وهي الانتخابات التي فاز فيها حزب "الرابطة الوطنية للديمقراطية" الذي ترْأسه أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 1991، بغالبية ساحقة في انتخابات 8 نوفمبر 2020 ضد الأحزاب المدعومة من العسكر. عادت البلاد إلى الحكم الشمولي الطويل إذ ظلت خاضعة لدكتاتورية قاسية منذ استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1948.
قبل الانقلاب كان مسلمو الروهينغيا في ولاية راخين يتعرضون لنوع من الإبادة الجماعية ابتداء من عام 2017. تم حرق القرى وتدمير البيوت على أصحابها وحرق الأطفال واغتصاب النساء وقتل الرجال وطرد السكان بشكل شبه كامل دون أن يحرّك المجتمع الدولي ساكناً. مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعاً مغلقاً للتشاور دون أن يصدر عنه أي بيان، ثم عاد وأصدر بياناً بارداً بعد عدة أشهر دعا فيه إلى وقف عمليات التهجير القسري واستهداف المدنيين.
في هذا المقال سنسلّط الضوء على وضع البلاد بعد الانقلاب ووضع المسلمين في البلاد قبل الانقلاب وبعده ونرى كيف خذل المجتمع الدولي الروهينغيا أولاً ثم بقية شعب ميانمار إلى أن وصلت إليه الأمور إلى ما هي عليه اليوم تحت سمع وبصر العالم.
انقلاب فبراير 2021
سيطر الجيش على البلاد في الأول من فبراير 2021 وحل الحكومة المنتخبة ووضع مستشارة الدولة أونغ سا سو تشي، ورئيس البلاد وين مينت، في السجن. أُعلنَت الأحكام العرفية ودخلت البلاد في مرحلة الأحكام العرفية والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان لكل فئات الشعب الرافضة للانقلاب.
أصبحت الغالبية الساحقة من الشعب في ميانمار في مرمى نيران العسكر وطالت المعاناة والإجراءات القاسية المدنيين جميعاً خصوصاً معارضي حكم العسكر الذين نزلوا إلى الشوارع . فحسب تقرير للسيدة ميشيل باشلية، المفوَّضة السامية لحقوق الإنسان، قدّمته لمجلس حقوق الإنسان في مايو/أيار الماضي، فإن غالبية الشعب في ميانمار يعيش الآن في دوامة من الفقر والنزوح وانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات.
فقد قُتل منذ الانقلاب ما لا يقلّ عن 1900 شخص، وفي بعض التقديرات يرتفع عدد القتلى إلى 30000، كما تم تشريد أكثر من مليون نازح داخلي، وسجن ما يقرب من 11000 شخص بشكل غير قانوني. وقد قُدّر عدد الذين عانوا من الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب والقتل والتشريد القسري بنحو 33000 شخص. ولا يزال نحو 14 مليوناً بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية.
وجاء في تقرير قدّمَته نورين هايز، المبعوثة الخاصة للأمين العامّ لميانمار لمجلس الأمن في مايو: "أدّت هذه الأزمة إلى انهيار مؤسسات الدولة، وتعطيل البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك الصحة والتعليم والبنوك، والأمن الغذائي والعمالة مع زيادة الإجرام والأنشطة غير المشروعة. و في أعقاب جائحة كوفيد-19 والأزمة السياسية، انخفض الالتحاق بالمدارس بنسبة تصل إلى 80 في المئة".
مسلمو الروهينغيا
تعرّضَت الأقلية المسلمة للمجازر والطرد منذ عام 2017 إذ هُجّر ما يزيد على 800 ألف إلى بنغلاديش والدول المجاورة وقُتل منهم الآلاف وأُحرقَ أكثر من 230 بلدة مسلمة واغتُصبت آلاف النساء والفتيات. ولكن معاناتهم ليست جديدة، فقد سُنّت قوانين منذ عام 1982 تحرمهم الجنسية وتمنع عنهم حرية الحركة ودخول المدارس والجامعات. لقد وصفت معاملتهم قبل 2017 بأنها أقرب إلى نظام الفصل العنصري، لكن بعد 2017 وُصفت معاملتهم بأنها "إبادة جماعية" كما قال حرفيّاً المفوَّض السامي السابق لحقوق الإنسان رعد بن زيد الحسين، الذي أصدر تقريراً عن مأساة الروهينغيا عام 2018: "إن ما يجري في ولاية راخين يكاد يكون نصّاً حرفيّاً لما يُسمَّى الإبادة الجماعية".
