كيف قلّصت إسرائيل مساحة المنطقة الآمنة طيلة شهور الحرب؟
قلص جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار الأسابيع الماضية من مساحة المنطقة الآمنة، ما أدى إلى موجات من النزوح تحت نار القصف.
قصف إسرائيل في منطقة حمد السكنية بجوار المنطقة الآمنة / صورة: Reuters (Reuters)

"استيقظنا على إطلاق النار وصوت هدير الدبابات، أخذنا ما يمكن حمله وهربنا، كنا أكثر من خمسة عشر شخصاً في الخيمة بعد نزوح أقاربي من مدينة حمد، ومع إطلاق النار هرب كل منا في سبيله" هكذا يصف محمد إبراهيم اللحظة التي اضطر فيها هو وعائلته إلى النزوح من المنطقة "الآمنة" في المواصي بعد اقتراب الاحتلال منها.

محمد إبراهيم، النازح من عزبة عبد ربه شرق مدينة جباليا يقول في حديث مع TRT عربي "بعد خروجي من البيت لم أحصِ عدد مرات نزوحي". واضطر محمد وعائلته إلى الخروج من العزبة إلى معسكر جباليا ومنه إلى مخيم المغازي في مدينة رفح ولاحقاً إلى منطقة المواصي.

حال عائلة إبراهيم كحال 1.2 مليون فلسطيني في محافظتي غزة وشمال غزة الذين وجدوا أنفسهم منذ الأسابيع الأولى تحت ضغط الاحتلال للنزوح إلى المحافظات التي تقع جنوب وادي غزة التي أعلنها الاحتلال مناطق آمنة.

اضطر الجزء الأكبر من هؤلاء النازحين للسكن في مخيمات أقيمت على عجل. ولم تسلم هذه المناطق من القصف الإسرائيلي الممنهج الذي وصل إلى استهداف النازحين خلال نزوحهم إلى المناطق الجنوبية. ولم تتوقف معاناة سكان هذه الخيام عند ما يتعرضون له من قصف بل اضطروا مجدداً إلى النزوح.

رفح مركز النزوح

مع نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته في محافظة خان يونس، التي كانت موطناً لعشرات آلاف النازحين، تلتها عمليات عسكرية في المناطق الشرقية لمحافظة الوسطى بما فيها مخيمي المغازي والبريج.

أدت هذه العمليات إلى موجات جديدة للنزوح استقبلت الجزء الأكبر منها محافظة رفح، ليتجاوز عدد النازحين فيها حاجز المليون شخص وفقاً للأمم المتحدة، إلى جوار سكانها الذين وصل عددهم وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء إلى ما يقرب من 300 ألف نسمة.

العدد الكبير من النازحين وسكان المحافظة كان على موعد مجدداً مع النزوح مع تصاعد تهديدات الاحتلال بعملية عسكرية في المحافظة، وهذا ما جرى في بداية شهر مايو/أيار عندما توغلت قوات الاحتلال في المحافظة.

رحلت عائلة محمد إبراهيم إلى المنطقة الآمنة الجديدة "بعد معاناة طويلة في البحث عن خيمة وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، كما كان علينا الانتظار لأيام قبل أن يحين دورنا في استخدام عربة لنقل الأشياء".

ومع بدء الاحتلال لعملياته في رفح أعلن منطقة آمنة جديدة، وسع فيها منطقة المواصي شمالاً حتى محافظة دير البلح وشرقاً حتى شارع صلاح الدين، فيما ظل الجزء الأكبر من محافظة خان يونس خارج المنطقة الآمنة وكذلك المناطق الشرقية من محافظة الوسطى، بالإضافة إلى محافظة رفح بطبيعة الحال.

لم تجرِ عملية النزوح من محافظة رفح بشكل تلقائي، بل اعتمد الاحتلال على القصف العنيف في تحريك السكان، ففي 26 مايو/أيار الماضي، قصفت قوات الاحتلال خيام النازحين شمال غرب المحافظة المكتظة بالنازحين.

حصر المواصي

في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلن الاحتلال الإسرائيلي تقسيم قطاع غزة إلى مربعات سكنية كل مربع أخذ رقماً معيناً، ادعى الاحتلال أن هدف هذا التقسيم هو تحييد المدنيين وإبعادهم عن مناطق العمليات العسكرية، عبر الإعلان مسبقاً عن المربعات التي سيجري فيها جيش الاحتلال عملياته، لكن الاحتلال حوّل هذه المربعات إلى وسيلة لزيادة فاعلية عمليات معاقبة السكان، بدفعهم بشكل متكرر إلى النزوح.

