نفذت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها كتائب القسام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هجوماً نوعياً واستباقياً على عدة مستوطنات ومواقع عسكرية في غلاف غزة، بضربة صاروخية تجاوزت 5000 صاروخ في أول 20 دقيقة من العملية.
وأدت العملية إلى إعلان الجيش الإسرائيلي حالة الحرب وتنفيذ ضربات جوية مكثفة وقصف جوي وبحري عنيف، وفي 27 من أكتوبر/تشرين الأول بدأت القوات الإسرائيلية عملية برية شاملة وتوغلات في العديد من محاور القتال.
استخدمت المقاومة الفلسطينية في القتال مع الوحدات العسكرية للعدو الإسرائيلي تكتيكات وأساليب قتالية تتمثل بالتدمير الكلي أو الجزئي للآليات العسكرية، والتي تؤدي إلى قتل وإصابة العشرات من الجنود الصهاينة، كما يجري استهداف القوات المتوغلة والاشتباك معهم من مسافات قريبة بالقذائف وأحياناً من المسافة الصفرية باستخدام القذائف المضادة للتحصينات أو ضد الأفراد، وأحياناً يجري استهداف فرق الإنقاذ التابعة لهم من خلال عمليات مُركبة، يجري تفخيخ بعض الأنفاق والمنازل وتفجيرها في جنود الاحتلال.
إضافةً إلى عمليات قنص نوعية احترافية لجنود العدو، يجري دك مقرات القيادة الميدانية للقوات الإسرائيلية بشكل متكرر، وقصف التحشدات العسكرية بقذائف الهاون وخصوصاً العيار الثقيل 120 ملم، والصواريخ قصيرة المدى نوع "رجوم 114" في محاور القتال المختلفة في القطاع.
وكذلك يجري استهداف مدينة تل أبيب وسط الكيان وبعض المدن والتجمعات والمعسكرات والمستوطنات في غلاف غزة برشقات صاروخية مؤثرة، لها مدلولات سياسية وعسكرية مؤثرة.
تكتيكات القسام بعد الهدنة
شهدت تكتيكات عناصر الفصائل المسلحة تحسناً واضحاً، مستفيدة من دروس وعبر مرحلة ما قبل الهدنة، وذلك عبر تحسين تنفيذ العمليات القتالية وتلافي نقاط الضعف، ووفرت الهدنة الإنسانية الوقت للفصائل المسلحة لتنظيم قواتها وإعادة الانتشار، وتحسين مواقعها بإعادة ترميم وتجهيز المواقع الدفاعية الرئيسية، وتعويض النقص بالذخائر وترميم شبكات الأنفاق.
وبناء على دراسة التهديد المحتمل والأكثر خطورة على جميع محاور القتال، وتنفيذ الاستطلاع والمراقبة والاستمرار بجمع المعلومات الاستخبارية عن تحشدات العدو الإسرائيلي، توزيعاته، ونشاطاته وتموضع قواته، جرى إعداد خطط لعمليات الكمائن، وجرّ الجيش الإسرائيلي إلى مناطق تقتيل منتخبة بوضع العبوات بأنواعها المختلفة، البرميلية، والتلفزيونية، والرعدية، وعبوات شواظ.
كما طوّرت حماس والفصائل المسلحة أساليب القتال بعمليات نوعية خلف خطوط الاحتلال، كما هي الحال في منطقة جحر الديك، وجرّ عناصر القوات الإسرائيلية إلى مداخل الأنفاق وتفجيرها وقتل وجرح العديد من الضباط والجنود، استخدام عناصر القناصة بفعالية، بخاصة مع توسيع توغل القوات الإسرائيلية داخل المناطق المبنية.
واستمر عناصر المقاومة بتنفيذ عمليات القتال عبر المجموعات الصغيرة، التي تمكنت من تنفيذ عمليات مركبة باغتت وفاجأت وحدات الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمة واستهداف عناصر وحداته القتالية وإيقاع خسائر جسيمة بها وحال وصول قوات الإنقاذ مفاجأتهم ومهاجمتهم وإيقاع الخسائر بهم.
أظهرت كتائب القسام والفصائل الفلسطينية مهارات فائقة في الحرب الإعلامية والعمليات النفسية، من خلال التوثيق والمصداقية والاتزان وعدم التهويل بنقل الخسائر وبثها بمقاطع مقنعة ومؤثرة للمجتمع الدولي والداخل الإسرائيلي باقتدار.
