الهند أم بهارات.. ازدواجيّة الاسم في التاريخ والسياسة
إذا كان اسم "بهارات" مرتبطاً ذاك الارتباط التاريخي والروحي الوثيق بالهند وثقافتها، إلا أنّه غائب سياسياً مقارنةً باسم "الهند"، الاسم الحاضر سياسياً وثقافياً منذ مئات السنين، والمتعارف عليه دولياً.
India Kashmir Modis India / صورة: AP (AP)

ليس تصرّفاً غريباً على الحكومة الهنديّة الحاليّة الاتجاه نحو تغيير اسم "الهند" إلى "بهارات"، فلم يكد يمرّ عام من فترات حكمها إلا وغيّرت أسماء طرق وشوارع في المدن الهندية الكبرى، معتبرةً الأسماء القديمة "مرتبطةً بالماضي الاستعماري"، و"تعود إلى مرحلة الاحتلال البريطاني الذي استمر قرابة مئتي عام في الهند".

الجديد حالياً هو الاتجاه نحو تغيير اسم البلاد كليّاً، وهو بالتأكيد ما يتجاوز أثره اللغوي ويبدو حدثاً سياسياً، فهو على الأقل قد يحتاج إلى تعديل دستوري، إذا كان ما تقصده الحكومة الهنديّة من تلك الحملة هو إلغاء تسمية "الهند" تماماً، مع استمرار إظهار كرهها للتسمية، وعدّها أيضاً "تسمية عبوديّة"، مرتبطة بتاريخ التبعيّة للإمبراطورية البريطانية.

بهارات -الاسم الذي بدأت الحكومة الهندية استخدامه رسميّاً- وارد جنباً إلى جنب مع اسم الهند في الدستور الهندي، فهي "الهند" أو "بهارات"، بمعنى أنّ التسمية لا وجود لخلاف شعبي ورسميّ عليها، بل إنّها اسم مستخدم في كثير من المؤسسات الهنديّة الرسميّة.

ويرى محللون أنّ القضية اليوم هي قضيّة تغيير شامل، يحمل خلفه -وفق تحالف القوى المعارضة الهنديّة- تبعات سياسيّة، فاسم "الهند" يرتبط عضوياً بالتحالف المعارض، فيما اسم بهارات مرتبط بالحزب اليميني الحاكم "BJP" (بهاراتيا جانتا بارتي).

وإسقاط اسم "الهند" رسميّاً -إن حصل- سيعمّق الفجوة بين القوى السياسية، ورمزيّاً ترتبط المعارضة باسم "الهند"، الاسم الذي سيُجتَثّ كلياً من المؤسسات الرسميّة في البلاد، ومن الثقافة بشكل عام عندما يلحق شطب الاسم سياسياً، شطبه من التعاملات الرسميّة والمناهج والخرائط كافة، وبالتالي وصولاً لشطبه من الثقافة، إن صحّ ما يدور الحديث عنه من توجه رسمّي لذلك.

لماذا بهارات؟

يُجمع المؤرخون ويختلف اللغويون حول كلمة "بهارات" ودلالاتها وجذورها، ويقع الإجماع في انتماء الكلمة إلى النصوص الهندوسية بالسنسكريتية القديمة، إذ ورد الاسم في واحد من "البورانا"، وهي نصوص أدبية روحيّة تاريخية يُفترَض أنّها مكتوبة في الألف الأول قبل الميلاد، وتحديداً في "فشنو بورانا"، فيما الخلاف يبدو حول دلالات الكلمة وفق سياقات تفسيرها، فلها الدلالة الروحية التي ترتبط بالضوء والنور، أو الشخصية المستنيرة، ولها الإشارة العرقيّة المرتبطة بقبائل سكنت الهند.

ولها أيضاً المعاني الجغرافية المرتبط بشبه القارة الهنديّة ككل، بمعنى أنّها تشمل ثقافياً ما هو أوسع من خريطة الهند السياسيّة الحالية، وهو أيضاً ما قد يأخذ بُعداً سياسياً في المستقبل، لا سيّما بالنسبة للدول الجارة التي تعاني مشكلات سياسية، ونزاعات حدودية مع الهند، كباكستان مثلاً.

لم يغِب اسم "بهارات" تاريخياً عن الهند، بل هو حاضر في أدبياتها وثقافتها حتى الوقت الحالي، كما هو حاضر في تعامل بلدان أخرى معها.

ويمكن القول في هذا السياق، إنّ ارتباط اسم التوابل بالبهارات باللغة العربية، له جذور مرتبطة بالتجارة القديمة بين العرب والهند، والتي كانت التوابل في مقدّمة بضائعها، التي نقلها العرب من الهند وتاجروا بها.

