استطاع المرشح اليميني المتطرف إيريك زمور، منذ إعلانه ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، استقطاب ناخبي التيار اليميني، وذلك عبر مغازلة أفكارهم المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بالمهاجرين والمسلمين في فرنسا.
وأصبح زمور خلال الفترة الأخيرة مادة إعلامية خصبة، لما أثاره من جدل خلال كل حضور إعلامي أو خطاب جماهيري.
وبينما يتخوف الكثيرون من مستقبل الحريات ووضعية الأقليات والمهاجرين في سياسات فرنسا المقبلة، في حال تمكن زمور من الفوز بالحكم، يبدو أن كثيرين في الوقت ذاته يقاسمونه هذه الأفكار ويدفعون في اتجاه إمكانية تحقيقها على أرض الواقع، ولذلك لم يترددوا في تقديم الدعم المالي لحملته الانتخابية.
وكان من بين أبرز هذه الأطراف والجهات التي أزيح عنها الستار مؤخراً، رغم تحفظها في الكشف عن ذلك، وأثارت صدمة لدى الرأي العام، خبير المفوضية الأوروبية فينسينت أوهير، وسط تباين في الآراء والترجيحات عما إذا كانت المفوضية الأوروبية على علم بذلك.
خبير المفوضية الأوروبية مموِّل لحملة زمور
كشفت وثائق سرية مسربة، نشرت صحيفة "بوليتكو" نسخة منها، أن فينسينت أوهير، الخبير الفرنسي المعار الذي يعمل منذ سبتمبر/أيلول 2020 في الخدمة القانونية للمفوضية الأوروبية، قد أصبح رئيساً لـ"جمعية التمويل الفرنسية لحزب أصدقاء إيريك زمور" منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ورغم بقاء أوهير بعيداً عن الأنظار، وامتناعه عن حضور الاجتماعات العامة للمنظمة طيلة الأشهر الماضية، إلا أن العديد من الجهات الإعلامية والاستقصائية، قد نجحت في الكشف لاحقاً عن الدور الذي يضطلع به خبير المفوضية الأوروبية في تمويل حملة إيريك زمور.
وتشير التقارير إلى أن هذه المنظمة التي يترأسها اليوم أوهير، تقوم أساساً بتلقي التبرعات والهبات المالية من الأعضاء المنضوين فيها وبقية الداعمين والمساندين، ومن ثم تستخدم هذه الأموال في تنظيم الحملة الانتخابية.
ورغم أن المستشار القانوني والفني لزمور، جيلبرت باييت، أكد في تصريح إعلامي أن دور أوهير هو دور فخري في الغالب، وليس مسؤولاً عن الموافقة على النفقات المرتبطة بالحملة الانتخابية، فإن هيئة الرقابة على الأحزاب السياسية الفرنسية CNCCFP ردت على ذلك في بيان مكتوب بأنه :" كان من الأفضل أن يكون شخص ثالث مسؤولاً عن تلقي الأموال للحزب من أجل تجنب الأخطاء المحاسبية".
وبدورهم أكد العديد من مديري الأحزاب من ذوي الخبرة في تمويل الحملات الانتخابية، أن المنظمات والجمعيات التي تمول أحزاب المرشحين، كـ"جمعية التمويل الفرنسية لحزب أصدقاء إيريك زمور" التي يرأسها أوهير، هي المسؤولة عن تمويل الأنشطة الحزبية مثل الحملة الانتخابية الرئاسية والبرلمانية.
وبذلك تتعارض تصريحات هيئة رقابة الأحزاب وبعض رؤساء الأحزاب السياسيين، مع ما أفاد به جيلبرت باييت عن الدور المزدوج الذي يلعبه أوهير بين المفوضية وتمويل حملة زمور.
هل دعمت المفوضية الأوروبية زمور؟
أثارت هذه القضية جدلاً محموماً في الأوساط الفرنسية والأوروبية، وتساءل الكثيرون عما إذا كانت المفوضية على علم بذلك أم أنها تغاضت عن الأمر. إذ أنه وفق قواعد وقوانين المفوضية الأوروبية، يُحتم على الموظفين والخبراء الوطنيين الذين يرغبون في الانخراط في نشاط خارجي، سواء بأجر أو بدون أجر، أو تنفيذ أي مهمة، الحصول أولاً على إذن من سلطة التعيين. ويمكن بالتالي رفض الإذن بمتابعة الأنشطة الخارجية إذا كانت هذه الأنشطة غير متوافقة مع "مصالح المؤسسة".
وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإنه لا يخفى عن الجميع، الخطابات المتطرفة والمحرضة على الكراهية التي يروج لها زمور، كما أنه تعهد بشكل علني خلال حملته الانتخابية بوقف الهجرة تماماً، وتعليق مشاركة فرنسا في منطقة السفر الحرة في شنغن، ليثير بذلك حفيظة وقلق الاتحاد الأوروبي. كما أنه كان من أشد المنتقدين للمفوضية الأوروبية ودعا في وقت سابق إلى الحد من صلاحياتها، متجاهلاً في الأثناء أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومحكمة العدل بشأن مسائل الهجرة والإعانات الحكومية.
وبذلك فإن دعم زمور بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تعارض واضح مع السياسات التي تروجها المفوضية الأوروبية.
ولفتت وسائل إعلامية، إلى أن لجنة المفوضية الأوروبية امتنعت إلى حدود اللحظة عن الإجابة، عما إذا كان أوهير قد أبلغها سابقاً عن أنشطته السياسية، كما امتنع أوهير بدوره عن التعليق، بدعوى الالتزام بقواعد السرية المفروضة عليه تجاه المفوضية الأوروبية.
ومن جانبها قالت الحكومة الفرنسية، على لسان ممثل بعثتها في بروكسل، بأنها لم تكن على علم بالقضية. وأشارت إلى أن المسؤولين المعارين، على غرار أوهير، ملتزمون بقواعد صارمة للنزاهة.
ويبدو أن في دعم أوهير لحملة إيريك زمور، انسجام واضح مع أفكاره السياسية والإيديولوجية التي يدين بها، إذ أنه انضم عام 2016 أيضاً إلى مجموعة من الخبراء المرتبطين بالجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، وعملوا كمستشارين لماري لوبان اليمينية المتطرفة. وساهم آنذاك أوهير، وفق ما أشارت إليه تقارير إعلامية، في صياغة التقارير حول القضايا المالية للتجمع الوطني.