لقي خبر إعلان الخبير المغربي في علوم المناعة والفيروسات منصف السلاوي، رئيساً للجهود الحكومية الأمريكية لتطوير وتوزيع لقاح لفيروس كورونا، إشادة واسعة في صفوف الأوساط العلمية، تقديراً لسجلّه الحافل في المجال، كما حظي باهتمام ومتابعة كبيرين بين رواد الشبكات الاجتماعية، خصوصاً المغاربة، الذين احتفوا بابن الجنوب المغربي.
تَكليفُ العالِم المغربي، المولود بمدينة أكَادير، من طرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لترؤُّس الفريق العلمي الحكومي من أجل تطوير لقاح لفيروس كورونا، يأتي ليتوَّج اسم السلاوي، الذي برز بقوة في مجال صناعة اللقاحات والأدوية، بعد أن شغل مناصب بارزة على رأس مختبرات وشركات أدوية عالمية، ساهم خلالها في ابتكار وصناعة عدد من اللقاحات.
اسمٌ مغاربيٌ آخر كان من بين المرشحين لشغل المنصب الذي عُيّن فيه السلاوي، هو الدكتور الجزائري إلياس زرهوني، المدير السابق لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، التي تُعَدّ أعلى مرجع طبي أمريكي، والمدير التنفيذي السابق لشركة "سانوفي" العالمية لصناعة الأدوية واللقاحات.
إلى جانب هذين الاسمين الكبيرين اللذين برزا خلال الأيام الماضية على عناوين الأخبار، تعمل مئات الكفاءات العربية والمغاربية في كبريات المستشفيات والمختبرات العالمية ببلدان أوروبية وبدول أمريكا وكندا، وتقترن أسماؤها أيضا ًبالجهود العلمية الرامية إلى تطوير لقاح أو علاج يُنهي كابوس كورونا.
على خط المواجهة
خلال شهر أبريل الماضي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، مقطع فيديو لزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لمختبر البروفيسور البارز راوولت ديديي، يوثّق مفاجأة ماكرون بإجابات الباحثين بالمختبر بعد أن سألهم حول جنسياتهم، وتبيّن أن أغلبهم من بلدان عربية وإفريقية.
الباحثة سارة بلالي، واحدة من الفريق الطبي الذي يعمل مع عالم الفيروسات الفرنسي، فبعد إشرافه على رسالتها في الدكتوراه، ضمّها إلى فريقه للعمل على أبحاث تطوير البروتوكول العلاجي الذي يقترحه لعلاج فيروس كورونا، من خلال استخدام دواء الكلوروكين، وهو العلاج الذي يعتمده اليوم عددٌ من دول العالم.
سارة، المُنتَج الخالص للمدرسة العمومية المغربية، كشفت في تصريح لموقع TRT عربي أنها حصلت على شهادة الباكالوريا بمدينة في الدار البيضاء، مسقط رأسها، سنة 2010، وبعد الدراسة الجامعية في كلية العلوم، حازت شهادة ماستر دولي في علوم الصحة والتنمية، قبل أن تهاجر لمتابعة دراستها في كلية الطب بمرسيليا بفرنسا.
الباحثة المغربية تقول في حديثها لـTRT عربي، إن مسارها العلمي من البيضاء إلى مختبر مرسيليا، أحد أكبر المعاهد الطبية بأوروبا، "كان صعباً وتَحقَّق بعد جهد شاقّ، إذ إن المجتمع العلمي لا يعترف إلا بمن يجتهد ويسهر الليالي"، كاشفة أن انضمامها إلى فريق راوولت الذي يضم ّخبراء وباحثين من كل الجنسيات، جاء بعد إشرافه على أطروحتها لنيل الدكتوراه وتقديره لأبحاثها العلمية.
بخصوص عمل المختبر اليوم حول أبحاث علاج كورونا، تقول سارة إن "العمل قائم طوال أيام الأسبوع ولـ24 ساعة يومياً دون توقف"، مشيرة إلى أن الأبحاث المُنجَزة حول البروتوكول العلاجي بالكلوروكين، نُشرَت بمجلات علمية، وأثبت المعهد نجاعتها بتجارب مخبرية سريرية، وفي مراحل متقدمة بجميع أنحاء العالم، مضيفة أن عدة دول تبنت هذا البروتوكول، وقبل أيام نشر الطبيب الرسمي بالبيت الأبيض مقالاً حول اعتماد هذا العلاج"، تكشف سارة.
وعن الجدل الذي أثاره هذا العلاج بفرنسا والعالم، توضّح بلالي بأنه جاء بعد إنجاز البروتوكول بعجالة وفي وقت سريع على تجارب سريرية، إذ جرت التجربة الأولى في الصين، ثم أجراها البروفيسور راوولت على 24 مريضاً، وأظهر فاعليته في تقليص كمّية الفيروس داخل الخلايا في أقلّ من 6 أيام، واليوم يتبنى عديد من الدول هذا البروتوكول لعلاج المصابين بكورونا.
وبالموازاة مع عمل المختبر الفرنسي والجهود العالمية لإيجاد علاجات ناجعة تقضي على فيروس كورونا، يسابق علماءُ الزمنَ لتطوير اختبارات تشخيص الفيروس كخطوة أساسية وضرورية لكبح انتشاره.
في مختبر جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية، باحثة عربية أخرى تشارك في تطوير اختبارات التشخيص، هي المصرية هبة مصطفى التي كانت من المشاركين في إنتاج اختبار فيروس كورونا، الذي يمكّن الأطباء من فحص ألف شخص يوميّاً.
