وفي الوقت ذاته، تبحث منظمات قانونية في إمكانية رفع دعاوى ضد نظام المساعدات المثير للجدل الذي تديره المؤسسة في قطاع غزة، مستندة إلى سوابق قانونية تعود إلى حرب العراق.
وتتصاعد التهديدات القانونية ضد النظام الذي أنشأته مؤسسة GHF، الجهة المشرفة على آلية توزيع الغذاء الجديدة في غزة، إلى جانب شركاتها الأمريكية التابعة Safe Reach Solutions (SRS) وUG Solutions.
وتشير تقارير نقلتها شومريم إلى أن هذه الكيانات تواجه اتهامات متنامية بارتكاب جرائم حرب محتملة، على خلفية حوادث قتل فلسطينيين قرب مراكز توزيع المساعدات.
وقالت عدة منظمات حقوقية دولية لـ”شومريم” إنها تدرس خيارات قانونية وتستعد لرفع دعاوى ضد عمليات المساعدات التي تُدار عبر شركتَي SRS وUG Solutions بالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت هذه المنظمات أن أي تحرك قضائي قد يعرّض مئات المتعاقدين الأمريكيين العاملين ميدانياً في غزة لمساءلات قانونية لسنوات مقبلة.
كما استفسر النواب الأمريكيون في رسالة لهم عما إذا كانت الشركتان قد أبلغتا موظفيهما بإمكانية ممارسة المحكمة الجنائية الدولية أو دول ثالثة لاختصاصها في النظر بجرائم حرب محتملة في غزة، وهو ما قد يقيّد حرية سفرهم.
الرسالة التي استعرضتها شومريم طرحت كذلك تساؤلات حول ما إذا كان الموظفون والمستثمرون قد أُبلغوا بأنهم قد يواجهون دعاوى مدنية عند عودتهم إلى الولايات المتحدة بموجب قانون منع التعذيب.
وفي تقرير صدر مطلع أغسطس/آب، ذكرت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) أن مراكز توزيع GHF تحوّلت إلى ساحات "قتل منظم".
أما منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) فقد أفادت في تقرير لاحق أن قوات الاحتلال الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، إلى جانب المتعاقدين الخاصين، أنشؤوا نظام توزيع "مُعسكر" للمساعدات، ما حوّل عملية توزيع الغذاء إلى "حمامات دم متكررة"، بحسب توصيفها.
تجربة العراق
وكشف موقع “شومريم” أن منظمات قانونية دولية بدأت بالفعل اتخاذ خطوات عملية لرفع دعاوى قضائية ضد مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وذلك في وقت أعلنت فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خططاً لتوسيع نشاط المؤسسة في غزة.
وقالت كاثرين غالاغر، كبيرة المحامين في مركز الحقوق الدستورية (CCR) في نيويورك، إن مجموعتها تدرس حالياً التحرك القانوني، وأضافت: "نراجع هذا الأمر بشكل نشط للغاية، وننظر في أكثر من مسار ممكن للمساءلة".
وأضافت غالاغر بحسب شومريم أن شهادات موظفين سابقين لدى الشركات الأمريكية العاملة في غزة، إضافة إلى مقاطع مصورة وثّقها مدنيون فلسطينيون، تشكّل قاعدة من الأدلة المحتملة التي يمكن الاستناد إليها في المحاكم.
وأشارت إلى أن هناك سوابق قضائية ناجحة ضد متعاقدين أمريكيين بعد حروب سابقة، منها قضية سجن أبو غريب، حيث أدينت شركة CACI Premier Technology العام الماضي بتعذيب ثلاثة معتقلين عراقيين، كما أُدين عدد من موظفي شركة بلاك ووتر بقتل مدنيين في بغداد عام 2014، قبل أن يمنحهم ترمب عفواً رئاسياً عام 2020.
وتابعت غالاغر قائلة: "المقلق هو أننا نرى نفس الأنماط التي شهدناها في العراق: متعاقدون نُشروا بسرعة دون فحص أو تدريب أو إشراف مناسب، ليتعاملوا مع السكان المحليين باعتبارهم أعداء فعليين".
