لتكون استكمالاً لمسار المباحثات بين زعامات الدول العربية الثلاث، والذي ابتدأ منذ أواخر عهد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، ثم ليستكمل في لقاءات بين العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، ثم لقاء عمّان في أغسطس/آب 2020. والذي أطلق فيه رئيس الوزراء العراقي تسمية "الشام الجديد" على المباحثات بين الدول الثلاث، كمقدمة لتحالف إقليمي بهذا الاسم.
قمّة الأحد (27 يونيو/حزيران الجاري) مرّت على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية من دون صخب، ولم تثر أي سجالات، كالتي رافقت مثلاً زيارات سابقة لمسؤولين دوليين أو عرب، وعلّق البعض عليها باعتبارها "حدثاً إعلامياً باهتاً"، ربما لجهة التصريحات العمومية التي صدرت عن أروقة هذه القمّة السريعة بين الزعماء الثلاث.
ورحّب الكاظمي بالزعماء الضيوف بتغريدة على حسابه على تويتر قال فيها: "بغداد السلام والعروبة تستقبل اليوم بكل ود وترحيب ضيفيها الكريمين، أخي الملك عبد الله الثاني وأخي الرئيس عبد الفتاح السيسي، لعقد القمة العراقية الأردنية المصرية. مرحباً بكم في عراقكم، ومعاً نؤسس لمستقبل يليق بشعوبنا وفق منطق التعاون والتكامل، بين الجيران والأشقاء والأصدقاء".
التركيز على الاقتصاد والطاقة في هذا الحلف الإقليمي الجديد هو ما ظل يتردّد على لسان المسؤولين العراقيين، وكان الكاظمي قد أعلن في سبتمبر/أيلول 2020 عن عقد اتفاقيات بين العراق والأردن ومصر يقدّم المصالح الاقتصادية على السياسة، بما يشبه صيغة التعاون الموجودة في الاتحاد الأوروبي.
وفي البحث عن نوع التعاون الاقتصادي سنرى أن المعلن منه تصدير النفط العراقي بأسعار تفضيلية، عبر أنبوب نفطي يمتد من حقول النفط العراقية وعبر صحراء الأنبار المحاذية للأردن وحتى ميناء العقبة الأردني، ومنه إلى سيناء المصرية. في مقابل ربط العراق مع شبكة الطاقة الكهربائية الأردنية والمصرية.
هذا الأنبوب في حال تنفيذه سيوفر بديلاً لمسارات تصدير النفط العراقي من منطقة الخليج التي يهيمن عليها توتر دائم بين إيران ودول الخليج العربي. كما أن الحديث عن توفير مصادر جديدة للطاقة الكهربائية تأتي من التحالف مع الأردن ومصر قد يخفف قليلاً الضغط القادم من أمريكا تجاه العراق، لاعتماده الشديد على استيراد الطاقة الكهربائية من إيران، والحصول منها على الوقود الكافي لتشغيل محطات التوليد الكهربائية العراقية، وفق إعفاءات أمريكية للعراق من العقوبات المفروضة على إيران، وهي إعفاءات تجدّد كل ثلاثة أشهر، ومن الممكن أن توقفها الإدارة الأمريكية في أية لحظة. ما يجعل منظومة الطاقة الكهربائية في العراق تنهار تماماً.
هناك على ما يبدو تفهّم بين الزعماء السياسيين العراقيين، بغض النظر عن قربهم أو ابتعادهم عن إيران، للحاجة إلى توفير مصادر بديلة عن إيران، في حال قرّرت أمريكا شنّ حرب، أو تشديد العقوبات الاقتصادية عليها أكثر. الأمر الذي سيؤثر على العراق بشدّة بسبب ارتباطه العميق مع منظومة إيران الاقتصادية من نواحٍ عديدة.
مشروع التحالف الإقليمي الجديد ربما كان بديلاً عن تفاهمات كانت قد أعلنت عنها دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية، لتوفير بدائل للطاقة الكهربائية المستوردة من إيران، قبل أكثر من سنة، وأثارت وقتها زوبعة من المواقف الرافضة بين جمهور وقيادات التيارات السياسية الموالية لإيران في العراق، كما قوبلت مشاريع استثمارية زراعية سعودية مقترحة في صحراء السماوة، بالرفض الشديد أيضاً، واتهامها بأنها تستهدف استنزاف موارد المياه الجوفية العراقية.
بالمجمل فإن محاولة موازنة النفوذ الإيراني في العراق من خلال الانفتاح على السعودية ودول الخليج الأخرى جوبهت بمواقف ممانعة من مؤيدي إيران وحلفائها العراقيين، ولكن وجود شريك "عربي" غير داخل بمساجلات إعلامية وسياسية علنية مع إيران (كما هو الحال مع الأردن ومصر)، ربما لا يمثل عقبة كبيرة. وينفّس شيئاً من الأزمات الداخلية في العراق، وهي أزمات تلاحق الجميع، حلفاء إيران ومعارضيها على حدّ سواء.
