اليونان وفرنسا.. مساع مستمرة لتأليب أوروبا على تركيا وفشل بفرض عقوبات عليها
بين مساعي تمسك دول الاتحاد الأوروبي بالعلاقة مع تركيا، والدور التحريضي من اليونان وفرنسا لفرض عقوبات ضدها تنفيذاً لمصالحهما، تبدي أنقرة عدم اكتراثها بأي عقوبات أوروبية، في الوقت الذي أصبحت فيه المصالح المتبادلة بين أنقرة والاتحاد سيدة القرار.
فرنسا واليونان بذلتا جهوداً حثيثة لتأليب دول الاتحاد الأوروبي على تركيا (AFP)

تصدرت القمة الأوروبية في بروكسل ملفات ساخنة على رأسها العلاقات مع تركيا والتوتر شرق المتوسط، فعلى مدار أسابيع سعت دول على رأسها فرنسا واليونان، لحث التكتل الأوروبي على فرض عقوبات ضد أنقرة، بغية حملها على تنازلات عن الأنشطة الاستكشافية شرق المتوسط.

وتسعى اليونان بهذا التحريض لتحقيق أطماعها في المنطقة، بينما تحاول فرنسا الانتقام لفشل سياستها الخارجية أمام تركيا، فهي الدولة الغاضبة من تعاظم القوة والدور التركيين بالمنطقة، إذ سعت إلى دفع الاتحاد الأوروبي إلى النظر في فرض عقوبات على قطاعات من الاقتصاد التركي، لكنّ دولاً أخرى كألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمجر وبلغاريا ومالطا وغيرها، دعت إلى تعزيز العلاقات مع تركيا.

وفي انتظار الموعد الجديد في مارس/آذار المقبل، ستكون قضية قبرص والحدود المائية في شرق المتوسط مادة شد وجذب، ليس بين تركيا والاتحاد الأوروبي وحسب، بل بين أعضاء الاتحاد نفسه المنقسمين على أنفسهم، في وجه محاولات دول كفرنسا واليونان السير به باتجاه مصالحها الخاصة.

وأكد أستاذ الجغرافيا السياسية المتخصص بشؤون اليونان ودول البلقان يوكسل هوش لـTRT عربي، وجود إصرار وضغط فرنسي يوناني كبير على الاتحاد الأوروبي خلال القمة الأوروبية، ورغبة في تشديد العقوبات على تركيا، ومحاولات حتى آخر لحظة قبل الاجتماع لتشكيل لوبي ضد تركيا، ولكن هناك دول مؤثرة في الاتحاد كان لها موقف آخر.

واعتقد هوش أن "الاتحاد الأوروبي يخشى من تعاظم قوة تركيا وتأثيرها في المنطقة، ويحاول قطع الطريق عليها، لأنه يفضل أن تكون هناك دول يسيطر عليها مثل اليونان، لذلك يمكن تفسير الوقوف إلى جانب اليونان في الكثير من الأحيان".

والاثنين، قال رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميكوتاكيس إن بلاده نجحت في تحويل الخلاف التركي اليوناني إلى خلاف تركي أوروبي، مدعياً أن بلاده مستعدة للحوار مع أنقرة حول تحديد الجرف القاري ومناطق الصلاحية البحرية.

تركيا لا تكترث للعقوبات

في المقابل لم تكترث تركيا لهذه العلاقات، فقد صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن أي عقوبات محتملة ضد تركيا لا تعني أنقرة.

وأكد أردوغان أن البلدان الحكيمة في الاتحاد الأوربي أحبطت مؤامرة ضد تركيا عبر طرح مواقف إيجابية خلال القمة الأوروبية في بروكسل.

وعلى الرغم من توقعات فرنسا واليونان والإدارة القبرصية الجنوبية بفرض عقوبات واسعة النطاق على تركيا، فإنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب ما سمّته تردد الاتحاد الأوروبي في استهداف الاقتصاد التركي.

وأضاف أردوغان: "الاتحاد الأوروبي منذ عام 1963 يفرض علينا عقوبات رسمية. لم يتصرفوا بشكل منصف معنا إطلاقاً، ولم يقفوا وراء الوعود التي قطعوها لنا، إلا أننا صبرنا وما زلنا نصبر".

وأكد أردوغان أن هناك قادة أوروبيين "صادقين ومنصفين" سيعارضون أي تحرك ضد تركيا. وتعليقاً على تصريحات ميكوتاكيس الأخيرة، قال أردوغان: "في الواقع اليونانيون من يتهربون من الحوار، لم يجلسوا على طاولة المفاوضات أبداً".

وأشار الرئيس التركي إلى أنّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، دعا مراراً اليونان للجلوس إلى طاولة المباحثات مع تركيا، إلا أنّ أثينا تهربت.

وتابع: "إذا تصرفت اليونان بصدق كدولة جارة، فإننا سنتمسك بدورنا بموقفنا المؤيد للجلوس على طاولة المفاوضات".

من جانبه، لم يتوقع وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو صدور عقوبات ضد بلاده ولم يستبعد ذلك أيضاً.

