وسط الحرب.. كيف يرسل المغتربون عن غزة الأموال إلى ذويهم؟
يُعتبر التحويل بين العائلات والمعارف إحدى الطرق التي يلجأ إليها فلسطينيون لتحويل الأموال إلى ذويهم في شمال غزة في ظل استحالة التحويل عبر الطرق التقليدية، حسب ما رصدته TRT عربي
لم تسلم الأسواق من قصف الاحتلال الإسرائيلي في غزة / صورة: AA (AA)

في ظل الظروف الكارثية التي يمر بها الفلسطينيون في قطاع غزة جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتوزيع المحدود للمساعدات الإنسانية، يلجأ فلسطينيون مغتربون إلى إعانة ذويهم في القطاع عبر إرسال حوالات مالية لهم، إلّا أن صعوبات عدة تعرقل عملية الإرسال.

بعد أن كانت عمليات تحويل الأموال تجري عبر شركات الحوالات المالية والمصارف، يرسل فلسطينيون مغتربون في الوقت الحالي المبالغ المالية عبر أشخاص يعملون في مجال الحوالات، وتستغرق أياماً أو أسابيع في بعض الأحيان للوصول إلى مستحقيها.

محمد الهمص، غزاوي مغترب في تركيا منذ نحو 28 عاماً، يحاول إعانة ذويه من خلال إرسال حوالات مالية يسلّمها لعامل في المجال باليد في إسطنبول حيث يقيم، ليتسلَّم شقيقه الحوالة المالية في غزة.

هامش من الخسارة

وتجري عملية التحويل عبر الأشخاص من خلال اقتطاع 5% من المبلغ الإجمالي، لعدم توفر المكاتب بسبب القصف الإسرائيلي، وفق توضيح محمد لـTRT عربي. ويشير إلى أن التسليم في غزة يجري بالشيكل، مع أن التسليم في إسطنبول يجري بالدولار الأمريكي.

ويتحمل المرسل والمستلم هامشاً من الخسارة من إجمالي المبلغ بسبب هذا الاقتطاع وعدم توفر الدولار في غزة والفروقات في سعر الصرف عند التسليم بالشيكل.

ويُعتبر التسليم في مناطق رفح وخان يونس أسهل نوعاً ما من التسليم في مدن الشمال بسبب صعوبة التنقل داخل المدينة وبين المدن، وفقاً لمحمد.

"التحويل الأسود"

في الظروف العادية وقبل العدوان الإسرائيلي كانت غزة تضم عديداً من المصارف التي توفر خدمات التحويل كـ"ويسترن ينيون" و"مونيغرام"، بالإضافة إلى وجود عديد من شركات تحويل الأموال المعتمدة، وكانت الحوالات الدولية إلى القطاع تستغرق عبرها نحو 24 ساعة.

ويزور المستفيد أحد الفروع المعتمدة للمكاتب أو المصارف ويوقع على استمارة استلام الحوالة بعد إبراز وثيقة إثبات الشخصية ليستلم المبلغ المالي المُرسل إليه.

وفي الوقت نفسه كان بعض المغتربين يلجأ إلى "التحويل الأسود"، وهو عبارة عن مكاتب مالية غالباً تعمل باتفاق مع مكاتب الصرافة في غزة، ولها عديد من الوكلاء في الدول العربية ودول أوروبا، وتقدم خدمات بشكل أسرع من الشركات العالمية والتحويلات البنكية.

لكن هذه الإجراءات البعيدة عن التعقيد تحولت إلى عملية صعبة للغاية بسبب الحصار على حركة البنوك وحركة تحويل الأموال واستمرار القصف وتهدُّم البنى التحتية وغياب الوثائق الشخصية والحصار والنزوح من شمال غزة.

وأصبح من النادر استخدام طرق تحويل الأموال الاعتيادية الآن من قِبل الفلسطينيين، حسب ما أوضحه الشاب أحمد (اسم مستعار فضل عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة)، وهو فلسطيني مقيم في تركيا.

صعوبة الوصول إلى نقاط الاستلام

ويقول أحمد لـTRT عربي إنّ عديداً من مكاتب الصرافة كان يوجد في كل محافظة بالقطاع، وبمجرد إرسال الأموال من خارج غزة يمكن الاستلام بعد تحديد مدير مكتب الصرافة مكان الاستلام حسب قرب المكتب من الشخص المراد إرسال الحوالة المالية إليه، لتجري عملية التحويل والاستلام في نفس اللحظة.

لكن الآن وفي ظل الحرب لا يوجد أي مكتب في غزة يمكنه تسليم الأموال بنفس الطريقة وبنفس السرعة بعد قصف المحال واستشهاد كثير من أصحابها، والمكان الوحيد الذي يمكن إرسال الأموال إليه هو رفح، وفق أحمد.

ويشير الشاب الفلسطيني إلى أن تقسيم غزة من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع الأهالي المقيمين في النصيرات أو غزة من استلام الحوالات المالية، فلا يمكن إرسال الحوالات المالية إلى النصيرات ولا تستطيع العائلات الوصول إلى رفح.

تسليم بين العائلات

ويُعتبر التحويل بين العائلات والمعارف إحدى الطرق التي يلجأ إليها فلسطينيون لتحويل الأموال إلى ذويهم في شمال غزة في ظل استحالة التحويل عبر الطرق التقليدية، حسب ما رصدته TRT عربي.

ويجري ذلك عن طريق شخص مغترب يقيم أهله ممن يمتلكون الأموال في غزة، يستلم الشخص المبلغ المالي في دولة الاغتراب من المرسل، على أن تُسلّم عائلته المبلغ إلى الشخص أو العائلة المحتاجة في القطاع.

ولا يزال بعض مكاتب الحوالات والصرافة يعمل في جنوب القطاع إلى الآن، إلّا أن الوصول إليها يُعَدّ صعباً للغاية، ومن الممكن أن يستغرق الشخص حتى أسبوعين ليتمكن من استلامها.

خسارات في القطاع الاقتصادي

لطالما اعتمدت عائلات في غزة على الحوالات المالية من ذويها المغتربين خارج القطاع بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة نتيجة الحصار المفروض على غزة منذ نحو 16 عاماً.

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع وعرقلة دخول المساعدات الإغاثية وتدهور الظروف الإنسانية، تبرز حاجة الأهالي في غزة إلى الحوالات المالية لتدبر احتياجاتهم اليومية رغم ارتفاع الأسعار.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمة له أمام قمة حركة عدم الانحياز المنعقدة في العاصمة الأوغندية كمبالا في 20 يناير/كانون الثاني الجاري إنّ الناس في قطاع غزة لا يموتون بسبب القنابل والرصاص فحسب، وإنما أيضاَ بفعل نقص الغذاء والمياه النظيفة، وانقطاع الكهرباء، وشح الدواء في المستشفيات، والرحلات الشاقة إلى قِطَع صغيرة من الأرض هرباً من القتال.

وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن منع الجيش الإسرائيلي الوصول إلى المناطق الواقعة شمال وادي غزة يعوق الجهود المبذولة لزيادة توفير المساعدة المنقذة للحياة هناك.

ويعاني القطاع الاقتصادي في غزة من "صدمة اقتصادية"، حسب بيان مشترك صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية في 2 يناير/كانون الثاني الجاري.

ويشهد الناتج المحلي الإجمالي في غزة انكماشاً حاداً خلال الربع الرابع من 2023، بنسبة تجاوزت 80%، رافقه ارتفاع حاد في معدلات البطالة في القطاع، لتتجاوز 74% خلال الربع الرابع من 2023، بعد أن كانت 45% في الربع الثالث من 2023.

وانخفض إجمالي الاستهلاك بنسبة 33.1% (21% في الضفة الغربية، 80% في قطاع غزة) خلال الربع الرابع من 2023، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ شهد الاستهلاك الخاص من قِبل الأُسَر المعيشية والمؤسسات غير الهادفة للربح وتخدم الأُسَر المعيشية انخفاضاً بنسبة 33%، كما انخفض الاستهلاك العام (الحكومي) بنسبة 33.4% خلال الفترة نفسها.

TRT عربي