وعلى الرغم من مصلحة واشنطن من التهدئة في المنطقة في ظل عدم اليقين السياسي في البلاد قبيل انتخاباتها الرئاسية، والادعاءات الأمريكية بالرغبة في وقف التصعيد و"احتواء الصراع في الشرق الأوسط" فإن إسرائيل تمضي قدماً في توسيع عدوانها داخل غزة وخارجها، دون أخذ الرأي الأمريكي في الاعتبار، بل إنها تتحداه في العلن بعض الأحيان.
إسرائيل تهمّش دور حليفها الأكبر
يرى محللون ودبلوماسيون أن إسرائيل هي التي تملي الأحداث في الشرق الأوسط حالياً، والولايات المتحدة أصبحت مجرد جناح، بعد أن كانت ترى الأخيرة نفسها اللاعب المحوري المنطقة، وهو ما يعد تحولاً جوهرياً.
والآن، بينما يشن الاحتلال هجمات عدة في المنطقة، أصبح نفوذ الرئيس الأمريكي جو بايدن محدوداً للغاية، فبدلاً من التمثّل بعمليات صنع السلام الكبرى أو الحروب التي شنها أسلافه، وجد بايدن نفسه منخرطاً في الغالب في عمليات التنظيف الدبلوماسي خلف إسرائيل، وفق تقرير تحليلي لصحيفة نيويورك تايمز.
وتقول الصحيفة إنه رغم استجابة إسرائيل لتحذيرات واشنطن بعدم ضرب منشآت نووية أو نفطية في إيران، لكن الجهود الأكثر طموحاً، مثل المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، فشلت في تحقيق أي تقدم، كما "لم تقترح واشنطن خطة شاملة من شأنها أن تنقذ الشرق الأوسط من حرب إقليمية كارثية، فضلاً عن تنفيذها".
وفي هذا الصدد يقول الدبلوماسي السابق والأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، فالي نصر، لنيويورك تايمز، "لدينا الآن فجوة، إذ يمتلك الشريك الأصغر في التحالف الرؤية الأوسع للمنطقة، بينما يُترَك الشريك الأكبر ليحاول الرد على الأحداث"، مؤكداً أن هذا "غير جيد للولايات المتحدة".
وتابع نصر أن "جوهر افتراض الإسرائيليين أنه في حالة وقوع حرب أوسع نطاقاً سوف تقاتل الولايات المتحدة، والحقيقة أن واشنطن تتورط في صراع آخر طويل الأمد في الشرق الأوسط".
تحدّ علني لأمريكا
وبينما يتحدث الجميع عن "الأهمية البالغة" للضغوط الأمريكية في تحويل قرار الاحتلال في ضربته الأخيرة على إيران، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون حكومته تجنبت ضرب منشآت الغاز والنفط الإيرانية بسبب الضغوط الأمريكية، قائلاً إن "إسرائيل اختارت مسبقاً أهداف الهجوم وفقاً لمصالحها الوطنية وليس وفقاً للإملاءات الأمريكية"، حسب ما نقلته وكالة رويترز.
وفي تقرير سابق لصحيفة "BBC" قالت إن الولايات المتحدة وأوروبا عاجزان عن منع إسرائيل من التصعيد في المنطقة، فبالتزامن مع اغتيال الاحتلال للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، كانت الولايات المتحدة وفرنسا تناقشان مقترحاً لوقف إطلاق النار مدته 21 يوماً.
ولكن نتياهو حينها ألقى خطاباً عدوانياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والذي مع انتهائه كان الهجوم العنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت، في إشارة إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان ليس على جدول أعمال إسرائيل، فيما قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها لم تُخطَر مسبقاً بهذا الهجوم.
وخلال عام اعتاد نتنياهو على تحدي رغبات بايدن، فيما يتعلق بقتل المدنيين أو منع المساعدات في غزة، وعلى الرغم من تزويد بايدن إسرائيل بالطائرات والقنابل التي تقتل بها الأبرياء فإن الإدارة الأمريكية كانت مجرد مؤدّ لدور المتفرج، وفق الصحيفة البريطانية.