لكن لم يهتمّ أحد وبقيت الأمور تسير من سيّئ إلى أسوأ، إذ أقيمت مخيمات للمهجَّرين في بنغلاديش التي كانت أيضا تشكو من أعباء كبرى ولم تعُد قادرة على تحمُّل المسؤولية وحدها، وكادت تبدأ برنامج إعادة قسرية للاجئين لولا بعض الضغوط التي مارستها حفنة من الدول بالإضافة إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة.
الموقف الدولي
بعد مرور أكثر من عام على الانقلاب اجتمع مجلس الأمن بهذه المناسبة واستمع إلى تقرير من المبعوثة الخاصة للأمين العامّ إلى ميانمار نولين هايزر، حول الأحوال التي تعيشها تلك البلاد تحت حكم العسكر، واصفة الوضع باختصار قائلة: "لقد اشتدّ العنف والوحشية في ميانمار واتسع نطاقهما. كل يوم أسمع روايات مباشرة من الأرض. إن الوضع أصبح غير مستقر على نحو متزايد، مع تكثيف العمليات العسكرية، بما في ذلك الهجمات الجوية والمدفعية الأخيرة، مما يثير مخاوف تتعلق بحماية المدنيين".
بعد ذلك التقرير الصادم أصدر مجلس الأمن في الأول من مايو بياناً صحفياً باهتاً (هو الرابع منذ الانقلاب) بعد أن منع بعض الدول دائمة العضوية صدور قرار أو بيان رئاسي يُدين بكل وضوح الانقلاب، تحت ذريعة "عدم التدخل في شأن داخلي". البيان ناشد قيادة الانقلاب بالعودة إلى الديمقراطية ووقف العنف وإطلاق سراح المعتقَلين والمحتجَزين بمن فيهم مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي والرئيس وين مينت. ثم تَهرَّب أعضاء المجلس من المسؤولية للقيام بأي عمل، وألقوا بالحمل على رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) وطلبوا منهم تيسير التوصل إلى حلّ سلمي لصالح شعب ميانمار، ودعوا العسكر إلى التنفيذ السريع والكامل لمبادرة آسيان وجهود مبعوث الرابطة الكمبودي براك سوخون.
لكن الجديد في ميانمار هو أن المصائب توحّد المضطهدين مع استمرار ممارسات النظام العسكري الوحشية، فقد بدأت المجموعات العرقية العديدة اتباع سياسة مقاومة العسكر والتصميم على إنهاء سطوتهم في البلاد. لقد بدأ مجتمع ميانمار بكامله يعي معنى الظلم والقهر والاضطهاد، فظهر نوع من التعاطف والتفهُّم لمعاناة الروهينغيا. الشعب يدرك أن لا حلّ لمشكلة البلاد إلا بالتحول الديمقراطي لإقامة دولة مدنية تضمّ كل فئات الشعب، بمن فيهم الروهينغيا. ففي ميانمار نحو 135 عرقية. إن ظهور أشكال عديدة من الوحدة بين الجماعات العرقية المقاومة في ميانمار، التي تقاوم النظام العسكري مجتمِعةً، يجعل تحقيق العدالة والدولة المدنية الفيدرالية أقرب إلى الواقع.
لقد بدأ المجتمع الدولي يوسع نطاق تصدّيه لما يجري في ميانمار، فقد فُرضت عقوبات دولية على البلاد وعُلّقت عضوية ميانمار في الجمعية العامة، ثم اتخذت الولايات المتحدة قراراً مهمّاً يوم 20 مارس/آذار 2022 بتصنيف ما جرى لمسلمي الروهينغيا "إبادة جماعية"، مما شجع عديداً من الدول من منظمة التعاون الإسلامي، مثل تركيا وباكستان، على رفع وتيرة محاصرة النظام في نايبيداو وعزله دوليّاً وصولاً إلى نهاية حكم العسكر وعودة الديمقراطية والاستقرار إلى البلاد.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.