دون جدوى، تبذل دول عربية وأخرى من دول الاتحاد الأوروبي جهوداً مكثفة، للحيلولة دون انهيار مفاوضات فيينا بين الدول الكبرى الست وإيران حول الملف النووي الإيراني، وعودة طهران إلى الامتثال للصفقة الموقعة عام 2015.
ومنتصف أبريل/نيسان، أعلن الفريق الإيراني المفاوض في محادثات فيينا توقف المفاوضات مع الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا، بعد اتهامات إيرانية وجهها عضو وفد طهران المفاوض، محمد مرندي، إلى الولايات المتحدة بتغيير سلوكها وتوجهاتها في المفاوضات بشكل مفاجئ، دون مزيد من التفاصيل.
وبذلك فإن الموقف الإيراني الأخير يكون قد أطاح بشهور من تفاؤل أبدته الوفود الأوروبية بتوصل وشيك، والتصريحاتِ الأمريكية عن إمكانية التوصل إلى اتفاق "قريب"، واعتقاد واشنطن استناداً إلى تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس في 4 أبريل، بوجود فرصة للتغلب على الخلافات المتبقية مع إيران في المحادثات حول ملفها النووي.
وألقى المرشد الأعلى، علي خامنئي بالمسؤولية على الولايات المتحدة في وصول مفاوضات فيينا إلى طريق مسدود، مؤكداً في لقائه مع مسؤولين إيرانيين في 12 أبريل على أن مستقبل بلاده لا يجب أن يكون مرهوناً بنتيجة المفاوضات.
جاءت تصريحات المرشد الإيراني آنذاك بعد ساعات من تصريحات كان قد نشرها على حسابه الشخصي باللغة الفارسية، تحدث فيها عن أن المفاوضات تتقدم بشكل جيد، وعلى الفريق المفاوض ورئيس الجمهورية ومجلس الأمن القومي أن يضعوا الآخرين في صورة الوضع الراهن.
لكن المرشد الأعلى عاد ليحذف هذه التغريدة من حسابه الشخصي، وغرد هذه المرة باللغة العربية قائلًا إن "الأمريكيين نكثوا بعهودهم، وهم من وصلوا إلى طريق مسدود وليس نحن".
غياب الضمانات
ويطالب برلمانيون إيرانيون من حكومة بلادهم بإلزام الولايات المتحدة تقديم ضمانات قانونية من مؤسسات صنع القرار الأمريكي، بألا تخرج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مستقبلاً تحت أية ذريعة.
في مقابل ذلك وقّع ما يزيد عن 46 من كبار القادة العسكريين الأمريكيين رسالة موجهة إلى الرئيس جو بايدن، وأعضاءِ الكونغرس، عارضوا فيها المفاوضات الجارية في فيينا، وحذّروا من مخاطر التوصل إلى اتفاق يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي وهي الدولة الأولى الراعية للإرهاب في الشرق الأوسط والعالم.
ومنذ مجيء بايدن إلى البيت الأبيض مطلع 2021، عاد الحديث مجدداً عن العودة لاتفاق 2015، بشروط منها: امتثال إيران الكامل لبنود الاتفاق، في حين اشترطت إيران رفع العقوبات أولاً قبل التوقيع على الاتفاق بصيغته الأساسية أو بصيغة جديدة تفرزها مفاوضات الجانبين، إيران ومجموعة الدول الخمس الكبرى بالإضافة إلى ألمانيا (مجموعة العمل المشتركة).
وعلى مدى عام كامل، أجرت إيران مفاوضات مباشرة في فيينا مع كل من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، لإحياء الاتفاق النووي، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة من خلال الاتحاد الأوروبي الذي لعب دور المنسق بين الجانبين الإيراني والأمريكي.
وفي أجواء من تفاؤل الأطراف المعنية بالاتفاق النووي، صرّح عدد من أعضاء الوفود في الأسابيع الأخيرة، بما فيهم الوفد الإيراني، بأن ثمة تقدم في مسار المفاوضات، وأن اتفاقاً وشيكاً يحتمل الإعلان عنه بعد تخطي بعض الخلافات، التي وصفت بأنها "خلافات يمكن تجاوزها مرحلياً" مثل إزالة الحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب، وما يتعلق بالعقوبات الأمريكية والأرصدة الإيرانية المجمدة وقضايا خلافية أخرى.
وأشار سعيد خطيب زاده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إلى أن المفاوضات مع الدول الخمسة، الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا "استُكملت ولم يبقَ أي نقطة للمناقشة"، وأنه "لا يبقى سوى قرارات واشنطن".
ونتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا، توقفت مفاوضات فيينا لعدة أسابيع بعد مطالبات روسية بألا تؤثر العقوبات الغربية على موسكو في علاقاتها التجارية مع طهران.
وتلقت روسيا ضمانات أمريكية بشأن مطالبها حول علاقاتها التجارية مع إيران، دفعت وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان للتصريح بقرب التوصل إلى اتفاق جديد في مفاوضات فيينا.
تعارض بين النفط والأمن
ويرى خبراء متابعون لمفاوضات فيينا، أن رغبة الدول الأوربية في تسريع العودة إلى المفاوضات وتقديم بعض التنازلات لإيران قد تكون مرتبطة بحاجة السوق النفطية للنفط الإيراني لتعويض نقص الإمدادات الروسية، في حين تحاول الولايات المتحدة عدم تقديم المزيد من التنازلات وحث دول خليجية مثل السعودية والإمارات على زيادة إنتاجهما من النفط.
لكن الدول الخليجية لا تزال متمسكة بموقفها من عدم الاستجابة للرغبات الأمريكية، مع التأكيد على حقها في أن تكون طرفاً فاعلاً في مفاوضات فيينا، إذ إن هذه الدول، إضافة إلى إسرائيل، هي الأكثر تأثراً بتداعيات إنتاج إيران سلاحها النووي في أجواء من العلاقات المتوترة مع طهران.
في مقابل ذلك، فإن توصل مجموعة العمل المشترك إلى اتفاق مع إيران، من شأنه أن يعيد حسابات بعض الأطراف الإقليمية في مواجهة التحديات الإيرانية الجديدة بعد رفع العقوبات عنها وتحرير أصولها المالية.
ومن هذه التهديدات، احتمالات زيادة دعم الجماعات الحليفة لإيران، والتي تهدد أمن دول عدة منها: السعودية والإمارات وإسرائيل والعراق ودول أخرى، ما لم تواصل بعض الدول مثل السعودية مباحثاتها مع طهران، لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، وتقديم ضمانات بعدم دعم الأنشطة المزعزعة للاستقرار أو دعم الجماعات المسلحة، مثل جماعة الحوثي في اليمن.
وتأمل بعض الدول الخليجية في توقيع اتفاقية أمنية إقليمية بين دول المنطقة بما فيها إيران، بعد توقيع مجموعة العمل المشتركة وإيران على اتفاق الملف النووي، حسب تصريحات لوزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية في منتدى الدوحة في 27 مارس/آذار الماضي.
لذلك، فإن سياسات إدارة الرئيس بايدن تسعى في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاق مع إيران حول ملفها النووي، بعد الحصول على ضمانات من طهران، تتعهد بموجبها بتخفيف حدة أنشطتها وأنشطة القوى الحليفة لها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، في مقابل إزالة الحرس الثوري من لائحة الإرهاب وتزامن العودة إلى اتفاق عام 2015 بالرفع التدريجي للعقوبات الأمريكية.