واعتقد بايدن أنه يستطيع إقناع نتنياهو، ليس فقط بالحد من عدوانه الذي قال الرئيس الأمريكي مراراً وتكراراً إنه أسرف في قتل المدنيين الفلسطينيين، فحسب، وإنما بقبول الخطة الأمريكية لما بعد الحرب، والتي ترتكز على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، ورفض نتنياهو الفكرة جملة واحدة متجاهلاً بايدن.
وتتابع الصحيفة أنه في محاولة للتأثير على نتنياهو يستمر بايدن في مساندته لإسرائيل وإظهار التضامن والدعم بالأسلحة والحماية الدبلوماسية، وفي كل مرة يخرج وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للتنظيف دبلوماسياً خلف إسرائيل قائلاً: "إن المجال مازال متاحاً للمفاوضات"، في تصريحات جوفاء، وفق تعبير "BBC"
هل فقدت أمريكا السيطرة على إسرائيل؟
ترى مجلة فورين بوليسي أن العلاقة بين الولايات المتحدة وشريكتها الصغرى إسرائيل لم تشهد تعقيداً مثل ما يبدو عليه الآن، فنفوذ إدارة بايدن مقيد بشكل أكبر "بسبب طبيعة الصراع بين حليف وثيق للولايات المتحدة ومجموعة تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون والقوة".
وتقول الصحيفة "إن التصريح العاطفي لبايدن في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول وزيارته المبكرة لإسرائيل عكسا دعمه العميق والدائم لها، وقد خدم هذا في ربط واشنطن بأهداف الحرب الإسرائيلية منذ البداية، وهو ما لم يترك سوى هامش ضئيل للضغط، ناهيك عن تفسير الضغط على إسرائيل على أنه ضعف تجاه حماس".
ويتابع تقرير المجلة الأمريكية بأن هذا يعني أن عملية صنع القرار بيد نتنياهو في العديد من القضايا التي اعتبرتها واشنطن حساسة (تسهيل المساعدات الدولية إلى غزة، وإعطاء الأولوية لعودة الرهائن، والتخطيط لغزة بعد الحرب، وتجنب الوضع المتفجر في الضفة الغربية) وكانت تتشكل وفقاً لمطالب حكومته اليمينية، وبخاصة وزيراه المتطرفان، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير.
وتتساءل المجلة: "لكن إذا كانت القوى الأصغر (إسرائيل) تستغل القوة العظمى (أمريكا)، فلماذا لا تفرض إدارة بايدن أو المجتمع الدولي عقوبات على إسرائيل من شأنها أن تغير مسار الصراع؟"
ويجيب التقرير عن سؤاله قائلاً إن "إدارة بايدن مثل معظم الرؤساء السابقين، غير راغبة في ممارسة أقصى قدر من الضغط"، مستطرداً بأن بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين استخدموا ضغطاً محدوداً في بعض الأحيان.
ويستدل التقرير على ذلك بعدة حوداث منها تعليق الرئيس رونالد ريجان تسليم الطائرات المقاتلة المتقدمة بسبب السياسات الإسرائيلية في لبنان، وتهديد دوايت أيزنهاور بفرض عقوبات على إسرائيل ما لم تسحب قواتها من سيناء خلال الحملة البريطانية الفرنسية الإسرائيلية الفاشلة للاستيلاء على قناة السويس من مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
ويردف أن هذا لا يعني أن إدارة بايدن تفتقر إلى النفوذ، فهو لديه العديد من ادوات الضغط، مثل تقييد المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وتقديم أو دعم قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينتقد سياساتها في غزة، أو إظهار استياء الولايات المتحدة من خلال الانضمام إلى أكثر من 140 دولة والاعتراف بدولة فلسطينية.
ورغم غضب بايدن من وقت إلى آخر، لكنه لم يترجم هذا الغضب مطلقاً إلى تغييرات ملموسة في سياسته نحو إسرائيل، بسبب عدة عوامل منها أنه مؤيد لإسرائيل "بشكل خارق للطبيعة" إضافة إلى المشهد السياسي الداخلي الحالي للولايات المتحدة بخاصة في عام انتخابي، كان ذلك كافياً للحد من خيارات الولايات المتحدة ونفوذها، حسب قول فورين بوليسي.