الهند.. الاسم الحاضر

إذا كان اسم "بهارات" مرتبطاً ذاك الارتباط التاريخي والروحي الوثيق بالهند وثقافتها، إلا أنّه غائب سياسياً مقارنةً باسم "الهند"، الاسم الحاضر سياسياً وثقافياً منذ مئات السنين، والمتعارف عليه دولياً.

اسم "الهند" مرتبط باسم نهر سيندو "السند"، حيث أُطلق اللفظ على الأراضي الواقعة وراء النهر، وتُرجمت الكلمة إلى اليونانية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، ووردت باسم الهند فيما بعد في مختلف اللغات، ويبدو أنّ تسمية الهند تخضع لتفسيرات تاريخية متقاربة، لكنّ جميعها تؤكد استخدام الاسم قبل الاحتلال البريطاني لها بقرون.

وعلى اعتبار أنّ تسمية الهند، هي التسمية الشائعة دولياً، وهي التسمية الرسمية للبلاد خارج حدودها، وجدت الحكومة الهنديّة في التخاطب الدولي الرسمي الذي أجرته لعقد قمة العشرين، أول فرصة لإثارة قضية الاسم خارج حدود الهند، فرصة تتمثّل في مناسبة عالميّة ضخمة كقمّة العشرين، حيث كُتب اسم الرئيسة الهندية الحالية دروبادي مورمو، باسم "رئيسة بهارات" بدلاً من "رئيسة الهند" في بطاقات الدعوة المرسلة إلى البلدان المشاركة في القمة.

كانت تلك أوّل رسالة ترسَل إلى الخارج حول تغيير قادم يستوجب من دول العالم تبديل الاسم المتعارف عليه في التخاطب الرسمي، ليس من الشعب الهندي فقط، بمعنى أنّ القادم هو خطوة تغيير كبرى، بمثابة حدث سياسي، يحمل آثاراً داخلية وخارجية، وهو ما استثار المعارضة الهندية بشدّة.

ماذا يعني التغيير؟

التحالف الوطني التنموي الهندي المعارض، وجد في توجّهات حكومة ناريندرا مودي نحو تغيير اسم البلاد خطأً كبيراً، ووصف هذا التوجّه بأنّه "أحمق"، وفق شاشي ثرور، النائب عن حزب المؤتمر الوطني، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، إذ يمتلك قاعدة شعبية كبيرة، كونه قاد الهند في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ونشر ثرور صورة بطاقة الدعوة الرسمية الهنديّة لقمة الدول العشرين وعلّق عليها بالقول: "يتعين علينا أن نستمر في استخدام الكلمتين بدلاً من التخلي عن مطالبتنا باسم يفوح منه عطر التاريخ، وهو الاسم المعترف به في جميع أنحاء العالم"، قاصداً اسم الهند، مستبعداً -كما كل أطياف المعارضة- ربط الاسم بالاستعمار الخارجي، إنما ربطه بالتراث الوطني، وما يحمله من معانٍ ثقافية وجغرافية وسياسية.

بدا أنّ المعارضة الهنديّة تصنّف هذا التصرّف ضمن سلوكيات كثيرة تصفها بالعنصرية والتمييزيّة، سلوكيات مارستها الحكومة الهنديّة على مستويات متعددة؛ كتعديل قانون المواطنة الصادر عام 2019، الذي وُصف بـ"التمييزي"؛ لأنّه منع انطباق شروط التعديل على المسلمين، فيما شمل به الهندوس والسيخ والبوذيين وطوائف أخرى.

ويرى منتقدو قضية تغيير اسم الهند، أنّ ما تقوم به الحكومة الحالية يتضمّن بوضوح محاولة لعزل المعارضة بطريقة ما، وفصل اسمها عن اسم البلد، إذ جاء التوجّه بعدما كان اسم "الهند" عنواناً جامعاً لمختلف الأحزاب السياسية المعارضة التي يتخوّف الحزب الحاكم من هزيمة أمامها في الانتخابات التي من المفترض أن تجري في صيف 2024، خصوصاً بعد فضائح الفساد التي طالت الحكومة الحالية، والتي كان آخرها وأهمها قضية مجموعة شركات "أداني" المتورطة في أكبر عمليات الفساد في الهند، إذ يملكها الملياردير الهندي المعروف غوتام أداني، وهو الصديق المقرب لرئيس الوزراء الهندي.

