ووفق تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فإن معاناة المزارعين في الضفة بموسم قطاف الزيتون هذا العام، أشد قسوة من معاناة العام الماضي، بسبب إرهاب الاحتلال، بينما يشح الإنتاج في غزة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة لأكثر من عام.
كما غابت الطقوس التي ترافق موسم الزيتون في غزة، ولم يكن للأغاني التراثية القديمة والدبكة الشعبية والكوفية الفلسطينية حضور لدى المزارعين، وحلت محلها أصوات القصف وطائرات الاحتلال الإسرائيلي.
إصرار في الإنتاج رغم الظروف
وفي معصرة زيتون شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة تبدو خالية من الزبائن، يحاول الحاج الفلسطيني حمود مشتهى وهو صاحب المعصرة إعادة إصلاح ما تبقى من ماكيناته التي دمرها الاحتلال واستطاع تجميع ماكينة واحدة من أصل 4 لبدء الإنتاج مع موسم عصر الزيتون.
فمن حظي بالثمار هذا الموسم أتى لعصرها رغم التحديات التي تواجه الماكينات التي تضررت بفعل الحرب المستمرة، وقال أحد المواطنين الفلسطينيين الذين أتوا إلى المعصرة لـTRT عربي "الموسم يعتبر ضعيفاً بحكم الإمكانيات الضعيفة في البلد ومشكلات الحرب والتجريفات وأشجار الزيتون فيها ضرر كبير لقلة مياه الري والأسمدة، وللأسف يعتبر الإنتاج 10% فقط مقارنة بالمواسم السابقة".
بينما قال مواطن فلسطيني آخر جاء إلى المعصرة: "في أواخر كل عام كنت أجني ما يقارب بين 1000 كيلو من محصول الزيتون أما هذا العام فالوضع مختلف، إذ حصدت فقط 172 كيلو زيتون وهذه الكمية لعل أنني سأحصل منها على تنكة ونصف التنكة من الزيت".
أما في بستان لأشجار الزيتون في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، فيجتمع فلسطينيون مع عائلاتهم وأطفالهم لقطف ثمار الزيتون الملونة، إذ بدأ موسم الحصاد في الأراضي الفلسطينية في سبتمبر/أيلول الماضي وسط استمرار الحرب وندرة في المحصول.
"هذا العام الموسم سيئ" يقول الشاب عودة بركة هذه الكلمات وهو يقطف وأفراد عائلته الزيتون من أرضهم التي نزحوا إليها بفعل الحرب، وسط مشاعر خوف وقلق من أي استهداف للاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف عودة في حديث لوكالة الأناضول أن "المحصول مع الحرب والبارود والدخان سيئ جداً وهذه أول سنة يحصل هذا.. الوضع صعب حقاً ولا يمكننا الري أو التسميد، ولا يمكننا الرش بسبب الحرب".
"نتمنى أن تنتهي الحرب قريباً وأن تعود الأمور إلى طبيعتها وأن تتحسن أحوالنا، كان هذا العام صعباً جداً علينا وكانت الحرب شديدة ولم نشهد مثل هذه الظروف من قبل"، وفق ما يشير إليه الشاب.
يعتقد الشاب أن "الشجر يحزن أيضاً"، ولهذا كان إنتاج الزيتون سيئاً، ويلفت إلى أن "الوضع محزن، وكل شيء تضرر، والأنقاض وبقايا الصواريخ في كل مكان، قبل الحرب كانت الأمور جيدة، كنت أسقي وأضع السماد وأرى ثمار تعبنا، لكن للأسف هذا العام والعام الماضي كانا صعبين جداً.. لا نستطيع أن نفعل شيئاً بسبب الحرب".
من جهتها تحدثت الشابة ابتسام وهي تعمل في فرز حبات الزيتون حول أنها "الناجية من غزة بعد أن قُصف منزلها، وعندما أتت إلى دير البلح كانوا مشردين وهي تعيش مع إخوتها في الخيام"، وقالت "كل عام، تنتج هذه الأرض أفضل أنواع الزيتون. ولكن هذا العام ترى أنه لا يوجد شيء يمكننا فعله كان الناس خائفين وقلقين من الخروج للحصاد".