وذكرت شومريم أن مركز CCR كان قد وجّه في يونيو/حزيران الماضي رسالتين إلى مؤسسة GHF، حذّر فيهما من التورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة، وهي انتهاكات قد تعرّض المؤسسة وموظفيها لمسؤوليات جنائية ومدنية بموجب القانون الدولي والقانون الأمريكي.
جريمة التهجير
يرى خبراء قانونيون أن مسؤولية مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) لا تقتصر على المساهمة في سياسة تجويع السكان، بل تمتد أيضاً إلى دورها في التهجير القسري من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، حيث يقع ثلاثة من أصل أربعة مراكز توزيع تابعة لها.
وقال فيليب غرانت، مدير منظمة ترايل إنترناشيونال السويسرية، إنّ القضية قد تتطور إلى محاكمات مدنية في الولايات المتحدة أو حتى إلى قضايا جنائية خارجها، وأضاف: "أعتقد أنه عاجلاً أم آجلاً ستكون هناك محاكمات، سواء في أمريكا أو في أوروبا"، وذلك بحسب ما نقله شومريم.
ويشير خبراء استطلع آراءهم شومريم إلى أن ضحايا فلسطينيين أو عائلاتهم قد يتمكنون من رفع دعاوى في المحاكم الأمريكية ضد الشركات المرتبطة بالمؤسسة أو ضد مديريها، مستفيدين من أن معظم المتعاقدين يحملون الجنسية الأمريكية.
كما لفت هؤلاء إلى أن بعض الجرائم، مثل التهجير القسري، تخضع لمبدأ الولاية القضائية العالمية، ما يفتح الباب أمام محاكمة أمريكيين في دول ثالثة.
وحذّر خبراء قانونيون من أن مسؤولي المؤسسة قد يواجهون خطر الاعتقال إذا سافروا إلى دول أوروبية مثل فرنسا أو ألمانيا أو هولندا.
ونظراً إلى عدم تقادم جرائم الحرب، فإنّ "رئيس المؤسسة، جونّي مور، قد يجد نفسه مهدداً بالاعتقال في أي رحلة مستقبلية"، كما قال أحد الخبراء القانونيين لـشومريم.
المسار السياسي
إلى جانب المسار القانوني، الذي قد يستغرق سنوات طويلة في أروقة المحاكم، يبحث بعض المشرّعين الديمقراطيين عن خطوات أسرع بعد عطلة أغسطس/آب لوقف التمويل الموجَّه إلى مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، بحسب ما كشفه موقع شومريم.
وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب واشنطن في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن المشرعين قد يتجهون إلى تقديم مشروع قانون مستقل يحظر تمويل المؤسسة، أو إدماج الحظر ضمن تشريعات أخرى مثل قانون الميزانية بعد العطلة أو قانون تفويض الدفاع الوطني.
لكنها أوضحت وفق ما نقله شومريم أن ميزان الأصوات في الكونغرس يجعل المضي في أي من هذين المسارين أمراً صعباً.
ورغم أن فرص تمرير مثل هذا الإجراء تبقى محدودة، لكونه يتطلب دعماً من أعضاء الأغلبية الجمهورية، فإن مجرد طرحه قد يشكّل وسيلة ضغط إضافية على المؤسسة.
كما يمكن أن يتيح للديمقراطيين فرصة لكشف بعض الجوانب الغامضة المرتبطة بقصة تأسيس GHF ومصادر تمويلها، التي ما زالت غير معلنة بشفافية كاملة حتى الآن، وفقاً لـشومريم.
وفي السياق ذاته، ذكر تقرير شومريم أن عدداً من الجمهوريين في الكونغرس بدؤوا بتوجيه انتقادات علنية إلى إسرائيل بشأن أفعالها في غزة خلال الأيام الأخيرة. ومن أبرز هؤلاء النائبة عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين، التي وصفت حرب إسرائيل في غزة بأنها تمثل "إبادة".