وبدأت الأزمة بالتصاعد داخلياً مع وصول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى محطات مفصلية تستوجب اتخاذ قرارات استراتيجية يُحجم رئيس الوزراء نتنياهو عنها، كقضية اليوم التالي للحرب وصفقة التبادل، واستمرار الحرب من عدمه.
وأمهل شريك نتنياهو في مجلس الحرب بيني غانتس مساء 25 مايو/أيار الماضي في مؤتمر صحفي رئيس الوزراء حتى يوم الثامن من يونيو/حزيران للبت في مجموعة من القضايا، وتقدّم حزبه كذلك بمشروع قانون لحل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة.
وانضمّ عضو المجلس الحربي غادي إيزنكوت إلى حالة الهجوم على نتنياهو التي امتدت إلى اجتماع قادة المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، وأفيغدور ليبرمان، وجدعون ساعر وكان إسقاط رئيس الوزراء على رأس أولوياتهم.
تهديدات غانتس
نجح نتنياهو في الأسبوع الأول من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بضم كل من بيني غانتس وغادي إيزنكوت إلى حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل مجلس حرب ضم الثلاثة السابقين إلى جوار وزير الشؤون الاستراتيجية روني ديرمر.
ويرى الباحث والكاتب في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن "انسحاب غانتس سوف يضع الحكومة في مأزق، صحيح أنها ستكون مستقرة من حيث العدد بوجود 64 مقعداً في الكنيست لكنها ستعاني من مشكلة الشرعية الشعبية والدولية وكونها منبوذة، هذا سوف يضعها في معضلة".
ويضيف في حديثه لـTRT عربي أنها "ستواجه أزمة في علاقتها مع الولايات المتحدة والعالم، وأعتقد أن حالة من الهيجان الكبير سوف تحدث في الشارع ضدها".
ويشير المتابع والكاتب في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني صلاح العواودة إلى أن "نتنياهو أجاد اللعب السياسي واستطاع أن يستغل غانتس إيزنكوت في فترة الأزمة والحرب، والآن يمكنه الاستغناء عنه، وانسحابه لا يمكنه أن يعجّل من إسقاط الحكومة، لكن يعيد الأزمة إلى شكلها الذي كان قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو تحالف معارضة واسع ضد نتنياهو".
فيما يعتقد الدكتور مأمون أبو عامر المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي أن غانتس سوف يتعرض لخسارة جراء عملية انسحابه من الحكومة وتحديداً خسارة "وجوده ودوره"، يوجد دعم لبني غانتس باعتباره شريكاً وطنياً وأنه يتحمل مسؤولية وطنية ولا توجد معالم واضحة لإمكانية أن يتقدم غانتس بعد الحكومة، والقاعدة الشعبية التي اكتسبها بني غانتس جاءت من خلال ثقة الجمهور الذي منحه هذه القوة بأنه يعبر عن الروح الوطنية".
اجتماع قادة المعارضة
والأربعاء، اجتمع زعماء أحزاب المعارضة الإسرائيلية لبحث وتنسيق المواقف لإسقاط نتنياهو وحكومته. وتزامن الاجتماع الذي ضمّ رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد، وزعيم "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، وزعيم حزب "يمين الدولة" جدعون ساعر، مع تهديدات غانتس وانتقادات إيزنكوت للحكومة.
ويرى منصور أن هذا الحراك يؤسس "لمرحلة جديدة، فإسرائيل أمام مفترق سياسي مهم، الحرب تقترب من نهايتها بخاصة بعد رفح، توجد استحقاقات سياسية يتهرب منها نتنياهو مثل الصفقة واليوم التالي للحرب، والسلطة والعلاقة مع أمريكا، لذلك المعارضة تهيئ نفسها لمرحلة جديدة تضع فيها برنامجاً سياسياً ورؤية تواجه بها نتنياهو، وهذا يتطلب توحيد قوتها".
ويشير منصور إلى أن المعارضة لا تختلف كثيراً عن حكومة نتنياهو على مستوى المشاكل التي تواجهها، وعلى رأسها إجماعهم على زعيم واحد، فلا إجماع على غانتس كزعيم موحد للمعارضة، بالإضافة إلى ذلك يشير منصور إلى أزمة الرؤية التي تعاني منها هذه الأحزاب، فهي لا تختلف كثيراً عن ما يطرحه نتنياهو في قضية الحرب وحتى في اليوم التالي، صحيح يوجد تفاوت لكنه غير جذري"
ويعتقد الدكتور مأمون أبو عامر في حديث له مع TRT عربي أن اجتماع زعماء المعارضة لن يكون ذا تأثير كبير على الحكومة فـ"تكتل الحكومة متماسك" ولا تملك المعارضة القوة الكافية لحل الكنيست.
