هل يمكن لإسرائيل التخلي عن الولايات المتحدة في تأمين ذخائرها؟
دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها العاشر، مرت خلالها عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي بمراحل عدة من حيث شكل المناورة وحجمها، التي بدأت بحملة قصف جوي مكثف، تلتها حرب برية شملت مختلف محافظات قطاع غزة، وصولاً إلى المرحلة الثالثة.
تعتمد إسرائيل على الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير في تسليحها خصوصاً الذخائر. / صورة: Reuters (Reuters)

الكثافة النارية الهائلة التي استخدمها جيش الاحتلال، والتوتر المتصاعد على الحدود مع لبنان، دفعا الجيش إلى التحذير من إمكانية نشوء أزمة في توفير الذخائر الكافية لعملياته على الجبهات المختلفة.

وأشارت الحرب إلى الاعتماد الإسرائيلي الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية في توفير احتياجاتها من الذخائر، بخاصة القنابل الذكية المستخدمة في عمليات القصف الجوي، التي أعلن الرئيس الأمريكي بايدن في وقت سابق من شهر مايو/أيار وقف توريد جزء منها، ما دفع وزارة الدفاع والجيش الإسرائيليين إلى بدء العمل على إنتاج هذه الأنواع من الذخائر محلياً.

ضرورة الاقتصاد في السلاح

استهلك جيش الاحتلال الإسرائيلي في المراحل الأولى من حربه على قطاع غزة كمّاً كبيراً من الذخائر، تحديداً المستخدمة في القصف الجوي، فخلال الأشهر الأربعة الأولى من العملية العسكرية قصف سلاح الجو الإسرائيلي ما يقرب من 31 ألف هدف، 29 ألفاً منها في قطاع غزة وبقية في مناطق أخرى على رأسها لبنان، ووفقاً لبيان جيش الاحتلال الإسرائيلي فإن الجزء الأكبر من هذه الغارات جرى باستخدام طائرات مقاتلة.

هذا الكمّ الكبير من الغارات الجوية رافقه استخدام واسع للقذائف المدفعية، ووفقاً لبيانات جيش الاحتلال فقد أُطلقَ ما يقرب من 100 ألف قذيفة مدفعية خلال شهر ونصف من العملية البرية في غزة.

الاستخدام الواسع والكثيف للذخائر، واستنزاف معدات وآليات الجيش في العملية البرية دفعته لاحقاً إلى تبني إجراءات " الاقتصاد في الذخيرة"، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي قال إليعازر توليدانو، رئيس قسم الاستراتيجية والدائرة الثالثة في جيش الاحتلال، إن هجمات الجيش الجوية يجب أن تنخفض، مضيفاً أن من الضروري "الاقتصاد في التسليح" لأن الحرب سوف تستمر لفترة طويلة.

وأشارت مصادر داخل جيش الاحتلال نقلت عنها صحيفة نيويورك تايمز إلى أن وحدات الجيش تعاني "نقصاً في قذائف 120 ملم للدبابات، لدرجة أن بعض الدبابات المتمركزة في غزة أصبح الآن في حالة تأهب جزئي ويحمل كمية أقل من القذائف، من أجل حفظ القذائف في حالة نشوب الحرب في الشمال". كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين من جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الجيش يواجه أيضاً نقصاً في قطع الغيار للدبابات والجرافات D9 والمركبات المدرعة والذخيرة البرية الخفيفة الأخرى.

وهو ما أكده موقع "كالكاليست" نقلاً عن مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي بوجود "اقتصاد في التسليح".

إدمان المساعدات الأمريكية

وذكر موقع "كالكاليست" الإسرائيلي أن موردي الأسلحة من دول أوروبية توقفوا عن الرد على نظرائهم الإسرائيليين، كما أن دولاً أجنبية -ليست الولايات المتحدة- كانت تصدّر وتستورد الأسلحة من إسرائيل، ترفض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول تزويد إسرائيل بالموادّ الخام التي يمكن تصنيع الذخيرة منها.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من منذ اندلاع الحرب، جرى الإبلاغ عن دول وشركات ترغب في تقليل أو تقييد التجارة الدفاعية مع إسرائيل، كما جرى مع الموردين الهولنديين لقطع غيار الطائرات F-35، وإعلان بعض الحكومات الغربية كإيطاليا وكندا وبلجيكا وإسبانيا وضع قيود على الصادرات الدفاعية إلى إسرائيل.

أما الخطوة الأهمّ التي أثارت قلقاً لدى الجيش والحكومة الإسرائيلية فكانت تعليق الولايات المتحدة الأمريكية في مايو/أيار الماضي شحنة من الأسلحة كانت متجهة إلى إسرائيل، شملت في ذلك الوقت 1800 قنبلة تزن ألفَي رطل، و1700 قنبلة تزن 500 رطل، وقنابل صغيرة القطر (SDB-1)، بالإضافة إلى أنظمة توجيه ذكية مخصصة لتحويل القنابل الغبية إلى منظومات ذكية.

وعلى الرغم من صعوبة الحديث عن وجود تأثير كبير لهذه الخطوات في سير العمليات العسكرية الإسرائيلية على الجبهات المختلفة، فإنها ألقت بالضوء على أزمة الاعتماد الكبير على الإمدادات الأمريكية في الذخائر.

