تستمر حملة التضييق على حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة بـBDS في جميع دول العالم، والتي كانت آخرها عزم حكومة المحافظين البريطانية منع السلطات المحلية من المشاركة في الحركة، حسب تصريحات لمسؤول بريطاني.
ولم يظهر الأمر فجأة في بريطانيا، فقد كان القرار يُطبخ على نار هادئة، إذ أشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في بيان لحزبه، إلى حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات والعقوبات، باعتبارها إحدى الأشياء التي "تقوض تماسك المجتمع".
وتعتبر الحرب على حركة مقاطعة إسرائيل عالمية وتسعى تل أبيب لتأجيجها بمباركة دولية، حتى أنها طالت كل من يُشتبه في دعمه إياها من مؤسسات حقوقية دولية، كما حصل مع المسؤول في منظمة "هيومن رايتس ووتش" عمر شاكر الذي طردته تل أبيب بسبب اتهامه بدعم الحملة.
وأيدت المحكمة العليا في إسرائيل قبل ثلاثة أسابيع رفض وزارة الداخلية تجديد تأشيرة العمل لشاكر وأمرته بالرحيل بحلول 25 نوفمبر/تشرين الثاني، حسب وكالة رويترز.
إذا كان بمقدور الحكومة الإسرائيلية ترحيل أحد يوثق انتهاكات الحقوق دون أن تواجه تبعات، فكيف لنا أن نوقف انتهاكات الحقوق؟
وأكدت مصادر سياسية لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قيام إسرائيل بتقديم مساعدات ماليّة للمنظمّات الدوليّة العامِلة ضد حركة المقاطعة BDS من خلال وزارة الشؤون الاستراتيجية بقيمة 5.7 مليون شيكل، لتنظم فعاليات وأنشطة لصالح إسرائيل لا سيما في دول الاتحاد الأوروبي، وإطلاق حملات إعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
قضية أخلاقية
صحيفة نيويورك تايمز توقعت في مقال كتبه بنيامين مولر "أن يعلن جونسون عن اقتراح مكافحة المقاطعة خلال حفل الافتتاح لجدول أعماله يوم الخميس، عندما تقرأ الملكة إليزابيث الثانية خطاباً أعدته حكومته كجزء من الافتتاح الرسمي للبرلمان، حسبما أفادت وسائل الإعلام البريطانية هذا الأسبوع".
وقالت الصحيفة إن هذا القرار دعمه المبعوث البريطاني الخاص لقضايا ما بعد الهولوكوست اللورد إريك بيكلز، الذي قال في مؤتمر في القدس المحتلة الأحد "إن القانون سيمنع الهيئات العامة من العمل مع الجماعات التي تقاطع إسرائيل"، زاعماً أن "حركة BDS "معادية للسامية" ويجب معاملتها على هذا النحو.
ويرى الكاتب أن "حركة مقاطعة إسرائيل أصبحت قضية خلافية، فهي تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلال الضفة الغربية، ومنح حقوق متساوية للفلسطينيين وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وذريتهم إلى إسرائيل، فيما يقول المعارضون للحركة إن هذه الإجراءات ستؤدي إلى تدمير إسرائيل كدولة يهودية". على حد تعبيرهم.
بريطانيا مع الحركة وضدها
تقول صحيفة نيويورك تايمز إن الحكومة البريطانية أصدرت قبل ثلاث سنوات قواعد لمنع الحكومات المحلية من مقاطعة إسرائيل، لكن المحكمة العليا قضت بعدم شرعيتها لأن الأمر يقع خارج نطاق السلطات القانونية للحكومة، وبعد الحكم دعا معارضو المقاطعة إلى تشريع جديد لمكافحة المقاطعة.
في المقابل، بدأ مجلس مدينة ليستر بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في عام 2014، لأنه يعارض "استمرار الاحتلال غير القانوني" للأراضي الفلسطينية، وطلبت جماعة يهودية من القاضي مراجعة المقاطعة، واصفة إياها بأنها تمييزية، لكن المحكمة رفضت الدعوى العام الماضي.
وتشير الصحيفة إلى أن حزب المحافظين التابع لجونسون حاول الاستفادة من الاتهامات التي تزعم أن حزب العمال المعارض قد غض الطرف عن معاداة السامية، كما ساهمت الاتهامات الموجهة إلى زعيم حزب العمل، جيريمي كوربين، في انهيار هائل للدعم الشعبي لحملته البرلمانية.
