تحول أول لقاء جماهيري يخوضه الصحفي اليميني المتطرف إيريك زيمور بعد إعلان ترشحه رسمياً للرئاسيات الفرنسية القادمة إلى ساحة معركة دموية. هو الذي اختار له أن يكون يوم الأحد بمنطقة سان دوني المأهولة بعدد كبير من الجاليات المهاجرة، كي ينفث سموم برنامجه المعادي للهجرة والمسلمين.
لقاء قبل أن يبدأ سادته مخاوف أمنية من اندلاع أعمال عنف بين مناصريه ومعارضيه. وأظهرت مقاطع فيديو مهاجمة أفراد مناصري زيمور نشطاء مناهضين للعنصرية لبسوا قمصاناً تحمل شعار "لا للعنصرية". واستعمل في ذلك الاعتداء الرشق بالكراسي ما سبب جروحاً بليغة للنشطاء، قبل أن تتدخل الشرطة لفض العنف.
وعلق أحد نشطاء منظمة "إس أو إس ريسيزم" المعتدى عليهم: "اعتقدت أننا في ديمقراطية وأنه كان بإمكاننا قول ما أردنا قوله وأنه لن يكون هناك اعتداءات جسدية من هذا النوع". وقال الادعاء الفرنسي، الاثنين، إنه فتح تحقيقاً في المسألة، مضيفاً أن الشرطة أوقفت نحو 60 شخصاً.
هذا وشوهد المعتدون يلبسون سترات سوداء، ملثمين وجوههم أوشحة بذات اللون، يصرخون بالشتائم والتعبيرات العنصرية في وجه النشطاء. هي أوصاف ترتبط بجماعة "زواف باريس"، منظمة يمينية متطرفة عنصرية، تتبنى أفكاراً فاشية ونازية، رغم أن اسمها مشتق من تقليد عسكري أمازيغي عريق يمتد إلى الحقبة العثمانية بالجزائر.
"زواف باريس" وزعامتهم
أحد أولئك الذين وثقتهم مقاطع الفيديو يعتدي على النشطاء هو مارك دو كاكراي فالومنييه، الذي يعد زعيم جماعة "زواف باريس". ولفالمونييه سوابق قضائية في استعمال العنف والتخريب، أشهرها التي أدين فيها بالحبس ستة أشهر لاقتحام وتخريب قوس النصر أثناء مظاهرت السترات الصفراء سنة 2018. وقبلها جرت إدانته بمشاركته في الهجوم وتخريب حانة يديرها أفراد ينتمون إلى حركة "انتيفا" المناهضة للفاشية.
لا تقف عند هذا الحد اعتداءات مارك ذو 23 عاماً والذي يقدم نفسه على أنه سليل أسرة تنحدر من نبلاء القرون الوسطى. فقد وثق له اعتداء على مشجع كان يحمل العلم الجزائري أثناء احتفال بفوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم 2018، كما اعتدى على مناضل في "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" اليساري الفرنسي، واعتدى على صحفيين أثناء مظاهرة لمناهضة العنصرية بباريس.
بل وشارك زعيم الجماعة المتطرفة في حرب أقليم قره باغ الذي كانت تحتله أرمينيا، حيث حمل السلاح إلى جانب الاحتلال الأرميني وعبأ في أوساط جماعته أن تلك الحرب "مقدسة لأنها تخاض ضد العدو المسلم".
فيما بالنسبة لجماعته فهم لا يختلفون عنه في التوجه السياسي، الذي يجهر به دون حرج أنه "فاشي". فمن يلتفون حوله هم يمينيون متطرفون، يحرضون على المواجهة بالعنف ضد المهاجرين والمسلمين، ومنهم من يدافع عن عودة الملكية إلى البلاد. يؤمنون في أغلبهم بنظرية "الاستبدال العظيم" التي يعد زيمور أحد روادها، هكذا كانوا حاضرين في لقائه من أجل "تأمينه من نشطاء أنتيفا" بحسب تعبيرهم.
من هم الزواف؟
هذا وتشتق الجماعة المتطرفة اسمها من تقليد عسكري أمازيغي يعود لحقبة الوجود العثماني بالجزائر، حيث شكَّل الدايات تنظيماً عسكرياً قوامه من سكان القبائل الأمازيغ الذين يسمون محلياً "زواوا". هذا ما يوضحه الصحافي والروائي الجزائري مهدي بسكري في حديثه لـ TRT عربي قائلاً: "الزواف من زواوة والصبايهية من العرب. كلاهما كان عبارة عن فرق عسكرية أيام الإيالة العثمانية في الجزائر، بجوار الانكشارية ورياس البحر".
لكن وبعد سقوط العاصمة في يد الاحتلال الفرنسي، يضيف بسكري، "قرر أقلية من الزواف و الصبايهية العمل ضمن العسكرية الفرنسية. هذه الأخيرة التي حافظت على أسماء فرقهم العسكرية الأصلية". فيما "بعد عام 1841 طرد الجزائريون من الزواف ولم تعد تتكون إلا من الأوروبيين إلى حدود الحرب العالمية الأولى حين جرت إعادة فتحها للسكان الأصليين" يختم الصحفي الجزائري حديثه.
هذا ولمصطلح "الزواف" حمولة قاسية في الخيال الجزائري المعاصر، إذ يذكرهم بالفظاعات التي كانت ترتكبها تلك الفرق العسكرية الفرنسية ضد المدنيين، وما يزيد ذلك التاريخ قسوة هو أن عدداً منهم كانوا من أبناء جلدتهم إذ باعوا أنفسهم وتعاونوا مع المحتل.