وأدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العملية الإسرائيلية في سوريا، السبت، لاستهدافها "استقرار بلد عربي"، وذلك خلال إجرائه سلسلة من الاتصالات الدبلوماسية حول الوضع في سوريا.
وخلال لقائه مع الأمير القطري في العاصمة التركية أنقرة، الثلاثاء، أكد أردوغان أن "تركيا تقف إلى جانب شعب وإدارة سوريا للحفاظ على سلامة أراضي البلاد ووحدتها". كما صرّح بأن "تركيا تكافح التنظيمات الإرهابية كافة لحماية أمنها القومي وإنهاء حالة عدم الاستقرار في سوريا بأسرع وقت".
التأكيد على "الاستقرار" جاء كذلك في حديث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمام البرلمان التركي خلال مناقشة موازنة وزارة الخارجية التركية لعام 2025 في العاشر من الشهر الحالي. وأكد فيها أن إسرائيل "تُعرِّض المرحلة التي يقترب فيها الشعب السوري من السلام والاستقرار إلى الخطر". ولفت إلى أن الاحتلال "الذي دمَّر غزة يهدد مستقبل الأشقاء السوريين الآن".
مساعي الاحتلال الإسرائيلي لتقويض الاستقرار في سوريا أشار إليها مسؤولون إسرائيليون بصيغ عدة، منها تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي ادّعى أن قواته تعمل على تدمير وضرب "قدرات استراتيجية تهدد دولة إسرائيل".
وخلال حديث مع موقع "YNET" قال مسؤول في جيش الاحتلال الإسرائيلي إن جيشه يعمل في سوريا من خلال ثلاثة مسارات: الأول احتلال المنطقة العازلة ما بين الجولان المحتل وسوريا، والثاني استهداف الأسلحة الاستراتيجية، وأخيراً التواصل مع التنظيمات الإرهابية (PKK/YPG) والتنسيق معها تحت حجة تشكيلها "حاجزاً مهماً ضد المصالح الإيرانية".
وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن الخطوات التي اتخذها جيش الاحتلال حظيت برضا وموافقة "الأمريكيين والأوروبيين، الذين يتفهمون الحاجة إلى هذه الخطوات".
"سهم باشان"
وأطلقت حكومة الاحتلال اسم "سهم باشان" على عملياتها العسكرية في سوريا، وهو اسم مستلهَم من التوراة. ويقال في التوراة إن مَلك باشان كان اسمه "عوج"، وأصله من الرفائيين (العمالقة الكنعانيين)، وهم شعوب سامية قديمة استوطنت المنطقة منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
ويؤشر اسم العملية على طبيعة الأهداف الإسرائيلية في منطقة جنوب سوريا، التي تسعى إلى تحويلها إلى منطقة نفوذ لها لتصير منطقة عازلة مع سوريا. وفي هذا الإطار، احتلّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل المنطقة العازلة التي "يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومتراً، ويتراوح عرضها بين نحو 10 كيلومترات في الوسط و200 متر في أقصى الجنوب".
ويوجد في المنطقة، وفقاً لخريطة منشورة على موقع القوة الأممية، "عديد من القرى، أبرزها: طرنجة، وجباتا الخشب، وأوفانيا، ومدينة البعث، والحميدية، والقنيطرة، وبئر العجم، وبريقة، والأصبح، والرفيد، والصمدانية الغربية، والقحطانية".
ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فقد انتشرت الفرقة 210 التابعة لجيش الاحتلال في المنطقة التي تمركز فيها في وقت سابق نحو 1200 جندي من قوة فصل القوات التابعة للأمم المتحدة (يوندوف) والموجودة في المنطقة بموجب اتفاقية فصل القوات الموقَّعة بين سوريا وإسرائيل في جنيف السويسرية في 31 مايو/أيار 1974، وهي الاتفاقية التي ألغتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وبموجب ذلك احتلت الأراضي السورية.
وإلى جانب العمليات البرية، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي عملية قصف واسعة استهدفت مقدرات عسكرية ومدنية على طول الأراضي السورية، وأدت، وفق المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى "إلحاق أضرار جسيمة بمنظومة الدفاع الجوي السوري وتدمير أكثر من 90% من صواريخ أرض-جو الاستراتيجية التي جرى تحديد موقعها".
كما دمرت الغارات الجوية عدداً من الأهداف الاستراتيجية في البلاد ومؤسسات مدنية مثل مراكز البحوث. بالإضافة إلى ذلك، شنت البحرية الإسرائيلية هجمات على القطع البحرية السورية، ومخازن للصواريخ بحر-بحر، ومنشآت بحرية أخرى.
ما الذي يريده الاحتلال؟
للعملية العسكرية الإسرائيلية أهداف تكتيكية تحقق مكاسب ميدانية في جنوب سوريا بشكل عام وهضبة الجولان بشكل خاص، وأهداف استراتيجية تُمكِّنها من تحقيق مكاسب تتعلق بمستقبل سوريا واستقرارها.
في هذا الإطار، يشير الباحث الاستراتيجي محمد البريك، في دراسة له، إلى أن الأهداف الإسرائيلية يمكن تناولها من خلال ثلاثة مستويات: الأول تمتين الوضع الدفاعي لهضبة الجولان المحتلة من الجبهة السورية، عبر احتلال المنطقة العازلة واحتلال القسم السوري من جبل الشيخ.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي عزز من وجوده في هضبة الجولان المحتلة ونشر قوات إضافية، وأعاد تحصين عدد من المواقع العسكرية. وقالت المصادر الإسرائيلية في ذلك الوقت إن الجيش الإسرائيلي يعمل على الحيلولة دون تكرار نموذج السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الحدود السورية.
والهدف الثاني، وفقاً للباحث الاستراتيجي والعسكري، القضاء على أي تهديدات مستقبلية تصدر من الساحة السورية. ويعزز ذلك، من وجهة نظر الباحث الاستراتيجي، طبيعة الأهداف والمواقع التي هاجمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، التي ركّزت على تجريد سوريا من أسلحتها الاستراتيجية الهجومية والدفاعية، بالإضافة إلى ضرب المراكز البحثية العلمية.
وأخيراً تسعى إسرائيل، وفقاً لمحمد البريك، إلى ترسيخ صورة الهيمنة والتفوق العسكري على الساحة السورية عبر تجريدها بدايةً من ممكّناتها الاستراتيجية، خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا.
هذه الأهداف التي يسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقها في سوريا، وعلى رأسها ضرب الاستقرار فيها، قد تؤدي إلى نتائج وخيمة على دولة الاحتلال التي قد تجد نفسها متورطة في مواجهة عسكرية مفتوحة في الساحة السورية.