية تحت مسمى "السيوف الحديدية"، شنّت من خلالها ضربات جوية على الأحياء والمباني المأهولة بالسكان؛ ما تسبب بمقتل الآلاف وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين.
حال عائلة أحمد مثل حال كل سكان قطاع غزة، لا يمتلكون أي سبيل من سُبل الحياة، ويقول لـTRT عربي: "لا ماء ولا إنترنت ولا كهرباء ولا علاج، والأمر الكارثي في هذا كله، هو قلقنا وخوفنا عليهم، فلا ننام ولا ندرس جيداً ولا نأكل بشكل طبيعي"، وفقاً لتعبيره.
خوف وترقب
ويتابع الشاب أحمد الأخبار بشكل مستمر ومكثف، ويخشى أن يُذكر اسم مخيمه أو يُنقل خبر ينص على وقوع مجزرة بحق عائلته، مثلما يحدث كل يوم مع العائلات في غزة، حسبما يضيف.
وينحدر أحمد -المغترب في مدينة بنوردهاوزن الألمانية للدراسة منذ قرابة عامين- من مخيم النصيرات في غزة، الذي لجأت إليه عائلته من بلدتهم الأصلية بيت عفا في قضاء القطاع بعد نكبة 1948.
والنصيرات هو مخيم للاجئين الفلسطينيين مكتظّ بالسكان بشكل "غير طبيعي"، تتجاور فيه المنازل من دون فواصل، ما يعني أنه لو تعرّضت المنطقة لقصف سيُباد ساكنوها، وفق ما يوضحه.
لم يستطع الشاب أحمد التواصل مع عائلته منذ الجمعة الماضية، سوى مرتين عبر اتصال دولي مكلف جداً، وذلك بسبب انقطاع الإنترنت لدى عائلته وانقطاع التغطية للاتصالات الدولية لاحقاً في كل قطاع غزة.
انعزال عن العالم
تسبّبت الغارات الجوية الإسرائيلية في دمار معظم البنية التحتية للاتصالات في قطاع غزة، ويهدد استمرار الحصار المفروض على المنطقة ومنع إسرائيل دخول إمدادات الطاقة إلى القطاع؛ في عزل الأهالي عن العالم الخارجي.
ووفقاً لتغريدة نشرتها شركة "نت بلوكس" المعنية بمراقبة انقطاع الإنترنت ومقرّها لندن، فإنّ شركة "سبيد كليك" التي تُعد ثاني أكبر مزوِّد خدمة إنترنت في قطاع غزة، قد فقدت الخدمة.
وإلى جانب صعوبة توفر الإنترنت والاتصال مع العالم الخارجي بسبب انقطاع التيار الكهربائي وشح الوقود أيضاً، ومع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية، يعيش الفلسطينيون في غزة أوضاعاً إنسانية ومعيشية صعبة.
ويبيّن أحمد أنّ الوضع الاقتصادي لأهالي القطاع في وقت الحرب يكون كارثياً خصوصاً على المغتربين وأهاليهم، لعدم توفر آلية لإرسال المال إلى قطاع غزة وإلى خارجه، مشيراً إلى أنّه يعيش ويدرس في ألمانيا عن طريق حوالة شهرية ترسلها له عائلته.
ولكن في الوقت الحالي يتساءل: كيف سيؤمّن إيجار ومصروف الشهر القادم حتى وإنْ انتهت الحرب، وذلك لأنّ الرواتب تتوقف لتوقف العمل، كما أنّ أولوية المال ستكون لتعويض الخسائر وإصلاح ما دُمّر.
شعور بالعجز
من جانبه يوضح الصحفي الغزي هاشم صالحة، المقيم في تركيا منذ عشر سنوات، أنّه يحاول التواصل مع عائلته في قطاع غزة عبر التواصل الدولي.
ويقول صالحة لـTRT عربي، إنّ التواصل الآن صعب جداً، فقبل الحرب الأخيرة على القطاع كان يتصل أكثر من مرة في اليوم الواحد، أما الآن فلا يستطيع التواصل معهم حتى لدقائق معدودة.
ويضيف أنّ الحالة النفسية لأهالي غزة المغتربين "سيئة، ويتملّكهم شعور بالعجز وشعور آخر بالذنب؛ لكونهم بعيدين وغير قادرين على المساعدة"، مشيراً إلى أنّهم يتعاملون مع الأخبار المحزنة بقلق واضح خوفاً من تلقي خبر استشهاد أو إصابة أحد الأقارب.
وشارك صالحة في المظاهرات المنددة بالحرب على غزة التي أُقيمت في إسطنبول، ويحاول إيصال صورة ما يجري في القطاع عبر مشاركة مقاطع مصورة تروي الرواية الحقيقية بأكثر من لغة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات "واتساب"، حسب تعبيره.
حاجة ماسّة للإغاثة
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفعت حصيلة شهداء الحرب الإسرائيلية على غزة الأربعاء، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 7028 شهيداً، منهم 2913 طفلاً و1709 نساء و397 مسناً، بالإضافة إلى نحو 18 ألف جريح، أغلبهم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال نحو 1650 من المواطنين تحت أنقاض المنازل التي تعرضت للقصف، منهم 940 طفلاً.
وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة، إنّ "المنظومة الصحية في غزة خرجت عن الخدمة وباتت في حالة انهيار تام"، مضيفاً أنّ "استهداف المنظومة الصحية أدّى إلى تضرر 57 مؤسسة، واستشهاد 73 من الطاقم الطبي، وتدمير 25 سيارة إسعاف وخروجها عن الخدمة".
وفي ظل استمرار العملية العسكرية على القطاع، يحتاج أكثر من 1.6 مليون شخص في غزة بشكل حرج للإغاثة الإنسانية، حسب بيان مشترك لخمس وكالات أممية، صدر بعد دخول قافلة مساعدات إغاثية عبر معبر رفح المصري.
ومع تدمير أو تضرر كثير من البنية الأساسية المدنية في غزة خلال نحو أسبوعين من القصف المستمر، بما في ذلك على الملاجئ والمنشآت الصحية وأنظمة الماء والصرف الصحي والكهرباء، فإنّ "الوقت ينفد قبل أن يرتفع عدد الوفيات بشكل هائل بسبب تفشي الأمراض والقدرة المحدودة للرعاية الصحية"، حسبما ورد في البيان.
وبينما يحاول المغتربون الاطمئنان على عائلاتهم وأقاربهم في القطاع، يواصل الجيش الإسرائيلي حصاره والاعتداء على أهاليه وبنيته التحتية، ما يُرجح زيادة أعداد الضحايا وتدهور الأوضاع الإنسانية.