تحلّ هذه الأيام الذكرى 60 لإعدام عدنان مندريس، أول رئيس وزراء تركي منتخب، في 17 سبتمبر/أيلول 1961، بعد محاكمته عسكرياً محاكمة صورية عُقِدت عقب عزله من منصبه على أيدي ضباط في الجيش، في أول انقلاب عسكري تشهده الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923.
مَن عدنان مندريس؟
عدنان مندريس هو سياسي تركي بارز وُلِد عام 1899 في ولاية أضنة لعائلة ميسورة الحال، والتحق بالمعهد الأمريكي في إزمير ثم جامعة أنقرة التي حصل منها على شهادة في الحقوق. وكان مندريس منذ بداية ثلاثينيات القرن الماضي، عضواً في حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وأصبح لاحقاً نائباً في البرلمان عن الحزب.
وبعد إلغاء نظام الحزب الواحد عام 1945، قرر مندريس مع 3 نواب آخرين الانفصال عن حزب الشعب وتأسيس "الحزب الديمقراطي" الذي استطاع الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات عام 1950، وأصبح مندريس حينها رئيس الوزراء في أول سابقة ليتولي شخص من خارج حزب الشعب الجمهوري هذا المنصب.
وتميّزت الفترة التي تولى فيها مندريس رئاسة الوزراء، بجنوح نحو السياسات الليبرالية الاقتصادية وانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلاً عن تخفيف حدة بعض الإجراءات التي رآها البعض مغالاة علمانية، مثل إلغاء حظر رفع الأذان باللغة العربية وإعادة مادة التربية الدينية إلى المناهج الدراسية.
انقلاب 1960
في خضم فترة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية شهدتها تركيا في نهاية الخمسينيات، استغلت مجموعة من ضباط الجيش يُقدّر عددهم بـ38 ضابطاً وجنرالاً، الظروف التي تعيشها البلاد وانقضّوا على السلطة، معلنين بيان الانقلاب في 27 مايو/أيار 1960.
وفي الساعة الرابعة من صباح اليوم المذكور، أعلن العقيد ألب أرسلان توركيش عبر الإذاعة للشعب التركي، عن تولي القوات المسلحة التركية أمور البلاد، وفي نفس اليوم أُلقي القبض على مندريس، ووُضع في وقت لاحق مع عدد من أعضاء حزبه في سجن "ياسي أضه".
وبالإضافة إلى مندريس، أُلقي القبض رئيس الجمهورية محمود جلال بيار وعدد من الوزراء، واقتيدوا إلى أنقرة، وبعدها سُجنوا في جزيرة "ياسّي أدا" في بحر مرمرة، لتبدأ بعد ذلك محاكمات عسكرية صورية، تنتهي بالحكم على بيار بالسجن مدى الحياة، وإعدام مندريس بعد توجيه اتهامات إليه أهمها خيانة الوطن والسعي لقلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.
ووُجِّهت 13 تهمة إلى مندريس، حكمت المحكمة التي أُنشئت خصيصاً بعد الانقلاب بإدانته في 12 منها، وأصدرت المحكمة أحكامها بالإعدام على مندريس و13 آخرين، وبالسجن المؤبد على 31 شخصاً، في حين حُكم على 418 شخصاً بأحكام تتفاوت بين ستة أشهر وعشرين سنة سجناً، إلا أنه في وقت لاحق صدر عفو عن المحكوم عليهم بالإعدام باستثناء مندريس ووزيرَي ماليته وخارجيته.
وفي الساعة الواحدة وإحدى وعشرين دقيقة من ظهر 17 سبتمبر/أيلول 1961، نُفّذ حكم الإعدام شنقاً على عدنان مندريس، رئيس وزراء تركيا الأول الذي وصل إلى الحكم بانتخابات ديمقراطية.
إعادة الاعتبار والتكريم
تَطلَّب الأمر نحو 29 عاماً، عندما قررت تركيا ردّ الاعتبار إلى مندريس، وذلك عندما قرر الرئيس الأسبق تورغوت أوزال إصدار أوامر بنقل رفات مندريس ورفاقه من جزيرة ياسّي أده حيث دُفنوا بعد إعدامهم، إلى مقبرة خاصة أقامتها بلدية إسطنبول على تلة قريبة منطقة طوب قابي.
وفي الذكرى 29 لإعدام مندريس، شارك أوزال مع مسؤولين في الدولة وقادة بالجيش ورؤساء الأحزاب وجماهير كبيرة في استقبال الرفات. وأعقب ذلك إطلاق اسم عدنان مندريس على عدد من المناطق، وجامعة حكومية، والمطار الدولي بولاية إزمير.
وفي مايو/أيار الماضي افتتح الرئيس رجب طيب أردوغان جزيرة "الديمقراطية والحريات" في إسطنبول، تزامناً مع الذكرى الستين لانقلاب 27 مايو/أيار 1960. وكانت الجزيرة المعروفة سابقاً بـ"ياسي أضه" شهدت صدور حكم الإعدام بحق مندريس ورفاقه، بعد الانقلاب العسكري.
وشارك في مراسم الافتتاح كل من رئيس البرلمان مصطفى شنطوب، ورئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، ورئيس المحكمة الدستورية زهدي أرسلان، وأعضاء الحكومة، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، وقادة القوات المسلحة وعدد من النواب البرلمانيين.
وألقى الرئيس التركي كلمة في حفل افتتاح الجزيرة، قال فيها إن يوم انقلاب 27 مايو/أيار "كان أحد أسوأ الأيام في تاريخ تركيا"، إذ تعرَّضت قيادات الدولة في حينها "لأسوأ التصرفات والانتهاكات غير الإنسانية"، مضيفاً أن محاكمة مندريس كانت "غير شرعية"، وكانت "محاكمة لشعبنا وتاريخه ولأمتنا، وتلك خطوط سوداء لن تُمحَى من جبين الذين أصدروا قرار الإعدام على مندريس وزملائه".