وفي الأسبوع الأول من شهر مايو حدد الاحتلال خارطة المنطقة "الآمنة"، وبدء السكان وفقاً لذلك بالتوافد إليها والاستقرار في حدودها، و عانوا خلال هذا الوقت من صعوبة الحصول على مكان لنصب خيامهم في منطقة زراعية غير مؤهلة لهذا القدر من النازحين.

المنطقة الآمنة في شهر مايو/أيار بعد أن جرى توسيعها بعد عملية رفح (وسائل التواصل الاجتماعي)

يقول محمد "بعد وصولنا إلى المواصي حاولنا تسيير الحياة بالمستطاع، مددنا خطاً للمياه، وبنينا حماماً من المواد المتوفرة".

لكن جيش الاحتلال لم يمهل النازحين الكثير، فبدأ بتقليص هذه المساحة بشكل تدريجي، ففي الأول من يوليو/تموز الماضي أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال عن إخلاء جميع المناطق التي تقع شرق المنطقة الآمنة التي حددها مسبقاً، لتصبح المنطقة محاطة بجيش الاحتلال من الجنوب حيث ينتشر في رفح ومن الشرق حيث ينتشر في خان يونس.

المنطقة الآمنة بعد أن جرى تقليصها في 22 يوليو/تموز تموز الماضي (وسائل التواصل الاجتماعي)

وفي الثاني والعشرين من يوليو/تموز الماضي، أعلن جيش الاحتلال للمرة الأولى تقليص مساحة المنطقة الآمنة، عندما قام بتحويل جزء من المنطقة الشرقية للمنطقة الآمنة إلى منطقة خطر، وتحويل أكثر من 25 مربعاً سكنياً من وضعية الآمن إلى الخطر، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة وتقليص جديد لمساحة المنطقة الآمنة.

وفي السابع والعشرين من شهر يوليو/تموز الماضي، عاد الاحتلال ليعلن جزءاً من المناطق الجنوبية الشرقية للمنطقة الآمنة كمناطق خطرة، ما فتح موجة نزوح جديدة على طول المنطقة الآمنة ومزيداً من التقليص في مساحتها.

الاحتلال يقلص مساحة المنطقة الآمنة مجدداً في 27 يوليو/تموز تموز الماضي (وسائل التواصل الاجتماعي)

وخلال شهر أغسطس/آب الحالي قلص الاحتلال المنطقة الآمنة في مناسبتين، الأولى في 11 أغسطس/آب، عندما أخرج المربع رقم 36 من نطاق المنطقة الآمنة وصنفه منطقة خطر، وعاد في 16 أغسطس/آب ليصنف المربعين 89 و2356 ضمن نطاق المناطق الخطرة.

في هذه المرة اضطر محمد وعائلته إلى النزوح مجدداً رفقة عشرات الآلاف، خسر محمد خيمة دفعها لقائها 600 دولار، وجزءاً كبيراً من متاعه الذي حال وجود الاحتلال وتوغله في المنطقة دون الحصول عليه.

الاحتلال يقلص مساحة المنطقة الآمنة في 11 أغسطس/آب الحالي (وسائل التواصل الاجتماعي)

11٪

عملية القضم المستمرة لمربعات المنطقة الآمنة قلصت من مساحة المنطقة الآمنة 17% من مساحة قطاع غزة في الأسبوع الأخير من شهر تيوليو/موز إلى 11% من مساحة القطاع في 16 أغسطس/آب الحالي، الـ39 كليومتراً هذه تضم الآن مئات الآلاف من النازحين ما يجعل منها مكاناً مكتظاً بشكل هائل بالنازحين.

التحديث الأخير للمنطقة الآمنة بعد أن قلصها الاحتلال في 16 أغسطس/آب (وسائل التواصل الاجتماعي)

تقليص الاحتلال للمنطقة الآمنة يقف خلفه عدد من الاعتبارات حسب المراقبين، منها سياسة العقاب الجماعي بحق المواطنين الفلسطينيين، فأغلب عمليات الإجلاء تجري بعد تصاعد في عمليات المقاومة الفلسطينية. والاعتبار الأهم هو توظيف النزوح والضغط على النازحين والسكان في العملية التفاوضية.

TRT عربي