مع اقتراب حلم العودة إلى القمر خطوةً بخطوة مع برنامج أرتميس التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، يواجه طموح البشرية تحدّياً جديداً وغير متوقع.
انهيارات وزلازل جنوب القمر تثير مخاوف حول سلامة رواد الفضاء ومعدّاتهم، مما قد يُجبر ناسا على إعادة تقييم خططها لإعادة البشر إلى سطح القمر بحلول عام 2026.
ويقول الجيولوجي وأحد الباحثين في المشروع، نيكولاس شمير: "مع اقترابنا من تاريخ إطلاق مهمة أرتميس 2 المأهولة، من المهم الحفاظ على سلامة رواد الفضاء ومعدّاتنا وبنيتنا التحتية قدر الإمكان".
ويضيف: "يساعدنا هذا العمل على الاستعداد لما ينتظرنا على القمر، سواء كان ذلك هياكل هندسية يمكنها تحمّل النشاط الزلزالي القمري بشكل أفضل، أو حماية الناس من مناطق خطيرة حقاً".
برنامج Artemis وكبسولة Orion
يُعَدّ صاروخ أرتميس القمري الضخم أحدث وأقوى مركبة إطلاق تابعة لناسا، ويهدف إلى إعادة رواد الفضاء والروبوتات والإمدادات إلى القمر لأول مرة منذ أكثر من 50 عاماً.
وأرتميس هو نظام صاروخيّ متعدّد المراحل يسمى نظام الإطلاق الفضائي (SLS)، الذي يمكنه حمل وحدات إضافية مختلفة فوقه، مثل مركبة الطاقم أوريون التي تؤوي رواد الفضاء في أثناء الرحلة.
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حقق نظام SLS الإقلاع لأول مرة، وانطلق من مركز كينيدي للفضاء التابع لناسا في فلوريدا في الساعة 1:47 صباحاً بالتوقيت الشرقي، وبعد أشهُر من التأخير وثلاث محاولات إطلاق فاشلة أقلع الصاروخ أخيراً، وبعد فترة وجيزة انفصلت كبسولة طاقم أوريون للقيام بمهمة غير مأهولة مدتها 26 يوماً إلى القمر والعودة.
عادت الكبسولة إلى الغلاف الجوي للأرض وسقطت بنجاح قبالة ساحل باجا كاليفورنيا في المكسيك في 11 ديسمبر/كانون الأول 2022، وبهذا تكون المرحلة الأولى من مهمة أرتميس التابعة لناسا -التي ستُعيد البشر في النهاية إلى القمر لأول مرة منذ أكثر من 50 عاماً- اختتمت رسمياً.
ثم أعلنت وكالة ناسا في 3 أبريل/نيسان 2023 عن أسماء رواد الفضاء الأربعة الذين سيقومون برحلة ذهاب وإياب حول القمر خلال مهمة أرتميس 2، التي كان من المقرر إطلاقها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وسيضمّ الفريق رواد الفضاء ريد وايزمان وكريستينا كوش وفيكتور غلوفر من الولايات المتحدة، وجيريمي هانسن من كندا.
ووفقاً لموقع Space، ستأخذ مهمة أرتميس 2، المقرر إجراؤها حالياً في عام 2024، رواد الفضاء حول القمر ولكن لن تُهبطهم هناك، ثم إذا نجحت هذه المهمة فإن ناسا تأمل في إنزال البشر على سطح القمر من خلال مهمة أرتميس 3 المُخطّط إطلاقها عام 2026.
سباق إلى الجنوب القمري
وتتسابق الدول سباقاً محموماً في هذا المجال، فقد حاول المسبار القمري الروسي لونا 25 الهبوط بالقرب من القطب الجنوبي في 19 أغسطس/آب، لكنه تحطم بعد اتصالات غير منتظمة ومناورة مدارية مهمة، مما أدى إلى إحداث حفرة بعرض 33 قدماً (10 أمتار) في المنطقة الجنوبية الشرقية للقمر.