حرب عالمية على BDS
أيضاً، أدت الخلافات حول حركة المقاطعة إلى إحداث شرخ بين الطلاب في بعض الجامعات الأمريكية، إذ قام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بتوقيع أمر تنفيذي يمكّن وزارة التعليم من اتخاذ إجراءات ضد الكليات التي تعتقد أنها تميّز ضد الطلاب اليهود، في سياق الرد على حركة المقاطعة.
كما اعتمد مجلس النواب بالولايات المتحدة قراراً يدين BDS، وأقر في عدد من الولايات الأمريكية تشريعاً يُحرّم منح عقود الدولة أو يمنع استثمارات الدولة للأشخاص أو الجماعات التي تدعم مقاطعة إسرائيل.
وذكرت صحيفة يدعوت أحرنوت الإسرائيلية، أن النائب العام الأسترالي وعضو البرلمان كريستيان بورتر، قال في مؤتمر شارك فيه بالقدس، إن على بلاده أن تكافح ضد BDS قانونياً من خلال تغيير الوضع القانوني لقضية اللاسامية.
وأضاف "هناك أرضية كبيرة ومتينة في البرلمان لتغيير تعريف اللاسامية بما يضمن مكافحة مقاطعة إسرائيل".
وفي ألمانيا، خرج البرلمان الألماني بقرار يقضي بربط حملة المقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات BDS بمعاداة السامية -المحرّمة قانوناً في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي- ومنع تمويلها من قبل مؤسسات الدولة أو تقديم التسهيلات مثل قاعات البلدية لفاعلياتها.
وزعم القرار المعنون بـ"مقاومة حملة المقاطعة بشكل حاسم - مكافحة معاداة السامية" أن حجج الحملة وأساليبها معادية للسامية.
ويعلق الكاتب حسان عمران في مقال لـTRT عربي، على قرار البرلمان الألماني قائلاً "على الرغم من إضرار هذا القرار بالقضية والحقوق الفلسطينية، إلا أنه ولا شك سيضر بالديمقراطية الألمانية، ويفتح الباب لمزيد من كبح الحريات وتدخّل الدولة في المجتمع المدني".
وأضاف "توسعة تعريف معاداة السامية ستضعف من قيمته أولاً، وتحقق عكس المرغوب منه ثانياً؛ فبداية، سيصعب على أي عقل متحرر من البروباغندا الصهوينية أن يستوعب كيف أن حملة مدنية سلمية تطالب بتحقيق القانون الدولي والمساواة، وكثير من نشطائها هم يهود، يمكن أن تصنف بأنها معاداة للسامية".
تقول BDS إن "حركة المقاطعة كانت عاملاً رئيسياً وراء انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل بنسبة 46% سنة 2014، بالمقارنة مع عام 2013، وذلك وفقاً لتقرير للأمم المتحدة".
وتكررت شكاوى المصدّرين الإسرائيليين من ازدياد صعوبة تصدير منتجاتهم إلى أوروبا، فمدير إحدى الشركات الإسرائيلية الريادية اعترف بأن الشركات الأوروبية أصبحت أقل رغبة في الاستثمار في إسرائيل بسبب المقاطعة.
وكشف تقرير للبنك الدولي أن الصادرات الإسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة انخفضت بنسبة 24% في الربع الأول من سنة 2015.
وتقول الأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي وخبراء آخرون إن لحركة المقاطعة أثراً اقتصادياً على إسرائيل، ومن الممكن أن يزداد هذا الأثر بنمو وتطور الحركة.
وحسب الحركة، "تؤدي حملات حركة مقاطعة إسرائيل BDS التي تنظم على مستوى شعبي إلى تغيير الشركات والمستثمرين الكبار مواقفهم تجاه إسرائيل وسياساتها العنصرية والاستعمارية بحق الفلسطينيين".
وتقول BDS "انسحبت الشركات الأوروبية الكبرى فيوليا Veolia وأورانج Orange وسي آر اتش CRH من السوق الإسرائيلية بعد حملات قوية ضدها لتورطها في الانتهاكات الإسرائيلية".
وأقدمت فيوليا Veolia على بيع استثماراتها الإسرائيلية وأنهت دورها في مشاريع البنية التحتية في المستعمرات الإسرائيلية غير القانونية، بعد ضغط نشطاء حملات المقاطعة حول العالم على المجالس المحلية لإلغاء عقودها مع الشركة، والتي فاقت قيمتها 20 مليار دولار، وفقاً لـBDS