فمن دون انفراجة اقتصادية قد توفّر فرص عمل للآلاف من الشباب العاطلين في العراق، وكذلك تحسين واقع الخدمات، وأهمها الطاقة الكهربائية، فإن موجات الاحتجاج المشابهة لاحتجاجات تشرين 2019 ستبقى شبحاً يلاحق الطبقة السياسية برمّتها.
من جانب آخر، يبدو الاسم الغامض للتحالف الاقتصادي الجديد "الشام الجديد" وكأنه يفترض بديلاً عن "شام قديم" بما يحيل إلى سوريا بشكل واضح. ولكن جملة من الإشارات تعطينا دلالات معاكسة، فالقادة الثلاثة في بغداد وفي البيان المشترك الذي صدر عن قمتهم، أشاروا بوضوح إلى دعم الاستقرار السياسي في سوريا ومحاربة الإرهاب.
كما أن البحث في أصول مشروع "الشام الجديد" يعطينا إشارة إلى أنه مشروع قدّم من البنك الدولي في مارس/آذار 2014، وكان يشمل بالإضافة إلى الدول الثلاث الجمهورية العربية السورية بالفعل، بالإضافة إلى دول مثل تركيا ولبنان والأراضي الفلسطينية.
يمكننا أيضاً الاستفادة من مواقف الداعم الأكبر لتحالف العراق مع الأردن ومصر، ألا وهو الزعيم العراقي مقتدى الصدر، الذي أوضح قيادات التيار الصدري التابعون له عبر اللقاءات والتصريحات التلفزيونية أهمية هذه القمة العربية في بغداد، وضرورة انفتاح العراق على محيطه العربي وأن يدخل في شراكات اقتصادية حقيقية مع دول الجوار العربي من دون أن يكون ذلك بالضرورة بالضد من مصالح إيران في العراق. ولكن يجب أن ينهي العراق عزلته الإقليمية والدولية، وينوع مصادره الاقتصادية.
مقتدى الصدر نفسه هنأ الرئيس السوري بشّار الأسد بفوزه بالانتخابات في 29 مايو/أيار الماضي، بما يشير إلى ترحيب واضح بإعادة تأهيل نظام بشّار الأسد عراقياً وربما عربياً، وهذا ما تبينه الإشارات المختلفة، بما يجعل سوريا هي الحليف الرابع المتوقع في المستقبل داخل تحالف "الشام الجديد".
لم تصدر هذه المرّة مواقف رافضة لمخرجات هذه القمة الثلاثية ببغداد من قبل زعامات سياسية مقرّبة من إيران كان لها حول لقاءات البحر الميّت في الأردن مواقف اتهامية، بأن هذا التحالف يهدف إلى التطبيع مع إسرائيل. فكلتا الدولتين "الأردن ومصر" مطبعتان، ويراد الآن سحب العراق من التحالف مع إيران باتجاه تحالف غير مباشر مع إسرائيل.
رغم ذلك فإن بعض الشخصيات المحسوبة على كتلة الفتح البرلمانية، الحليفة مع إيران، أبدت عبر لقاءات تلفزيونية تحفّظها على أي تحالف مع دول عربية تهدف إلى سحبه إلى مسار التطبيع مع إسرائيل. كما سخر بعض المعلقين من هذا المحور من أي مساعدات تقنية وفنية يقدمها الأردن ومصر لمساعدة العراق في إعادة الإعمار، قياساً بما يمكن أن تقدمه دولة عظمى مثل الصين، كان يمكن للعراق أن ينشئ معها تحالفاً اقتصادياً واسعاً مقابل النفط.
كما أن الحديث عن التمهيد لإعادة تأهيل نظام بشّار الأسد عربياً، هو يعني بعبارة أخرى سحب سوريا من المحور الإيراني. وبهذا كلّه سنرى أن شبح إيران يخيّم على لقاء القمة الثلاثية ببغداد حتى وإن لم يذكرها أحد الزعماء بالاسم.
إن ما يجعل هذا التحالف جديّاً هو الحاجة الفعلية لأطرافه الثلاثة إلى ما يوفره من فوائد اقتصادية. ولكن استمراره أو تمتينه وتوسيعه مرتبط بشكل أساسي بما تحمله الأشهر القادمة من أحداث في المشهد السياسي العراقي المحتقن وغير المستقر، وهو ما تتضح صورته بعد الانتخابات البرلمانية في العراق في أكتوبر/تشرين الأول القادم، فإما أن تعزّز الحكومة القادمة من رؤية التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية، أو نرى حكومة أكثر ميلاً إلى المحور الإيراني، بما يجعل أي اتفاقات اقتصادية مع الدول العربية أمراً غير مهم ولا يحظى بالأولوية.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.