وتعقدت المحادثات بعد تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، بخاصة في الأسابيع الأخيرة، مع وجود ردّ إيراني محتمَل على إسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الشهيد إسماعيل هنية في طهران 31 يوليو/تموز الماضي.
ومع إرسال سفن حربية وغواصات وطائرات حربية أمريكية إلى المنطقة للدفاع عن إسرائيل وردع أي هجوم محتمل، تأمل واشنطن، بعد فشل الجهود التي بذلها الوسطاء سابقاً، أن يؤدي اتفاق وقف إطلاق النار إلى نزع فتيل خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً، وفق ما تذكره وسائل إعلام أمريكية.
ولن تكون حماس جزءاً من جولة المفاوضات الجديدة في الدوحة، تأكيداً لموقفها الرافض في خوض مفاوضات جديدة، وتمسكها بالورقة التي طرحها الوسطاء سابقاً، وأمس الأربعاء أكدت الفصائل الفلسطينية، بينها حماس، في بيان مشترك، تمسكها بتنفيذ ما اتُّفق عليه في "أوراق الإطار" التي قدمها الوسطاء في 2 يوليو/تموز الماضي، استناداً إلى المقترح الذي عرضه الرئيس الأمريكي جو بايدن، لوقف الحرب على قطاع غزة وتبادل الأسرى.
ضغط أمريكي
واليوم الخميس قالت متحدثة البيت الأبيض كارين جان بيير، إن الولايات المتحدة "تريد وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب" في قطاع غزة، واصفةً المفاوضات بأنها "عظيمة الأهمية"، فيما أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء، عن قلقه بشأن الوضع المتدهور في الشرق الأوسط، وآملاً أن توقف إيران ردّها على إسرائيل إذا تحقق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبحسب موقع أكسيوس الأمريكي يرى بايدن أن اتفاق إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين "هو المفتاح لخفض التصعيد في الشرق الأوسط ومنع اندلاع حرب إقليمية"، ومنذ أسبوعين تتأهب إسرائيل لرد من إيران وحزب الله على اغتيال هنية بطهران، والقيادي العسكري البارز بالحزب فؤاد شكر ببيروت.
ونقلت وكالة رويترز أمس الأربعاء عن ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين قولهم إن السبيل الوحيد الذي يمكن أن يرجئ ردّ إيران المباشر على إسرائيل في اغتيال هنية على أراضيها هو التوصل في المحادثات المأمولة هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبحسب ما قاله المحلل العسكري بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هارئيل اليوم الخميس، فإنه "قبل بدء قمة الدوحة تواصل الولايات المتحدة ممارسة الضغوط على جميع الأطراف لدفع المفاوضات إلى الأمام"، مشيراً إلى أن إدارة بايدن تربط الآن مباشرة بين صفقة المحتجزين ووقف إطلاق النار مع حماس في غزة، وتأخير هجوم إيران وحزب الله الانتقامي على إسرائيل.
وسبق أن قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، في 9 أغسطس/آب الحالي، إن إدارة بايدن لن تسمح "للمتطرفين"، بما في ذلك في إسرائيل، بدفع محادثات وقف إطلاق النار في غزة خارج مسارها، واتهم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بتقديم ادعاءات كاذبة.
وصرح كيربي بأن ادعاءات سموتريتش بأن اتفاق وقف إطلاق النار سيكون بمثابة استسلام لحماس أو أنه لا ينبغي تبادل المحتجزين بالسجناء "خاطئة تماماً"، وأضاف أن "سموتريتش يضلل الجمهور الإسرائيلي".
هل سيعرقل نتنياهو المفاوضات؟
ووصل وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنياع، ومدير الشاباك رونين بار، إلى الدوحة اليوم الخميس، وإلى جانب برنياع وبار سيضمّ الوفد كبير المفاوضين في ملف الأسرى في جيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء احتياط نيتسان ألون، وأوفير فالك المستشار السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
ومن المقرر أن يلتقي مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز ومستشار الرئيس بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك اليوم في الدوحة مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومدير الموساد ديفيد برنياع ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل في الجولة الحاسمة من المفاوضات.
تزامناً مع محادثات الدوحة، يجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت" مساء الخميس، في "حفرة الكيريا" بتل أبيب برئاسة نتنياهو لبحث مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة، بحسب القناة 12 العبرية.
وتتهم المعارضة ومسؤولون أمنيون وعائلات الأسرى الإسرائيليين نتنياهو بعرقلة إبرام اتفاق خشية انهيار حكومته، إذ يهدّد وزراء اليمين المتطرف بالانسحاب منها في حال قبول صفقة تنهي الحرب.
