تصاعدت في الآونة الأخيرة دعوات تحريضيةٌ على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحرّكات متتالية تنادي بإسقاط الحكومة التونسية، وحل البرلمان، وتغيير النظام السياسي في البلاد، تقودها أطرافٌ سياسيةٌ لا يجمع بينها مشترك أيديولوجي أو سياسي موحدٍ، وسط تساؤلات عن غاياتها، والأطراف التي تقف وراءها، خاصّةً توقيتها المشبوه الذي يتزامن مع حرب تخوضها البلاد ضد وباء كورونا.
هذه الأطراف كوّنت خلال أقلّ من شهر ثلاثة تحرّكات متتالية طالبت جميعها بالإطاحة بالحكومة، وحلّ البرلمان، وبث الفوضى والعنف في البلاد، بدءاً بتحرّك 1 يونيو الذي قاده المحامي المعزول عماد بن حليمة (معروفٌ بدفاعه عن النظام القديم)، والذي لم يدم أكثرمن دقائق نتيجة غياب المحتجين والمناصرين.
وتحرّك 14 يونيو الذي أطلق عليه الداعون له عبر مواقع التواصل الاجتماعي حراك الإخشيدي ولم يدم أيضاً غير بعض الدقائق بسبب غياب المناصرين، وثالث الدعوات جاءت عن طريق ائتلاف الجمهورية الثالثة (ائتلاف مدني)، غير أنّها جميعها فشلت في حشد المعارضين، برغم التجييش الإعلامي الذي حظيت به في كل من مصر والإمارات.
مساعٍ حثيثة لضرب استقرار تونس
دعواتٌ قوبلت بتنديد معظم الأحزاب السياسية خاصّةً في ظلّ الظرف الحسّاس الذي تمرّ به البلاد بسبب جائحة فيروس كورونا، وما خلفته من تداعيات سلبية من الناحية الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وحذّر ناشطون سياسيون من أن تكون هذه التحرّكات مدخلاً للفوضى والعنف.
هذه التحرّكات ليس لها أيّ هدفٍ آخر غير استهداف استقرار البلاد، وتجربتها الديمقراطية وخلق فوضى لن يستفيد منها غير بقايا الاستبداد.
وقد حذّر رئيس البرلمان السابق مصطفى بن جعفر من تكرّر سيناريو 2013، الذي عاشت فيه تونس فوضى واغتيالات، تسبّبت بأزمةٍ سياسيةٍ كبيرة، بين من يدعو لاعتصام مشابه لاعتصام الرحيل وحل البرلمان، وأضاف في فيديو نشره على حسابه بموقع فيسبوك أنّ "هناك من يحضرون لإسقاط الحكومة، ويراهنون على الفوضى، ويرغبون في إعادتنا لسنوات الاستبداد"، داعياً الأحزاب والسياسيين التونسيين للتوقف عن "هذه الهستيريا والكف عن التهريج والعبث".
كما اعتبر رئيس البرلمان التونسي راشد الغنّوشي، أنّ دعوات حل البرلمان تمثل "دعوات فوضى واستقواء بالشارع، وركوب على مشكلات حقيقية"، لافتاً إلى أنّ الدستور التونسي وضع آليات محددة لحلّ البرلمان، وأنّ من يريد أن يذهب بهذا الاتجاه، عليه أن يتّبع هذه الآليات.
من جانبه، يرى النائب الأوّل لرئيس حركة النهضة علي لعريض في تصريحه لـTRT عربي، أنّ هذه "التحرّكات ليس لها أيّ هدفٍ آخر غير استهداف استقرار البلاد، وتجربتها الديمقراطية، وخلق فوضى لن يستفيد منها غير بقايا الاستبداد".
ولفت لعريّض إلى أنّ "هذه التحرّكات مدعومةٌ على الأقل إعلامياً وسياسياً من قنوات تلفزيونية، ومواقع وراءها بالتأكيد دولٌ لا ترتاح للثورة التونسية، التي شقّت طريقاً مختلفاً عن البقية، وهو الأنجح حسب تقديره، حتى الآن"، لافتاً إلى أنّ "هذه الدول، في إشارة إلى الإمارات، معارضةٌ أصلية لفكرة تأسيس الديمقراطية في البلدان العربية".
هذا وشهدت الأسابيع الأخيرة، بالتوازي، أعمالاً تخريبية تمثلت خاصة في نشوب حرائق لحقت مؤسسات وتجهيزات مادية وفضاءات غابية وفلاحية، إذ شهد محيط أحد مواقع شركة إنتاج الفوسفات بالمظيلة، في محافظة قفصة، منتصف مايو الماضي حادثة احتراق قاطرة معدّة لنقل مقطورات الفوسفات، إلى جانب حريق اندلع بنفس الفترة في مصنع مختصّ في صناعة المناديل الورقية في معتمدية النفيضة من محافظة سوسة، وامتدّ إلى عدّة مؤسسات اقتصادية أخرى مجاورة، فضلاً عن احتراق مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية، بداية يونيو الحالي في محافظات الكاف وأريانة وسليانة.