وقال: إن "هناك مساعي من قِبل فرنسا واليونان وإدارة جنوب قبرص لدفع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار عقوبات ضد تركيا، وحتى الآن لم تحظ بدعم أوروبي"، لافتاً إلى وجود دول كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي لا ترغب في فرض عقوبات على تركيا، مشيراً إلى أن أي قرار يتعلق بفرض العقوبات يشترط أن يكون بالإجماع.

وأشار إلى احتمال صدور عقوبات بحق أشخاص أو شركات أو سفن تركية، مؤكداً أن تلك العقوبات المحتملة لن تثني تركيا عن طريقها. وأكد أن الاتحاد الأوروبي لن يغامر بعلاقاته مع تركيا، وأن الاتحاد بحاجة إلى تركيا في كثير من القضايا الاستراتيجية.

وعن مواقف فرنسا تجاه تركيا، قال جاوش أوغلو: "باريس تريد زعامة الاتحاد الأوروبي رغم وجود ألمانيا، فرنسا تتهجم على الجميع وتحاول أن تقول بأن الزعامة لها".

أما رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، فقد عبر عن أمله في ألّا يُقدم الاتحاد الأوروبي على قرارات من شأنها تعميق أزمة الثقة القائمة بين أنقرة وبروكسل، موضحاً أن جهات دولية تعمدت تصعيد التوتر في شرق المتوسط، عقب بدء تركيا فعاليات البحث والتنقيب في تلك المنطقة، وإبرامها اتفاقية بحرية مع ليبيا.

دعوات لتعزيز العلاقات مع تركيا

ودعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أوروبا إلى انتهاج موقف إيجابي خلال المحادثات المتعلقة بتركيا في قمة زعماء الاتحاد الأوروبي.

وقال ستولتنبرغ في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا: "هناك خلافات يجب أن نناقشها، لكن في الوقت نفسه يجب أن ندرك أن تركيا جزء من الحلف والعائلة الغربية، ونحتاج جميعاً إلى انتهاج موقف إيجابي أثناء النظر في الخلافات المتعلقة بتركيا في قمة زعماء الاتحاد الأوروبي".

وأشار إلى أن الحلف وضع آلية لفض النزاع بين تركيا واليونان تستند على هذا النهج الإيجابي، واصفاً الوضع في شرقي المتوسط بأنه "صعب"، ومشيراً إلى أن تركيا استضافت عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين، وأنها الدولة الأكثر تعرضاً للضرر من الهجمات الإرهابية.

تركيا حليف مهم في الناتو وتلعب دوراً مهماً في محاربة "داعش" الإرهابي على حدودها مع سوريا والعراق

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي - ينس ستولتنبرغ

من جانبه، وصف النائب الألماني السابق يورغن تودينهوفر، المنشق عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، حزب المستشارة أنغيلا ميركل، جهود الاتحاد الأوروبي في محاولة فرض عقوبات على تركيا بأنها "هراء"، وأن "التصرف بطريقة المدرس الحازم تجاه تركيا غير عادل أبداً".

وأكد تودينهوفر ضرورة استخدام تركيا وألمانيا لغة أكثر ليونة حتى لا تتأثر العلاقات الثنائية، مشيراً إلى أن تركيا أهم شريك استراتيجي لألمانيا، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي أبقى تركيا أكثر من 40 عاماً في انتظار الانضمام إليه، وقام بخداعها.

تركيا والاتحاد الأوروبي.. مصالح متبادلة

ولا يتوقع الأكاديمي والباحث السياسي برهان كور أوغلو أن تكون هناك عقوبات على المستوى الذي تطلبه فرنسا واليونان، مشيراً إلى أنه قد تكون هناك عقوبات شكلية، مبرراً ذلك بالعلاقات التي تربط الاتحاد الأوروبي بتركيا والتجارة التي تربط الأخيرة بتلك الدول، كما أن هناك العديد من الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة يستفيد منها الطرفان.

وأضاف: "فرض عقوبات سيؤدي إلى هزة في الاستقرار بالمنطقة، وهناك من يتحدث عن أحقية تركيا في الكثير من الأمور".

وقال الباحث السياسي لـTRT عربي: إنه "لا يوجد بديل لتركيا فيما يتعلق بأمن حلف شمال الأطلسي، كما أن لها الحق في التنقيب بشرق المتوسط، لذلك إذا استمر الاتحاد الأوروبي في موقف ثنائي، هناك دول كبيرة من الاتحاد ستتضرر".

وبدأت حالة الانقسام الأوروبي فيما يخص تركيا تظهر بشكل كبير، فقد قال وزير خارجية المجر إن بلاده تعتبر تركيا شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي، وإن بلاده تستند في سياستها على هذا المبدأ بدلاً من العداء والنفاق وازدواجية المعايير تجاه أنقرة.

وعلق كور أوغلو على هذه المواقف قائلاً: "تركيا تتحمل ثقلاً كبيراً خاصة فيما يتعلق بموضوع اللاجئين، ولو انتهى صبر تركيا من مواقف الاتحاد الأوروبي، فبإمكانها فتح حدودها أمام اللاجئين ووضع الدول الأوروبية في مأزق".

وعن خيارات تركيا في التعامل مع موضوع العقوبات، قال: "ستستمر تركيا في المطالبة بحقوقها في شرق المتوسط، وربما تبقى هناك بعض العقوبات الشكلية التي ترضي اليونان وفرنسا".

TRT عربي - وكالات