وتجد في هذا المضمار الهند، ففي 23 أغسطس/آب أصبحت الهند أول دولة تهبط بالقرب من القطب الجنوبي للقمر في مهمة Chandrayaan-3، وهناك أمضت مركبتا الهبوط اللتان تعملان على الطاقة الشمسية -مركبة الهبوط والمركبة الآلية- يوماً قمرياً في استكشاف المنطقة المجاورة، وأثبتت المهمة وجود الكبريت، وهو أحد مكونات بناء البنية التحتية التي يمكن أن تكون أساسية للمخيمات المستقبلية، إضافة إلى قياس درجة حرارة القمر عن طريق إدخال مسبار في التربة لأول مرة، واحتمال اكتشاف زلزال قمري.
بدورها تخطط الصين في عام 2026 لإرسال مركبتها الفضائية Chang’e-7 في مهمة طموحة إلى القطب الجنوبي للقمر، ووفقاً لخطة المهمة ستتكوّن المركبة الفضائية من مركبة مدارية، ومركبة هبوط، ومركبة جوالة، ومسبار طائر صغير للبحث عن الجليد المائي في المناطق المظللة.
وعلى مدار ملايين السنين كان القمر يتقلص ببطء، ومع اقتراب موعد إطلاق Artemis 3 في عام 2026 يشعر الجيولوجيون بالقلق بشأن ما إذا كانت الزلازل القمرية والانهيارات الأرضية القمرية ستؤثر في الهبوط.
مؤشرات لا بدّ من مراعاتها قبل الإقدام على المهمّة
عند التخطيط لمواقع الهبوط المأهول على سطح القمر، بدءاً من بعثات أرتميس المقبلة إلى المستوطنات الدائمة على سطح القمر، يجب على مخططي المهمة أن يأخذوا في الاعتبار عدداً كبيراً من المؤشّرات القمرية.
على سبيل المثال، يمكن لشكل التضاريس أن يؤدي إلى نجاح المهمة أو فشلها، والحجم الكبير المحتمل للمياه المدفونة يمكن أن يجعل بقعة واحدة أكثر إثارة بكثير من نظيرتها الأكثر جفافاً، إضافة إلى الزلازل القمرية والانهيارات الأرضية القمرية، وأخذ ذلك في الاعتبار.
وحدد الباحثون الذين يدرسون المنطقة القطبية الجنوبية للقمر -التي تقع بالقرب من جانب الهبوط المخطط له للنسخة الثالثة Artemis 3، والمقرر أن تهبط في عام 2026- خطوط الصدع التي تسببت انزلاقاتها في حدوث زلزال كبير قبل نحو 50 عاماً.
في وقت مضى، حمل بعض بعثات أبولو أجهزة قياس الزلازل معها، وفي 13 مارس/آذار 1973 هزّ زلزال قمري قوي بشكل خاص أجهزة قياس الزلازل من الاتجاه العام للقطب الجنوبي للقمر.
وبعد عقود من الزمن حلقت المركبة الفضائية Lunar Reconnaissance Orbiter فوق القطب الجنوبي للقمر، واكتشفت شبكة من خطوط الصدع، وباستخدام نماذج جديدة ربط الباحثون تلك العيوب بهذا الزلزال القمري.
وحول شكل الزلازل القمرية قال الباحثون إنه من حيث المبدأ فإن سبب الزلازل جنوب القمر هو التجاعيد التي تتشكل على سطح القمر في أثناء انكماشه.
وحول سبب تقلص القمر فإن ذلك يرجع في الأساس إلى أن الجزء الداخلي من القمر أصبح بارداً خلال مئات الملايين من السنين الماضية. ويقول العلماء إنها تشبه حبات الزبيب التي تذبل، وهو ما يساعدنا أيضاً على تصور تكوين تلك التجاعيد.
علاوةً على ذلك فإن سطح القمر أقل إحكاماً بكثير من سطح الأرض، وغالباً ما يتكون من جزيئات سائبة يمكن قذفها وتناثرها بسبب الاصطدامات، ونتيجة لذلك من المرجح أن تؤدي الزلازل القمرية إلى حدوث انهيارات أرضية أكثر مثيلتها على الأرض.
ويرى الباحثون أنه مع اقتراب اليوم الذي تطأ فيه الأحذية البشرية القمر مرة أخرى، سيتعيّن على البشر المعنيين التخطيط لاحتمال أن الأرض تحت تلك الأحذية ليست مستقرة كما قد يأملون.