وهو ما أشار إليه الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك في مقال له على موقع معاريف الإسرائيلي بقوله: "الاعتماد الكامل على الأمريكيين في جميع أنواع الذخيرة والمعدات العسكرية الأخرى، يمكن أن يضر بقراراتنا، لأن العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية عبر التاريخ لم تكن دائماً تمر بشهر عسل، وخضعت لصعود وهبوط، واليوم يعتمد الأمن لدينا على ما إذا كانوا يقدمون الذخيرة".

ويؤكّد ذلك الباحث الإسرائيلي في الشؤون الأمنية والعسكرية يائير أنسباخر في مقابلة له مع موقع "kipa" العبري، ويوضح أن أحد أوجه مشكلة التسليح في إسرائيل أنها "أصبحت معتادة الاعتماد على الذخيرة الأمريكية، الأمر الذي جعلنا نخفض تدريجياً قدراتنا الإنتاجية المستقلة، ونصبح معتمدين على الولايات المتحدة".

وحول العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في مجال الذخيرة، يرى أنسباخر أنها علاقة تبعية: "كنا نحظى بالمساعدات الأمريكية، واليوم نعتمد على الأمريكيين، وهي عملية استمرت نحو 30 عاماً".

خطة الاستقلال الإسرائيلية

بلغت واردات إسرائيل من الأسلحة الأمريكية ما يقرب من 69% من إجمالي وارداتها من الأسلحة بين عامَي 2019 و2023، وفقاً لإحصائيات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ويُشير الجنرال المتقاعد من جيش الاحتلال الإسرائيلي إسحاق بريك إلى أن الجيش لم يتحضر لحروب طويلة الأمد، فلم يخصص الجيش كثيراً من ميزانيته البالغة 70 ملياراً لتخزين الذخيرة (قذائف دبابات، مدفعية، قنابل للطائرات)، وبدلاً من ذلك اعتمد على الولايات المتحدة حتى في الذخائر الصغيرة، والأهمّ صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية.

هذا الأمر دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي ووزارة الدفاع إلى العمل على توفير احتياجات الجيش من خلال الإنتاج المحلي. ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فإن وزارة الدفاع أعدت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي خطة باسم "برنامج الاستقلال"، لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال القنابل الجوية.

وأضافت الصحيفة أن جزءاً من الدروس والعبر التي استخلصها جيش الاحتلال في معركة غزة، هو الحاجة إلى تأمين خطوط إنتاج محلية للقنابل الجوية، بخاصة أن إسرائيل تعتمد في توفيرها بالكامل على الولايات المتحدة.

وتشرف مديرة المشتريات في وزارة الدفاع على البرنامج، المقرر أن لا يقتصر على الذخائر الجوية، بل يمتد إلى المواد الخام المطلوبة لصناعة القنابل.

وكشفت الصحيفة أن المدير العام لوزارة الدفاع اللواء احتياط أيال زمير اجتمع مع رون تومر رئيس اتحاد الصناعيين حول هذه الخطة، وقال زمير لاحقاً إن أحد دروس الحرب هو الحاجة إلى زيادة استقلال وقدرة الإنتاج في إسرائيل. وأضاف إن الاستثمار في زيادة خطوط الإنتاج أمر حيوي لدعم احتياجات الجيش الإسرائيلي على المدى الطويل.

تحديات بنيوية

هذه الخطوات تواجه مجموعة من التحديات البنيوية التي تصعّب نجاحها، وهو ما سلّط موقع "كالكاليست" الضوء عليه، موضحاً أن هذه الخطة تواجه عدة تحديات، أولها التكلفة الاقتصادية لعملية الإنتاج المتوقع أن تكون كلفتها أكثر بعشرات المرات من التي تُستورد من الخارج، بالإضافة إلى صيانة المصانع المنتجة للذخيرة، التي تعد مكلّفة للغاية.

أما التحدي الثاني فيرتبط بالقدرة على الإنتاج الواسع وتلبية الاحتياجات الإسرائيلية منها، بخاصة أن دولاً أكبر كالولايات المتحدة الأمريكية تواجه صعوبات في تأمين إنتاج واسع من الذخائر، وهو ما ظهر بوضوح في الحرب الروسية-الأوكرانية والمصاعب التي واجهت الدول الغربية في توفير احتياجات أوكرانيا من القذائف.

وسبق أن وقّعَت وزارة الدفاع الإسرائيلية في شهر يوليو/تموز 2023 عقداً مع شركة "إلبيت سيستمز" لإنتاج قذائف مدفعية بقطر 155 مم، لكن موقع "israel defense" أشار إلى أن معدل إنتاج الشركة من القذائف قد يصل إلى 3000 قذيفة في الشهر، وهو نصف معدَّل الاستخدام اليومي للجيش الإسرائيلي في حرب 2006 مع لبنان، التي أطلق خلالها الجيش ما يقرب من 200 ألف قذيفة مدفعية بمعدل 6000 قذيفة في اليوم.

كما يشير "كالكاليست" إلى أن الإنتاج الواسع من الذخائر يرافقه استهلاك كبير للمواد الخام المستخدمة في تصنيع هذا النوع من القذائف وهو ما لا يمكن تحصيله من الإنتاج المحلي بالتالي تظلّ الحاجة إلى الاستيراد من الخارج قائمة.

TRT عربي