كما أن حسن معاملة الأسرى الذين جرى الإفراج عنهم أثناء الهدنة الإنسانية عكس صورة حضارية وكفاءة عالية عن فصائل المقاومة في أساليب معاملتهم وحرفيتهم ومهاراتهم في تنفيذ واجباتهم.
وفي هذا الإطار نجحت كتائب القسام والفصائل المسلحة الفلسطينية، بتدمير ما مجموعه 721 دبابة وآلية كلياً أو جزئياً منذ بدء العمليات البرية في 27 أكتوبر/تشرين الأول ولغاية يوم الـ75 من العمليات، وهي الخسائر الأعلى في تاريخ عمليات القتال مع الكيان الصهيوني، تعكس نسبة التدمير مهارة فائقة باستخدام الأسلحة المضادة للدروع وكفاءة ومهارات عالية في التسديد على الأهداف الثابتة والمتحركة من مختلف المسافات ومن المسافة الصفرية.
إلى أين تتجه الحرب؟
تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل لسحق المقاومة الفلسطينية في ظل صمت بعض دول المنطقة، ورغبة أخرى في إنهاء حركة حماس للقضاء على أي امتداد للحركات الإسلامية في الإقليم.
إن ما يرعب إسرائيل، هو الخسائر الكبيرة التي لحقت بقواته العسكرية من الأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى، والتدمير للمعدات والآليات وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الكيان، وتآكل نظرية الردع الإسرائيلية والتأثير على معنويات المجتمع المدني والجيش الإسرائيلي.
وتخطط إسرائيل للانتقال إلى المرحلة التالية من العمليات القتالية الأقل كثافة والأخف حدّة، من أجل تقليل الخسائر لديها وإدامة الضغط والحصار لخنق حركة حماس.
وعلى الأرجح ستشهد المرحلة القادمة استمراراً لأعمال المقاومة بمستوى أخف حدة وصولاً لمرحلة انتقالية، قد تشهد الأحداث منعطفات مهمة وحاسمة بناءً على مقدرة حركة حماس على الصمود مقابل مقدرة إسرائيل على الاستمرار بتحمل الخسائر.
وفي هذا الإطار تخطط إسرائيل لإقامة منطقة أمنية حدودية عازلة تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي على طول غلاف غزة من الجانب الفلسطيني، كما تسعى إسرائيل إلى تجريد المقاومة من أسلحتها، والاستمرار بفرض الحصار على حركة حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة، وإعادة تكليف السلطة الفلسطينية في رام الله بترتيب إدارة شؤون غزة مستقبلاً.
من الصعب التنبؤ بشكل عمليات كتائب القسام والفصائل المسلحة التابعة لها مستقبلاً، وذلك لأن متغيرات بيئة العمليات غير واضحة إلى حد ما، وبخاصة السياسية والعسكرية والأمنية، والأهم هو تطورات الأوضاع الراهنة، والسؤال الأهم من يفشل ومن يربح عسكرياً؟
إذا انتصرت حماس ستعود روح المقاومة والجهاد بقوة وعنفوان جديد وسيجري التحول نحو العمل السري الواسع، بخاصة في الضفة الغربية، لتشكيل خلايا وجماعات مسلحة بالإمكانات المتوفرة للتأثير المستدام والشامل.
أما فيما يتعلق بالقطاع فدون شك وبكل تأكيد فإن المسار سيستمر وستعمل فصائل المقاومة على إعادة بناء بنيتها العسكرية مع البنية التحتية للقطاع، ولكن بشكل أقوى وأدق، مستفيدة من العبر والدروس التي ظهرت خلال عمليات طوفان الأقصى.
أما إذا خسرت حماس فهذا يعني أن مسار المقاومة الفلسطينية قد يشهد مرحلة من الضعف والإحباط وستحتاج إلى عقود لإعادة ترتيب وبناء قدراتها، سيما أن إسرائيل ستنفرد بالضفة الغربية، ومن هنا فإن مستقبل المقاومة الفلسطينية يرتبط مباشرة بنتائج العملية الراهنة.
إن فكرة القضاء على حماس طموحة ومن الصعب تحقيقها على أرض الواقع، وما يجري في غزة هو سعي لتنفيذ بنود صفقة القرن أمام صمت دولي وتخاذل عربي مؤلم للوصول إلى احتلال مؤقت للقطاع.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.