أشار العديد من التقارير في الآونة الأخيرة إلى خلافات طفت على السطح بين قوات فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، على إثرها أعلن قائد فاغنر "يفغيني بريغوجين" في 5 مايو/أيار الحالي عن أن مقاتليه مضطرون إلى الانسحاب من جبهة باخموت في إقليم دونيتسك الأوكراني، بحلول 10 مايو/أيار الجاري، وذلك بسبب عدم قيام وزارة الدفاع بتزويده بالذخائر اللازمة.
وعلى الرغم من تراجع قائد فاغنر بعد يومين عن تهديده بالانسحاب من باخموت، وتأكيده بأنه تلقى وعوداً من وزارة الدفاع الروسية بتزويده بالذخائر اللازمة، فإن تصريحاته السابقة وفق ما يرى مراقبون قد كشفت عن تفكك في العلاقة بين القوى العسكرية الروسية المنخرطة في معارك أوكرانيا، مع مؤشرات على خلافات داخل الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لا تعد هذه المرة الأولى التي يشتكي فيها بريغوجين من سلوك كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان الروسيان بالتقصير، إذ سبق واتهمهما في فبراير/شباط الماضي بارتكاب أفعال ترقى إلى الخيانة، هدفها تدمير قوات فاغنر.
جذور الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع
تُصنف قوات فاغنر، وفق العديد من الخبراء، على أنها ذراع فلاديمير بوتين الضاربة خارج الحدود الروسية، والعلاقة بين قائدها بريغوجين و الرئيس بوتين تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما كان الأخير عمدة مدينة سان بطرسبرغ حيث وُلد الشخصان.
ونتيجة هذه العلاقة الخاصة بين بريغوجين وبوتين، فقد حظيت قوات فاغنر منذ تأسيسها وظهور نشاطها بشبه جزيرة القرم عام 2014 بثقة الكرملين وتمتعت بوضع خاص داخل أروقته، الأمر الذي أثار فيما يبدو خلافات بين زعيم فاغنر، وجنرالات الروس، وعلى رأسهم سيرغي شويغو وزير الدفاع، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، وأذكى صراعاً على النفوذ، وفق ما يرى العديد من الخبراء.
ويستدل الأكاديمي والخبير بالشأن الروسي محمود الحمزة على حظوة قوات فاغنر وقائدها لدى الرئيس الروسي، بالدور الخارجي الممنوح لتلك القوات عسكرياً واقتصادياً.
ويضيف الحمزة في تصريح لـTRT عربي أن المخابرات العسكرية الروسية الموالية لبوتين هي من تشرف على قوات فاغنر، ولديها انتشار في مناطق إستراتيجية بالنسبة إلى القيادة الروسية. وقد أتيح لهذه القوات التنقيب عن الثروات والمعادن الثمينة في السودان وليبيا وسوريا. ويضيف "كما تلعب قوات فاغنر دوراً أمنياً من خلال حماية رجال أعمال وشركات روسية تشرف على حقول للنفط في ليبيا وفنزويلا وغيرها مقابل حصة من العائدات".
ويرى الحمزة وجود استياء من فاغنر في أوساط قيادتي الأمن والجيش الروسيين، نظراً إلى تنامي نفوذها، بخاصة أن ضباط الأمن والجيش ينظران إلى بريغوجين على أنه "مجرم وصاحب سوابق، كونه دخل السجن لعدة سنوات سابقاً".
وأشار الحمزة إلى سبب آخر من أسباب تصعيد قائد فاغنر ضد وزير الدفاع ورئيس الأركان، ويتمثل بمحاولة الشخصين"عرقلة عمليات التجنيد في فاغنر، والتي تعتمد بدرجة أساسية على سجناء وأصحاب سوابق، يجري استصدار قرار عفو عنهم مقابل القتال في أوكرانيا".
وحسب الحمزة فإن الصراع بين قائد فاغنر ورئيس الشيشان قاديروف من جهة، وقادة الجيش الروسي من جهة أخرى، بدأ منذ سبتمبر/أيلول 2022 عندما هاجم قاديروف القوات الروسية ووزارة الدفاع بعد فقدان مناطق إستراتيجية في خاركييف شرق أوكرانيا، إذ ضغط بعدها كل من بريغوجين وقاديروف على بوتين لاستصدار قرار تعيين الجنرال الروسي سيرجي سوروفيكين قائداً عاماً للعمليات في أوكرانيا.