الحراك الشعبي
تقود عائلات المحتجزين الاسرائيليين حراكاً شعبياً ضاغطاً على الحكومة من أجل إبرام صفقة تبادل، وإجبار الحكومة على وضع استعادة الأسرى كأولوية. إذ تعزّز حراك أهالي المحتجزين بعد نشر فيديو يُظهر لحظة اعتقال المجندات الإسرائيليات في موقع ناحال عوز خلال هجوم السابع من أكتوبر/تشوين الأول.
ويرى العواودة أن قضايا الحرب والمحتجزين ستكون أهم قضايا المناكفة الداخلية ما بين الأحزاب الإسرائيلية، لكنه يؤكد أن احتمال تطور هذه الاحتجاجات "بشكل كبير يضغط على الحكومة للاستقالة احتمال ضعيف، فنحن لا نتحدث عن فترة بداية الثمانينيات عندما كان كل من اليسار واليمين ليبرالياً وبدون فكر متطرف وبدون خلفيات دينية، اليوم الحكومة يقودها يمين متطرف، ورئيس حكومة فاسد مصلحته فوق الدولة بشهادة العالم كله، لذلك من الصعب رؤية حكومة تسقط بسبب الاحتجاجات في الشارع".
ويتفق الدكتور مأمون أبو عامر مع هذا الطرح ويشير إلى أن المعارضة بحاجة إلى حشد أقوى وأكبر من شرائح المجتمع الإسرائيلي، فلم تصل الحركة الاحتجاجية بعد إلى كتلة حرجة تمكّنها من الضغط على الحكومة على غرار ما جرى عام 1982 عندما اجتمع ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي للضغط على الحكومة، فيما لم تنجح في الوقت الحالي "المعارضة وتحديداً ذوي المحتجزين في حشد الشارع من أجل الضغط على نتنياهو لتغيير سياساته أو الدعوة إلى انتخابات والاستقالة."
ولأول مرة منذ بداية الحرب يُظهر نتنياهو تقدماً في استطلاعات الرأي، بعد أن نشرت القناة 12 الإسرائيلية نتائج استطلاعها الذي أظهر أن 36% من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو أنسب لرئاسة الوزراء من غانتس الذي حصل على 30% من الأصوات.
ويُرجع عصمت منصور تقدم نتنياهو إلى "طلب اعتقاله من المحكمة الدولية، وشعاراته الدائمة بحديثه المستمر عن المواجهة والنصر، هذا وحّد اليمين خلفه وأعاد له القوة في الشارع".
ولا يستبعد منصور أن ذلك يرجع إلى "ضعف غانتس وعدم وضوح خطابه فهو يكرر ما يقوله نتنياهو ولم يميز نفسه عنه، وهذا أضعفه كثيراً".
مستقبل الحرب على غزة
تحتل الحرب والقضايا المرتبطة بها، كاليوم التالي وصفقة التبادل، وشكل استمرارها موقعاً مركزياً في النقاش الإسرائيلي الداخلي، بخاصة مع استمرار حراك أهالي المحتجزين، وزيادة عدد الإصابات في الجيش الإسرائيلي.
ويرى عصمت منصور أن "كل شيء يتأثر في حال جرت انتخابات في إسرائيل أو ارتفعت وتيرة حالة استقطاب حادة في الشارع، فذلك ينعكس على حافزية الجيش للقتال". وهذا ما يشير إليه الدكتور أبو عامر الذي يعتقد أن تحقيق الجيش مزيداً من الأهداف يعطي نتنياهو مبرراً لاستمرار الحرب، والعكس صحيح بأن استعصاء الحملة العسكرية وعجزها عن تحقيق أهدافها يؤدي إلى اتجاه المشهد السياسي نحو مزيد من التعقيد لنتنياهو وحكومته.
اما صلاح العواودة فيعتقد أن "المسائل الأمنية في إسرائيل ليست مرتبطة برئيس للوزراء، وإنما المؤسسة الأمنية هي التي تقرر وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الأمر"
ويضيف أن "رئيس الأركان مع رؤساء المؤسسة الأمنية ووزير الدفاع أثقل بكثير من رئيس الوزراء، بالتالي مسألة الحرب على غزة مسألة أمن قومي والمتوقع هو استمرار الحرب سواء بقي نتنياهو أو لم يبقَ".