ليس تصرّفاً غريباً على الحكومة الهنديّة الحاليّة الاتجاه نحو تغيير اسم "الهند" إلى "بهارات"، فلم يكد يمرّ عام من فترات حكمها إلا وغيّرت أسماء طرق وشوارع في المدن الهندية الكبرى، معتبرةً الأسماء القديمة "مرتبطةً بالماضي الاستعماري"، و"تعود إلى مرحلة الاحتلال البريطاني الذي استمر قرابة مئتي عام في الهند".

الجديد حالياً هو الاتجاه نحو تغيير اسم البلاد كليّاً، وهو بالتأكيد ما يتجاوز أثره اللغوي ويبدو حدثاً سياسياً، فهو على الأقل قد يحتاج إلى تعديل دستوري، إذا كان ما تقصده الحكومة الهنديّة من تلك الحملة هو إلغاء تسمية "الهند" تماماً، مع استمرار إظهار كرهها للتسمية، وعدّها أيضاً "تسمية عبوديّة"، مرتبطة بتاريخ التبعيّة للإمبراطورية البريطانية.

بهارات -الاسم الذي بدأت الحكومة الهندية استخدامه رسميّاً- وارد جنباً إلى جنب مع اسم الهند في الدستور الهندي، فهي "الهند" أو "بهارات"، بمعنى أنّ التسمية لا وجود لخلاف شعبي ورسميّ عليها، بل إنّها اسم مستخدم في كثير من المؤسسات الهنديّة الرسميّة.

ويرى محللون أنّ القضية اليوم هي قضيّة تغيير شامل، يحمل خلفه -وفق تحالف القوى المعارضة الهنديّة- تبعات سياسيّة، فاسم "الهند" يرتبط عضوياً بالتحالف المعارض، فيما اسم بهارات مرتبط بالحزب اليميني الحاكم "BJP" (بهاراتيا جانتا بارتي).

وإسقاط اسم "الهند" رسميّاً -إن حصل- سيعمّق الفجوة بين القوى السياسية، ورمزيّاً ترتبط المعارضة باسم "الهند"، الاسم الذي سيُجتَثّ كلياً من المؤسسات الرسميّة في البلاد، ومن الثقافة بشكل عام عندما يلحق شطب الاسم سياسياً، شطبه من التعاملات الرسميّة والمناهج والخرائط كافة، وبالتالي وصولاً لشطبه من الثقافة، إن صحّ ما يدور الحديث عنه من توجه رسمّي لذلك.

لماذا بهارات؟

يُجمع المؤرخون ويختلف اللغويون حول كلمة "بهارات" ودلالاتها وجذورها، ويقع الإجماع في انتماء الكلمة إلى النصوص الهندوسية بالسنسكريتية القديمة، إذ ورد الاسم في واحد من "البورانا"، وهي نصوص أدبية روحيّة تاريخية يُفترَض أنّها مكتوبة في الألف الأول قبل الميلاد، وتحديداً في "فشنو بورانا"، فيما الخلاف يبدو حول دلالات الكلمة وفق سياقات تفسيرها، فلها الدلالة الروحية التي ترتبط بالضوء والنور، أو الشخصية المستنيرة، ولها الإشارة العرقيّة المرتبطة بقبائل سكنت الهند.

ولها أيضاً المعاني الجغرافية المرتبط بشبه القارة الهنديّة ككل، بمعنى أنّها تشمل ثقافياً ما هو أوسع من خريطة الهند السياسيّة الحالية، وهو أيضاً ما قد يأخذ بُعداً سياسياً في المستقبل، لا سيّما بالنسبة للدول الجارة التي تعاني مشكلات سياسية، ونزاعات حدودية مع الهند، كباكستان مثلاً.

لم يغِب اسم "بهارات" تاريخياً عن الهند، بل هو حاضر في أدبياتها وثقافتها حتى الوقت الحالي، كما هو حاضر في تعامل بلدان أخرى معها.

ويمكن القول في هذا السياق، إنّ ارتباط اسم التوابل بالبهارات باللغة العربية، له جذور مرتبطة بالتجارة القديمة بين العرب والهند، والتي كانت التوابل في مقدّمة بضائعها، التي نقلها العرب من الهند وتاجروا بها. الهند.. الاسم الحاضر

إذا كان اسم "بهارات" مرتبطاً ذاك الارتباط التاريخي والروحي الوثيق بالهند وثقافتها، إلا أنّه غائب سياسياً مقارنةً باسم "الهند"، الاسم الحاضر سياسياً وثقافياً منذ مئات السنين، والمتعارف عليه دولياً.

