لا يوجد اتفاق واضح على اسم دقيق لكل جيل من أجيال القرنين العشرين والحادي والعشرين، ولا يوجد اتفاق على العام المحدد الذي يبدأ فيه كل جيل وينتهي، ولكن علماء الديموغرافيا يرون أن الجيل "X" يشمل مواليد (1965-1980)، ويتصف هذا الجيل بالموازنة بين أخلاقيات العمل القوية والتصرّف الهادئ، وهم غالبًا اليوم آباء الجيل “Z”، وبعضهم من نوع آباء "الهليكوبتر"! أما جيل"Y" أو جيل الألفية والذي يضم مواليد (1981-1996) فهو بارع بشكل خاص في استخدام منصات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. ونجد أن جيل "Z" - مواليد (1997-2012) جيل بارع جدًا في أمور التكنولوجيا، حيث وُلد خلال فترة نمو رقمي سريع الخطى.
جيل “Z” . . المواطنين الرقميين
إن لجيل "Z” مميزات وخصائهم تظهر بوضوح الاختلافات والفروق التي بين جيلهم والأجيال السابقة. فهو جيل قد شكلته التجارب والخبرات ليكون قلق وحذر ويكره المخاطرة. فأبناء هذا الجيل يُقدرون التعبير الفردي عن الذات لدرجة رفضهم للتصنيفات والتنميط لأنفسهم والآخرين. كما أنهم قلقون بشأن عدم الاستقرار الاقتصادي ومستقبلهم المالي، فقد عاشوا ظروفًا قاسية من حروب وثورات ووباء. ونجدهم متشككون تجاه مصادر المعلومات التقليدية، وتتراجع ثقتهم في الجهات الرسمية والمسؤولين الحكوميين، ويعتمدون على طلاقتهم الرقمية في تكوين آرائهم عبر التنقل بين المصادر المختلفة على الإنترنت.
يميل أبناء جيل "Z" إلى أن يكونوا أكثر خصوصية فيما يتعلق بنشاطهم عبر الإنترنت مقارنة بجيل الألفية. وينتقل كثير منهم مباشرة إلى الوظائف بعد المدرسة الثانوية، ما يجعلهم يدخلون القوى العاملة في وقت أبكر من جيل الألفية، ويمثل استقرارهم الوظيفي والمالي أولوية كبيرة بالنسبة لهم، ولكن لا يقدّر "جيل الألفية" وجيل "Z" فكرة الولاء للشركة التي يعملون بها بشكل كبير، لكنهما يريدان من أصحاب العمل أن يستثمروا فيهم. وفي الوقت الذي يميل فيه جيل الألفية إلى تقدير العمل الجماعي، نجد أن جيل "Z" أكثر استقلالية وتنافسية.
يركن جيل "Z" إلى وسائل التواصل الاجتماعي السريعة والبصرية: إنستجرام - تيك توك - سناب شات - واتساب - يوتيوب. كما أنه يستخدم التكنولوجيا بشكل رئيسي ليصنع ويشارك في المحتوى. ويجد أبناء هذا الجيل طرقًا إبداعية لتثقيف أنفسهم وتحسين حياتهم، ويكرهون النفاق بشدة، ويهتمون برؤية الدليل قبل قبول الشيء. كما يركزون على العلاقات والقبول وهذا يعني أنهم قد يتركون عاطفتهم تطغى على أخلاقهم، ويميل جزء منهم إلى رؤية الحقيقة والأخلاق على أنها أمر نسبي.
تعامل الأباء و الأمهات مع الجيل "Z"؟
على الآباء والأمهات تقبّل أبناء جيل"Z" كما هم، مع الاستيعاب بأنهم منفتحين بطبيعتهم، وعليهم التعاطف معهم وتفهم حقيقة دوافعهم. وأن يقوموا بطرد المخاوف التي لديهم من الواقع أو القلق من المستقبل، وأن يربطوا في ذهنهم الأمان بما يمتلكونه من رزق وصحة وعافية في أيديهم، وهذا لا ينفي الجد والعمل للغد. ومن المناسب التحدّث معهم عما يشغلهم نفسيًا وعاطفيًا وألا تُهمل مشاعرهم أو يقلل منها، مع التعبّير لهم عن الحب والتقدير، حتى وإن لم يتم التوافق مع بعض تصرفاتهم أو أفعالهم.
ومن الضروري أن يحاول الآباء بكل السبل تزويدهم بالمهارات الاجتماعية وأساليب وفنون التعامل مع الناس (الكبار - الصغار - الجيران - الأساتذة - …). وحري بالقول أن يكون الأب نموذجًا وقدوة لهم، لأنهم لن يقتنعوا إلا بمثال عملي واقعي، هذا النموذج الملهم هو ما سيبقى معهم وسيؤثر فيهم أبلغ الأثر، ويجعلهم أكثر صمودًا في مواجهة تقلبات الحياة.