دعوات تحريضية بأيادٍ إماراتية
من جهةٍ أخرى، كشفت وسائل إعلام محلية عن إنشاء صفحة تونسية تُعالج حصرياً الشأن التونسي، وتساند علنياً حراك حلّ البرلمان، غير أنّها وبتثبت نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي فيها تبيّن أنّها تُدار من شخصين في الإمارات العربية المتحدة.
عادت أطراف تونسية حاولت كتابة الدستور خارج أسواره اليوم بتحريضٍ من بعض الدول الخارجية في مقدّمتها الإمارات التي يزعجها نجاح أي تجربةٍ ديمقراطية في الوطن العربي.
تأكيداً لذلك، اعتبر الدكتور في العلوم السياسية إبراهيم العمري في تصريحه لـTRT عربي، أنّ "أطرافاً تونسية حاولت منذ العام 2013 حلّ البرلمان، وكتابة الدستور خارج أسواره، عادت اليوم بتحريضٍ من بعض الدول الخارجية في مقدّمتها الإمارات التي يزعجها نجاح أي تجربةٍ ديمقراطية في الوطن العربي، كما أنّ بعض القوى الانقلابية في مصر دعت هذه المرّة وبشكلٍ مفضوحٍ إلى بثّ الفوضى في تونس".
وبحسب الدكتور في العلوم السياسية فإنّ "أيادي الإمارات في تونس هم بعضٌ من أطراف التيار اليساري في تونس (حزب العمال بقيادة حمّة الهمامي، وحركة مشروع تونس بقيادة محسن مرزوق) من الذين ألقت بهم الصناديق خارج قبة البرلمان، وبقايا نظام بن علي التي كانت تقتات على موائد النظام ثم وجدت نفسها خارج التاريخ، إلى جانب بعض القيادات التي تسمي نفسها مدنيةً وهي نكرة لا تاريخ لها".
ثورات مضادّة ناعمة
وتزامناً مع دعوات التظاهر وحلّ البرلمان وإسقاط الحكومة، تداولت قنوات مصرية وإماراتية بشكل لافتٍ، مقاطع فيديو تدعو للتظاهر في تونس، وتحرّض على الفوضى، معتمدة خطاباً عنيفاً يدعو لإعادة الانتخابات وحلّ حركة النهضة، ما أثار استهجان الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّ في الأمر تدخلاً في الشأن التونسي وسعياً إلى توتيره وإلى تقسيم التونسيين.
من جهته، دعا عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري (وسط يسار)، على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك السلطة العمومية التونسية إلى التحرّك ضدّ "التجاوزات الخطيرة التي يأتيها الإعلام المصري المموّل إماراتياً في حق تونس وثورتها".
أمّا الباحث في علوم الإعلام والاتصال رضا الكزدغلي فقد اعتبر في تصريحه لـTRT عربي، أنّ "التحرّكات المتتالية في تونس، تعبّر عن توافقٍ استراتيجي خارجي، له أذرعٌ إعلاميةٌ – اتصاليةٌ، وسياسية لضرب استقرار تونس".
وشدّد الكزدغلي على "وجود تحرّكات حثيثةٍ انطلق الإعداد لها، إعلامياً، منذ فترةٍ طويلةٍ، وبطريقةٍ محكمةٍ للتأثير في أذهان التونسيين للقبول بإشارات قد تصل في المرحلة المقبلة لدفعهم نحو الفتنة الداخلية، وذلك من خلال الشعارات والخطابات البرلمانية المتتالية التي تشكّك في التجربة التونسية، وفي ثورتها، وعبر برامج ومداخلات إعلامية مدروسة جيداً".
الباحث في علوم الإعلام والاتصال قال أيضاً إنّ "ما يحدث اليوم في تونس، هو نسخة مكرٍّرة من سيناريو الانقلاب المصري، الذي جرى الإعداد له إعلامياً وسياسياً وميدانياً، له على امتداد 9 أشهرٍ، وإنّه استنساخ يتكرّر بنفس الأدوات ونفس السذاجة، مستبعداً إمكانية نجاحه في تونس التي تميّزت على امتداد السنوات الماضية بوعي شعبها في الحفاظ على مكتسباته في مقدّمتها الديمقراطية".
ولفت الكزدغلي إلى أنّ "هذه التحركات التي انتهت بالفشل هي محاولة لتأهيل التونسيين نفسياً لمشاعر الإحباط والإرهاب الفكري، لفترةٍ محدّدةٍ يكونون خلالها قد وصلوا إلى مرحلة الاستعداد للنزول إلى الشارع في 14 يونيو الحالي، غير أنّهم فشلوا أيضاً في حشد مناصرين، ولم يستبعد الإعداد لمرحلةٍ لاحقةٍ قد تكون في سبتمبر.