اسم "الهند" مرتبط باسم نهر سيندو "السند"، حيث أُطلق اللفظ على الأراضي الواقعة وراء النهر، وتُرجمت الكلمة إلى اليونانية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، ووردت باسم الهند فيما بعد في مختلف اللغات، ويبدو أنّ تسمية الهند تخضع لتفسيرات تاريخية متقاربة، لكنّ جميعها تؤكد استخدام الاسم قبل الاحتلال البريطاني لها بقرون.

وعلى اعتبار أنّ تسمية الهند، هي التسمية الشائعة دولياً، وهي التسمية الرسمية للبلاد خارج حدودها، وجدت الحكومة الهنديّة في التخاطب الدولي الرسمي الذي أجرته لعقد قمة العشرين، أول فرصة لإثارة قضية الاسم خارج حدود الهند، فرصة تتمثّل في مناسبة عالميّة ضخمة كقمّة العشرين، حيث كُتب اسم الرئيسة الهندية الحالية دروبادي مورمو، باسم "رئيسة بهارات" بدلاً من "رئيسة الهند" في بطاقات الدعوة المرسلة إلى البلدان المشاركة في القمة.

كانت تلك أوّل رسالة ترسَل إلى الخارج حول تغيير قادم يستوجب من دول العالم تبديل الاسم المتعارف عليه في التخاطب الرسمي، ليس من الشعب الهندي فقط، بمعنى أنّ القادم هو خطوة تغيير كبرى، بمثابة حدث سياسي، يحمل آثاراً داخلية وخارجية، وهو ما استثار المعارضة الهندية بشدّة.

ماذا يعني التغيير؟

التحالف الوطني التنموي الهندي المعارض، وجد في توجّهات حكومة ناريندرا مودي نحو تغيير اسم البلاد خطأً كبيراً، ووصف هذا التوجّه بأنّه "أحمق"، وفق شاشي ثرور، النائب عن حزب المؤتمر الوطني، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، إذ يمتلك قاعدة شعبية كبيرة، كونه قاد الهند في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ونشر ثرور صورة بطاقة الدعوة الرسمية الهنديّة لقمة الدول العشرين وعلّق عليها بالقول: "يتعين علينا أن نستمر في استخدام الكلمتين بدلاً من التخلي عن مطالبتنا باسم يفوح منه عطر التاريخ، وهو الاسم المعترف به في جميع أنحاء العالم"، قاصداً اسم الهند، مستبعداً -كما كل أطياف المعارضة- ربط الاسم بالاستعمار الخارجي، إنما ربطه بالتراث الوطني، وما يحمله من معانٍ ثقافية وجغرافية وسياسية.

بدا أنّ المعارضة الهنديّة تصنّف هذا التصرّف ضمن سلوكيات كثيرة تصفها بالعنصرية والتمييزيّة، سلوكيات مارستها الحكومة الهنديّة على مستويات متعددة؛ كتعديل قانون المواطنة الصادر عام 2019، الذي وُصف بـ"التمييزي"؛ لأنّه منع انطباق شروط التعديل على المسلمين، فيما شمل به الهندوس والسيخ والبوذيين وطوائف أخرى.

ويرى منتقدو قضية تغيير اسم الهند، أنّ ما تقوم به الحكومة الحالية يتضمّن بوضوح محاولة لعزل المعارضة بطريقة ما، وفصل اسمها عن اسم البلد، إذ جاء التوجّه بعدما كان اسم "الهند" عنواناً جامعاً لمختلف الأحزاب السياسية المعارضة التي يتخوّف الحزب الحاكم من هزيمة أمامها في الانتخابات التي من المفترض أن تجري في صيف 2024، خصوصاً بعد فضائح الفساد التي طالت الحكومة الحالية، والتي كان آخرها وأهمها قضية مجموعة شركات "أداني" المتورطة في أكبر عمليات الفساد في الهند، إذ يملكها الملياردير الهندي المعروف غوتام أداني، وهو الصديق المقرب لرئيس الوزراء الهندي.

وهناك عشرات الأمثلة في التاريخ لدول غيّرت أسمائها لأسباب أغلبها سياسية، بعضها ما زال حتى الوقت الراهن يعاني مشكلة ازدواج التسمية؛ ميانمار مثلاً التي ألغت اسم بورما سنة 1989 بعد انقلاب عسكري، ما زال الاسم القديم حتى وقتنا هذا مستخدماً من دول عدّة رفضت الاعتراف بالاسم الجديد؛ لأسباب سياسية متعلقة بربط تغيير الاسم بممارسات ديكتاتورية منافية للديمقراطية والمدنيّة، وفق الدول الرافضة للاعتراف بالاسم الجديد.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي