وسط أزمة نزوح غير مسبوقة.. كيف سيستقبل الأهالي في  لبنان فصل الشتاء؟
مع دخول فصل الشتاء، يواجه اللبنانيون تحديات صعبة، إذ ينتظر ملايين النازحين ظروفاً قاسية وسط تخوفات من نزوح أعداد أخرى جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، إضافة إلى التغيرات المناخية وانخفاض درجات الحرارة والأمطار.
عملية النزوح من جنوب لبنان بسبب الهجمات الإسرائيلية / صورة: AA (AA)

عقب أعنف موجة من الهجمات الإسرائيلية منذ حرب عام 2006، اضطر مئات الآلاف من اللبنانيين مع اقتراب فصل الشتاء، لترك منازلهم وأحيائهم ليفترشوا الأرض والطرقات في مشاهد غير مسبوقة، أو في أفضل الأحوال أحد الملاجئ التي استطاعت الحكومة توفيرها، ولا تسع لأكثر من 10% من النازحين الذين خرجوا من بيوتهم.

نازحون في العراء

تزداد موجة النزوح في لبنان مع استمرار العدوان الإسرائيلي، الذي امتد من جنوبي البلاد ليطول الشرق وأيضاً جنوب العاصمة، إذ أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص جراء الهجمات البرية والجوية الإسرائيلية على لبنان، منهم 187 ألفاً و400 مسجلون في مراكز الإيواء، أما الآخرون فنزحوا إلى محل سكن آخر أو الأماكن العامة.

ووفقاً لتقديرات اليونيسيف، نزح أكثر من 300 ألف طفل من منازلهم "إذ يعيش هؤلاء الأطفال في كابوس، يتصارعون مع الخوف والقلق والدمار والموت، لما ينتج عن ذلك من صدمات نفسية قد ترافقهم مدى الحياة"، كما تفتقر الأُسر النازحة إلى إمكانية الوصول إلى ما يكفي من مياه وغذاء وبطانيات ولوازم طبية وأساسيات أخرى.

وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه مع تزايد أعداد النازحين كل يوم، وصلت مراكز الإيواء المؤقتة التي أنشأتها الحكومة اللبنانية، والتي بلغ عددها 1250 حتى الآن، إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة تقريباً، ما أجبر آلاف الرجال والنساء والأطفال على النوم في العراء.

وإلى جانب نقص مراكز الإيواء ووسائل التدفئة يحتاج الآن أكثر من مليون نازح لبناني إلى تلبية احتياجاتهم الغذائية والاحتياجات الأساسية الأخرى، فبحسب برنامج الأغذية العالمي فإن عدداً أكبر من الناس في جميع أنحاء لبنان بات يعتمد على المساعدات الغذائية أكثر من أي وقت مضى.

ورغم الجهود الحكومية لتنفيذ خطة طوارئ لزيادة مراكز إيواء وتوفير الاحتياجات الأساسية، فإن الأعداد الهائلة من النازحين تفوق الإمكانات المتاحة، إذ تحولت 600 مدرسة حكومية وخاصة في لبنان إلى مراكز إيواء مؤقتة تؤوي آلاف النازحين، وتقدم مساعدات إنسانية محدودة، وسط خطط حكومية لإنشاء مراكز إيواء جديدة.

وفي ظل اقتراب فصل الشتاء ونقص المأوى وإمدادات المياه، حذرت منظمة الصحة العالمية، من أن النزوح السريع في لبنان يزيد بشكل كبير من المخاطر الصحية العامة، حيث يؤدي الاكتظاظ في الملاجئ إلى زيادة احتمال انتشار الأمراض المعدية، فضلاً عن تفاقم التحديات الصحية التي قد تتحول إلى كارثة في حال عدم تدارك الوضع والتدخل في الوقت المناسب.

وبعد أسابيع من النزوح، أكدت وزارة الصحة اللبنانية أن القمل والجرب من التحديات التي تجري مواجهتها في مراكز الإيواء حالياً، إذ تعتبر المشكلات الجلدية المعدية من أبرز التحديات الصحية، ويتوقع انتشارها بسرعة، ما يزيد تعقيد أوضاع النازحين.

أزمة أكبر في الشتاء

أشار الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، اللواء الركن محمد خير، إلى أنه في حال استمرار النزوح سيواجه لبنان أزمة كبيرة مع قدوم الشتاء، وأكد في حديثه لـTRT عربي أن الحكومة تحاول إنشاء عدد أكبر من مراكز الإيواء لسد العجز القائم قبل دخول البرد.

وأوضح خير أنه في حالة عدم القدرة على إنشاء مراكز سيضطرون لاعتماد وسائل أخرى كالخيام، مستطرداً أنه شخصياً ضد تلك الفكرة، لأنها لا تلبي احتياجات الإنسان المعاصر وخاصة مع قدوم البرد والأمطار.

وأضاف أنهم عقدوا اجتماعاً بمجلس الوزراء من أجل وضع خطة شاملة للتعامل مع النازحين في فصل الشتاء، وكذلك لعلاج نقص الوقود والتدفئة، إضافة إلى أزمة التعليم بعد تحويل المدارس إلى مراكز للإيواء.

وتابع الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة أنهم ينسقون مع عدد من المؤسسات والهيئات الإنسانية استعداداً لمواجهة الأزمات التي قد يجلبها فصل الشتاء، مشيراً إلى أن من ضمنها هيئتي "تيكا" و"أفاد" التركيتين.

بدوره أشار رئيس لجنة الطوارئ الحكومية ووزير البيئة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين في تصريحات صحفية إلى أن عدد النازحين كبير جداً، وقد يكون من المستحيل وجود خيارات إيواء بديلة عديدة عن المراكز الحالية.

واستطرد أن أحد الخيارات هو الأماكن التي يمكن أن تُجهز بشكل مؤقت، مشيراً إلى أنهم يعملون مع وزير الأشغال على بعض الأراضي التي يمكن أن تستخدم لتحويلها إلى مراكز إيواء مؤقتة.

وأضاف أن أزمة الشتاء أساسية في خطة الاستجابة للكوارث لافتاً إلى أنهم يعملون في الوزارة على تأمين وسائل تدفئة للنازحين في المدارس وعلى ترميم بعض مراكز الإيواء وعلى توفير الملابس وتأمين الوقود مع المنظمات الشريكة.

ومنذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، تشن إسرائيل حرباً على لبنان، عبر غارات جوية غير مسبوقة كثافة ودموية استهدفت حتى العاصمة بيروت، بالإضافة إلى توغل بري بدأته في الجنوب، متجاهلة التحذيرات الدولية والقرارات الأممية.

وبلغت حصيلة العدوان الإسرائيلي على البلاد 2350 قتيلاً و10906 جرحى، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى أكثر من 1.2 مليون نازح، وفق بيانات الحكومة اللبنانية.

TRT عربي - وكالات