الشابة المصرية، خريجة جامعة الإسكندرية سنة 2004، تعمل اليوم أستاذة مساعدة في علم الأمراض بجامعة جونز هوبكنز، وباحثة في مجالات المراقبة الجينية للفيروسات والعلاقة بين تطور الفيروس وشدة أعراضها، شاركت في تطوير اختبار داخلي لفحص كورونا، يسمح للأطقم الطبية بالكشف بسرعة وفاعلية على المشتبه بإصابتهم بالفيروس وعلى مخالطيهم.
الأبحاث المُنجَزة حول البروتوكول العلاجي بالكلوروكين نُشرَت بمجلات علمية وأثبت المعهد نجاعتها بتجارب مخبرية سريرية وفي مراحل متقدمة بجميع أنحاء العالم.
السوري محمد الشمّاع، نموذج آخر من الأطباء العرب الذين سخّروا جهودهم لمحاربة كورونا، لكن ليس من داخل المختبرات بل على خط التماس مع المصابين في المستشفيات، حيث تَسلَّل كوفيد القاتل إلى جسده وفتك به خلال عمله في مدينة إسطنبول، لينضمّ الراحل إلى قائمة من عشرات الأطباء الذين قضوا خارج بلدانهم في صراعهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين.
الراحل انتقل إلى تركيا عقب الأزمة السورية سنة 2011، حيث اشتغل في مركز يقدّم الخدمات الصحية والطبية للاجئين والمهاجرين، إلى أن أصيب بفيروس كورونا. وفي تصريح لوكالة الأناضول أشاد الطبيب مهدي داوود، رئيس "منبر الجمعيات السورية في تركيا"، بجهود الشماع في تطبيب المصابين، والتوعية بمخاطر الفيروس وطرق الوقاية منه، مُورِداً أن زميله السوري كان في مقدمة الأطباء العرب المتطوعين لتقديم الخدمات الصحية للاجئين والجالية العربية.
نزيف الكفاءات
إذا كانت الأطر العربية المنخرطة ضمن جهود محاربة كورونا تشكل مصدرَ فخر وأمل في صفوف أبناء بلدها، فهي تبعث في نفوسهم أيضاً أحاسيسَ خيبة وحسرة، يمكن رصدها في تعليقات على الشبكات الاجتماعية، تتأسف على عدم الاستفادة من خبرات تلك الكفاءات وطنياً، بل ومنحهم كل أسباب الرحيل.
يستمرّ نزيف البلدان العربية، سنة بعد أخرى، في خسارتها ألوف الكفاءات في مختلف المجالات العلمية والمعرفية، إذ أضحت هجرة الأدمغة، أزمة مؤرقة لبلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، التي تضيع في أطر هي في حاجة ماسَّة إليها من أجل تطوير الإنتاج العلمي والأكاديمي بها، والإشراف على مؤسساتها المختلفة.
السوري محمد الشمّاع، نموذج آخر من الأطباء العرب الذين سخّروا جهودهم لمحاربة كورونا، لكن ليس من داخل المختبرات بل على خط التماس مع المصابين في المستشفيات.
دوافع وأسباب هجرة الأدمغة في المجال الطبي كثيرة، يقسّمها الدكتور فيضي عمر محمود، رئيس اتحاد الأطباء العرب في أوروبا، إلى دافعة وأخرى جاذبة، تتعلق الأسباب الأولى بعدم توافر الظروف المادية والاجتماعية المناسبة بالوطن العربي، من حيث الرواتب والامتيازات الوظيفية واحترام القدرات، مبرزاً في المقابل كون هذه الحوافز "مغرية" في المستشفيات الأوروبية.
"البيروقراطية والفساد الإداري والتضييق على الحريات على العقول العلمية المبدعة"، تشكّل أيضا أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى الهجرة، يقول الدكتور فيضي في تصريح لموقع TRT عربي، مضيفاً أن هذه السلوكيات "تأتي من مسؤولين إداريين، لا يفهمون مهمة الباحث ودوره في المجتمع"، كما أشار إلى أن إدارة المستشفيات في عدد من البلدان العربية لا تزال "تقليدية وارتجالية".
ومن أسباب الهجرة كذلك عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي، وتهميش القيادات العلمية والسياسية للباحث، وفق إخصائي الجراحة العامة وجراحة القلب بألمانيا، "ما يؤدي إلى شعور بعض الكفاءات والخبرات بالغربة في أوطانها، وتوليد إحساس بالغبن واليأس، وبالتالي البحث عن ظروف توفر الحرية والاستقرار".
وبخصوص الأسباب الجاذبة، يفسّرها الدكتور فيضي بالجوّ العامّ للعمل في الخارج، من خلال الفرق في الرواتب وتأمين حقوق ممارسة العمل بمهنية ونجاح، فضلاً عن إمكانية التطور من خلال توافر الجوّ العلمي المناسب لإنجاز الأبحاث، وحضور المؤتمرات، بما يضع الباحث أو الطبيب في حلقة دائمة للتعلم والتطور، عكس الحالة الموجودة في الدول العربية.
وربط رئيس اتحاد الأطباء العرب في أوروبا، هجرة الكفاءات بالجوّ العام للمنطقة، "الذي يشهد فساداً إدارياً ومشكلات حرية الكلمة، وانعدام الديمقراطية، وانتشار علماء الحاكم"، وهي العوامل التي لا توفّر، وفق المتحدث، فضاءً مناسباً من أجل نماء البحث العلمي وتوطين وتوليد المعرفة بالشكل المطلوب.