ويستطرد حمزة بالقول "لكن الجيش الروسي استخدم نفوذه واستفاد من عدم تحقيق سوروفيكين تقدم يُذكر، واستطاع فرض تعيين رئيس هيئة الأركان غيراسيموف قائداً لعمليات أوكرانيا في يناير/كانون الثاني 2023، ومنذ ذلك الحين عمد قائد العمليات الجديد للتضييق على فاغنر في أوكرانيا".
ويعتقد فراس بورزان الباحث في شؤون دول أوراسيا، وجود خلافات داخل الطبقة المسماة "أصحاب القوة" ضمن روسيا، وهم الدائرة الضيقة المحيطة ببوتين، حيث يعتبر تصعيد قائد فاغنر ضد قادة الجيش الروسي امتداداً للخلافات ضمن طبقة "أصحاب القوة".
وأفاد بورزان لموقع TRT عربي، بأن "هجوم بريغوجين على وزير الدفاع الروسي ورئيس هيئة أركان الجيش، يهدف إلى إعادة التوازنات داخل الحلقة المحيطة ببوتين، إذ يدير التصعيد ضد الجيش من الخلف يرجل يدعى يوري كافالشوك المسؤول عن إدارة ثروة بوتين، ولديه تأثير كبير على قائد قوات فاغنر".
ولم يستبعد بورزان وجود ضوء أخضر من بوتين للهجوم الإعلامي الذي يشنه بريغوجين على قيادات الجيش الروسي، والهدف المحتمل لذلك "هو رغبة الرئيس الروسي بتأديب الجيش بشكل مستمر وعدم ترك المجال أمامه لاستعادة دوره في الحياة العامة، مستفيداً من أوضاع الحرب الراهنة".
أثر الخلافات على سير المعارك في أوكرانيا
رجح الباحث فراس بورزان عدم حدوث تأثير كبير نتيجة لخلافات الحالية بين قوات فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، والسبب هو عدم الاعتماد المطلق على فاغنر في المعارك، وبخاصة في الجبهات الحساسة.
وأضاف بورزان أن "فاغنر موجودة بشكل أكبر في الجبهات التي لها صدى إعلامي مثل باخموت، لكن الجبهات المؤثرة والإستراتيجية كما هو الحال في الجبهة الشرقية الممتدة حتى خاركييف، ينتشر فيها الجيش الروسي، والأمر ذاته ينطبق على خيرسون في الجنوب".
وحسب المعلومات المتوفرة لدى الباحث، فإن الجيش الروسي "لديه خطة بديلة في حال انسحبت فاغنر من باخموت، وسيلجأ إلى نشر وحدات من الفوج 155 بدلاً عنها".
ويرى بورزان أن "بوتين قادر على إدارة هذا الصراع في النهاية، المتعلق بتوزيع النفوذ ضمن دائرة القرار، وحصة الشخصيات النافذة من عائدات عقود المقاولات والثروات التي تتحكم بها روسيا في الخارج، أكثر من كونه ميدانياً وعسكرياً".
من جهته أشار الأكاديمي محمود الحمزة، إلى أن "الجيش الروسي قلص الاعتماد على قوات فاغنر، منذ تولي رئيس الأركان غيراسيموف قيادة العمليات في أوكرانيا، بسبب الخلافات بين الجانبين"، وأضاف أن "وزارة الدفاع قطعت خلال الأشهر الماضية الطريق على تجنيد فاغنر للسجناء وأصحاب السوابق، وأخذت بتطوعيهم للمشاركة بجبهات القتال بدلاً من ترك المجال لذلك أمام فاغنر".
وأفاد الحمزة بأن "الجيش الروسي يعتمد على استخدام الأسلحة الفتاكة أكثر من المواجهات البرية المباشرة، بهدف إدارة حالة الاستنزاف التي يتعرض لها، والمرجح أن يستمر في هذه الإستراتيجية".
وكان معهد واشنطن لدراسات الحرب قد أصدر في مارس/آذار الماضي دراسة تحليلية، تحدث فيها عن إعطاء وزارة الدفاع الروسية أولوية للقضاء على قوات فاغنر خلال مواجهات باخموت، والهدف هو إضعاف بريغوجين وإحباط طموحه بتحقيق المزيد من النفوذ داخل الكرملين.