ومن المهم جعل هذا الجيل واعي بالآثار السلبية للتكنولوجيا، وتقديم النصح لهم بتجربة الاحتجاب الإلكتروني، والخروج معهم في رحلة أو نزهة أو تخييم بدون هاتف أو إنترنت، مع تعليمهم كيفية بناء وتطوير العلاقات بعيدًا عن الإنترنت.
لا تكن من الآباء الهليكوبتر
الأبوة والأمومة المفرطة والتي يُشار لها باسم "آباء الهليكوبتر" هي أسلوب للتربية يتضمن قيام أحد الوالدين أو كلاهما بالحماية المفرطة أو الاهتمام المفرط بحياة الطفل، حيث يبقى الأب أو الأم تحوم حول طفلها كمروحية هليكوبتر، والعمل على حمايته ومراقبته والتدخل في حياته وشؤونه منذ الطفولة وحتى بعد المراهقة.
كثير من الأمهات والآباء من جيل "X " من مواليد (1965-1980) هم من "الآباء الهليكوبتر"، ويعتقد البعض أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو خوفهم على سلامة أطفالهم والرغبة في حمايتهم والمحافظة على رفاهيتهم، وأيًا كان السبب فهم فعليًا يُشاركون بشكل كبير في حياة أطفالهم، وهذا إن تم بطريقة غير مناسبة قد يتحول لمشكلة كبيرة خاصة مع هذا الجيل الجديد "Z".
إن أغلب آباء الجيل "Z" من مواليد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مما يعني أنه نشأ خلال عصر التكنولوجيا، ضمن الجيل الأول الذي بدأ يتعامل مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة من بدايتها، ولذا فلديهم فعليًا القدرة على التكيف مع التكنولوجيات الجديدة.
لذا فإن على الآباء والأمهات التحلي بالمرونة والوعي بالتغيرات التي تحدث ما بين الأجيال. سيكون من الضروري التكيف مع التغييرات بسرعة ووعي لكي تجعلهم يأثروا بسهولة في أبنائهم، المهم هنا أن القيام ببناء علاقة ثقة ومساحة للأمان بين مختلف الأجيال.
نعم، ربما بدأ الأطفال مرحلة رياض الأطفال وهم يحملون هواتف ذكية بأيديهم، ولكن مهما كانت التغيّرات فالآباء والأمهات بستطيعون الانسجام معها وفهم أبعادها، وبالتالي قد يكون عليهم التخلي عن النظرة التقليدية لما عايشوه في مرحلة الطفولة الخاصة بهم، والتي بكل تأكيد كانت مختلفة تمامًا عن واقعنا اليوم.
هنالك بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند التعامل مع جيل "Z"، قد لا يستطيع الأب الوصول لهم عبر الهاتف، فيحبذ إرسال رسالة قصيرة مكتوبة عبر الواتساب أو الماسنجر، وتكون ودودة ومفتوحة للنقاش والتفاعل، وليست رسالة رسمية مغلقة! والمراعاة دوما عدم تسبب الحرج لهم في مساحاتهم الاجتماعية سواءً الواقعية أو الافتراضية، بل يجب منحهم الحب والتقدير والثناء على كل حسن يفعلونه، مع منحهم المكافآت والامتيازات كتعزيزات إيجابية.
أبناء جيل "Z" صاروا آباء .
هناك تطور آخر، فجيل "Z" نفسه بدأ يتحول إلى جيل آباء وأمهات، فمثلًا من المؤكد أن هناك من المولودين في عام 1998 ممن أعمارهم اليوم 23 عامًا قد تخرّجوا في الجامعة ودخلوا سوق العمل وتزوّجوا وأنجبوا أطفالًا، فقد بدأ يتحوّل هذا الجيل الفريد إلى جيل آباء، وهذا يتطلب منا أن ندعمهم بقوة أثناء توليهم مسؤولياتهم الأسرية والاجتماعية والمهنية مع بداية مرحلتهم العمرية الجديدة.
ختاما، فإن جيل "Z" ليسوا آلات ولا أجهزة كمبيوتر، بل هم بشر مثل كل البشر، فمهما كان هناك خصائص مختلفة أو ظروف مغايرة لأبناء هذا الجيل، إلا أنهم لحم ودم وروح يحتاجون الحب والمودة والرحمة والاحتواء، ولذلك فهم يستحقون منا القبول والمساعدة والدعم والتوجيه والإرشاد والاهتمام.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.