وبحسب إحصائية لوزارة الزراعة في قطاع غزة قبل الحرب، هناك 33 ألف دونم مزروعة بالزيتون تُنتج نحو 23 ألف طن، لكن خلال عام من الحرب شهد القطاع تجريفاً وقصفاً لأراضيه الزراعية الغنية بأشجار الزيتون.
وأدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى دمار ما يزيد على 75% من أشجار الزيتون، كما ألغت سلطات الاحتلال جميع الموافقات والتصاريح التي كانت تُمنح للمزارعين لقطف الزيتون، ما حال دون وصولهم إلى أراضيهم.
الضفة الغربية.. اعتداءات مستوطنين
أما في الضفة الغربية المحتلة فالوضع لا يختلف كثيراً بسبب اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على مزارعي الزيتون، وأكد تقرير للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، في 19 من أكتوبر/تشرين الأول أن معاناة المزارعين في موسم قطاف الزيتون هذا العام، أشد قسوة من معاناة العام الماضي، بسبب إرهاب الاحتلال ومستعمريه، ما يهدد بفقد معدلات أعلى من المحصول.
وأضاف المكتب أن إرهاب المستعمرين بحماية جيش الاحتلال، ومشاركة عصابات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في الاعتداء على الفلسطينيين في موسم قطاف الزيتون، بدأ مبكراً هذا العام في مختلف محافظات الضفة الغربية، بدءاً بمنع المزارعين من الوصول إلى حقولهم، مروراً بالسطو على المحصول، وحرق أشجار الزيتون، وانتهاء بإطلاق النار عليهم، وهو ما أدى إلى استشهاد الفلسطينية حنان أبو سلامة.
وكانت وكالة رويترز نقلت في 21 أكتوبر/تشرين الأول الحالي قصة المزارعة ختام النجار من قرية بورين في الضفة الغربية، إذ تحلم السيدة بموسم واحد فقط يتسنى لها فيه قطف محصولها بسلام. لكن ذلك لن يتحقق هذا العام.
وقالت إنه عند اقترابها مع ابنها من بساتين الزيتون قرب القرية الأسبوع الماضي أوقفهما جنود الاحتلال الإسرائيلي وأبلغوهما أنه غير مسموح لهما بقطف الزيتون في ذلك الجزء من الوادي.
وفي وقائع أكثر عنفاً منذ بداية موسم قطف الزيتون هذا الشهر، هاجم مستوطنون إسرائيليون مسلحون مزارعين فلسطينيين وقطعوا أشجاراً وأشعلوا النيران في بساتين الزيتون.
وتشكل أحدث موجة من هجمات المستوطنين وحصار جيش الاحتلال الإسرائيلي جزءاً من سياسة الترهيب والعقاب الجماعي مع استمرار الحرب في قطاع غزة، إذ يبدو أن المستوطنين يتشجعون ببعض وزراء اليمين المتطرف، في حكومة الاحتلال الإسرائيلي الذين يسعون إلى ضم الضفة الغربية.
واتهم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إسرائيل في 18 أكتوبر/تشرين الأول الحالي باستخدام أساليب "تشبه الحرب" ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مشيراً إلى وقوع عمليات قتل على أيدي جنود الاحتلال وهجمات شنها مستوطنون على بساتين الزيتون في الأراضي الفلسطينية.
وقال المكتب إنه تلقى منذ بداية هذا الشهر تقارير عن تنفيذ مستوطنين 32 هجوماً ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، منها هجمات على المزارعين. وذكر المتحدث باسم المكتب، ينس لايركه، أنه "من المثير للقلق بشدة، بصراحة، أنها ليست هجمات على الأشخاص فحسب، بل هجمات على بساتين الزيتون أيضاً" وتابع: "موسم قطف الزيتون هو شريان حياة اقتصادي لعشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية".
ساهم في إعداد التقرير مراسل TRT عربي في قطاع غزة، سامي برهوم