ونقلت صحيفة "هآرتس" في تقرير اليوم الخميس، عن مصادر إسرائيلية مطلعة على المحادثات مع حماس، أنهم يشعرون بـ"تفاؤل حذر" بشأن القدرة على التقدم في الجزء الأول من المفاوضات مع حماس، استناداً إلى التفويض المحدَّث الذي منحه لهم نتنياهو الذي أجرى قبل القمة عدة مناقشات حول هذه المسألة، وعلى مدى الأيام القليلة الماضية تَوصَّل الفريق الإسرائيلي إلى حلول ممكنة لما يُسَمَّى "الخطوط الحمراء" التي ذكرها نتنياهو، فضلاً عن قضايا أخرى لم يتفق الجانبان عليها بعد.
وكان نتنياهو في يوليو/تموز الماضي حدد 4 "خطوط حمراء" للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، أولها أن تسمح أي صفقة لإسرائيل باستئناف القتال حتى تحقيق جميع أهداف الحرب، بحسب بيان صدر عن مكتبه.
أما الخط الثاني، وفق البيان، فهو "منع تهريب الأسلحة إلى حماس من مصر عبر الحدود"، والثالث هو "رفض عودة آلاف المسلحين إلى شمال قطاع غزة"، أما الرابع والأخير فهو "عمل إسرائيل على تعظيم عدد المحتجزين الأحياء الذين سيُطلَق سراحهم من أسر حماس".
وانتقد حينها زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد ومحللون إسرائيليون هذه الشروط، معتبرين إياها "محاولة لتخريب المفاوضات".
وفي وقت سابق اليوم الخميس ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك اللوم مجدداً على نتنياهو في فشل المفاوضات حتى الساعة، قائلاً لإذاعة جيش الاحتلال: "أتوقع أن يطلب فريق التفاوض من نتنياهو رفع القرارات إلى مجلس الوزراء، هذه هي بنية النظام في إسرائيل. يجب عدم السماح له باتخاذ جميع القرارات بنفسه، فهو غير مخوَّل ذلك".
ووفق صحيفة هآرتس فإنه "على الرغم من أنه من غير الواضح لإسرائيل والوسطاء ما إذا كان نتنياهو وزعيم حماس يحيى السنوار على استعداد للتحلي بالمرونة بشأن القضايا الرئيسية التي من شأنها أن تؤدي إلى اتفاق بين الجانبين، تعتقد المصادر الإسرائيلية أن نتنياهو لن يرغب في حدوث خلاف مع إدارة بايدن في الجزء الأول من القمة. وبدلاً من ذلك ستفضّل إسرائيل معرفة ما إذا كانت حماس جادة بشأن المحادثات".
وقال مصدر إسرائيلي رفيع المستوى مساء الأربعاء لهآرتس، إن نتنياهو "يصر على أن يحتفظ الجيش الإسرائيلي بوجوده على محور فيلادلفيا (صلاح الدين)" على الحدود بين غزة ومصر، وشرط آخر نقلته هيئة البثّ العبرية الرسمية هو تفتيش النازحين العائدين من جنوب القطاع إلى شماله، فيما أبدت الولايات المتحدة والوسطاء الآخرون استعدادهم للمساعدة في سد الفجوات بين النقاط المتنازع عليها.
في المقابل تتمسك حماس بإنهاء الحرب، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، وحرية عودة النازحين إلى مناطقهم، ضمن أي اتفاق لتبادل أسرى.
ضغوط عائلات المحتجزين
وطالبت عائلات المحتجزين الإسرائيليين اليوم الخميس، الوفد الإسرائيلي إلى مفاوضات الدوحة بالتوصل إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية، وقالت عبر منصة إكس: "نداؤنا معاً لفريق التفاوض: تَحرَّكوا حتى يتصاعد الدخان الأبيض في القمة (التوصل إلى اتفاق). لا تتوقفوا حتى تُغلَق الصفقة".
وكان ضمن تَجمُّع المتظاهرين الإسرائيليين أفراد عائلات الإسرائيليين المحتجزين، خارج مقر حزب الليكود في تل أبيب أمس الأربعاء مطالبين باتفاقية بشأن المحتجزين.
كما دعت مجموعة تضمّ أكثر من 100 حاخام في الولايات المتحدة، نتنياهو "عاجلاً" إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، قائلين إنه "لا يمكننا أن نبدأ التعافي كشعب يهودي في إسرائيل وفي الشتات العالمي حتى يعود إخواننا وأخواتنا إلى ديارهم".
في غضون ذلك يستمر الاحتلال في ارتكاب مزيد من المجازر في قطاع غزة مع تجاوز حصيلة الشهداء 40 ألفاً، فيما اعتبرت صحيفة "هآرتس" العبرية في تحقيق لها نُشر أمس الأربعاء أن الحرب الإسرائيلية على القطاع تقع ضمن أكثر الحروب دموية منذ بداية القرن، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل كثيراً من الفلسطينيين في المناطق التي سبق وأعلن أنها "آمنة".