شركاء في الإبادة.. كيف دعمت شركات التقنية الغربية جيش الاحتلال في غزة؟
كشف تحقيق جديد لوكالة "أسوشيتد برس"، الثلاثاء، عن أن شركات تقنية غربية كبرى ساعدت جيش الاحتلال الإسرائيلي على استخدام تقنيات الذكاء الصناعي التي خلَّفت آلاف الشهداء والجرحى في صفوف الشعب الفلسطيني في غزة.
عمل عمالقة التكنولوجيا الأمريكية بهدوء على تمكين إسرائيل من تنفيذ عملية الإبادة في غزة / صورة: AFP (AFP)

واستند التحقيق الجديد إلى مقابلات مع ستة أعضاء حاليين وسابقين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم ثلاثة ضباط احتياط في الاستخبارات، و14 موظفاً حالياً وسابقاً في شركات مايكروسوفت وأوبن إيه آي وغوغل وأمازون.

كشف التحقيق عن أن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي تقنيات الذكاء الصناعي من مايكروسوفت وأوبن إيه آي، ارتفع بشكل حاد في مارس/آذار الماضي، ليصل إلى ما يقرب من 200 ضعف، مقارنةً بما كان عليه قبل الأسبوع الذي سبق عملية طوفان الأقصى.

واضاف التحقيق أن كمية البيانات التي خزَّنها الاحتلال على خوادم مايكروسوفت تضاعفت بين ذلك الوقت ويوليو/تموز 2024 لتتجاوز 13.6 بيتابايت، وهو ما يعادل تقريباً 350 ضعف حجم الذاكرة الرقمية المطلوبة لتخزين كل كتاب في مكتبة الكونغرس. كما ارتفع استخدام جيش الاحتلال البنية التحتية الضخمة من خوادم مايكروسوفت للحوسبة السحابية بنسبة تقترب من الثُّلثين خلال الشهرين الأولين من الحرب فقط.

وتُظهر الوثائق والبيانات أن نماذج الذكاء الصناعي المتقدمة تُوفر عبر شركة OpenAI، صانعة ChatGPT، من خلال منصة Azure السحابية التابعة لمايكروسوفت، إذ اشتراها جيش الاحتلال.

وتقدم شركتا غوغل وأمازون خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الصناعي لجيش الاحتلال الإسرائيلي بموجب "مشروع نيمبوس"، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار جرى توقيعه في عام 2021.

كما استخدم جيش الاحتلال مراكز بيانات من سيسكو (Cisco) وديل (Dell). وتوفر Red Hat، وهي شركة تابعة مستقلة لشركة IBM، تقنيات الحوسبة السحابية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في حين أن Palantir Technologies، الشريك الدفاعي لمايكروسوفت في العقود العسكرية الأمريكية، لديها "شراكة استراتيجية" لتزويد الاحتلال بأنظمة الذكاء الصناعي لدعم جهودها الحربية.

استخدام الذكاء الصناعي في العمليات العسكرية

ووفقاً للتحقيق، يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي منصة "مايكروسوفت Azure" لتجميع المعلومات التي جُمعت عبر المراقبة الجماعية، إذ يجري نسخها وترجمتها، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والمقاطع الصوتية، وفقاً لضابط استخبارات إسرائيلي يعمل مع هذه الأنظمة. بعد ذلك، يمكن مقارنة البيانات مع أنظمة الاستهداف الداخلية في الاحتلال، والعكس بالعكس.

وأظهرت بيانات مايكروسوفت التي راجعتها "أسوشيتد برس" أنه منذ السابع أكتوبر/تشرين الأول، اعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي في استهدافاته بشكل كبير على أدوات النسخ والترجمة ونماذج OpenAI، على الرغم من أن البيانات لم تحدد أي النماذج جرى استخدامها بالضبط. ومن المعروف أن نماذج الذكاء الصناعي المستخدمة في الترجمة والنسخ تعمل بشكل أفضل باللغة الإنجليزية.

وأقرت OpenAI بأن نموذج الترجمة الخاص بها Whisper، الذي يمكنه النسخ والترجمة بعدة لغات، بما في ذلك العربية، قد يولِّد نصوصاً غير دقيقة، بما في ذلك إضافة تعليقات عنصرية أو خطابات تحريضية عنيفة، ما ينجم عنه بيانات خاطئة.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن أي مكالمة هاتفية تُترجم من العربية أو أي معلومات استخبارية تُستخدم في تحديد الأهداف يجب أن يراجعها ضابط يتحدث العربية.

لكن ضباط جيش الاحتلال الذين عملوا مع أنظمة الاستهداف والخبراء التقنيين أكدوا أن الأخطاء لا تزال تحدث بسبب عدة عوامل متعلقة بالذكاء الصناعي. وذكر أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيليين أنه شاهد أخطاء في عمليات الاستهداف استندت إلى ترجمات آلية خاطئة من العربية إلى العبرية.

إن الكلمة العربية التي تصف قبضة أنبوب الإطلاق للقذائف الصاروخية هي نفس كلمة "الدفع". وفي إحدى الحالات، ترجمتها الآلة بشكل خاطئ، ولم يلحظ الشخص الذي كان يتحقق من الترجمة الخطأ في البداية، كما قال، وهو ما كان من الممكن أن يضيف أشخاصاً يتحدثون عن الدفع إلى قوائم الأهداف. وقال إن ضابط الاحتلال كان هناك بالصدفة واكتشف المشكلة.

وعلى سبيل المثال، قال ضابط استخباراتي آخر إن النظام أخطأ في التعرف على قائمة طلاب ثانوية وعرَّفهم على أنهم مقاتلون محتملون. بعد أن استند إلى ملف إكسل كان يحمل عنوان "Finals" (الامتحانات النهائية) باللغة العربية، واحتوى على أسماء أكثر من 1000 طالب في إحدى مناطق غزة.

قال ضابط في جيش الاحتلال إن هذه كانت القطعة الوحيدة من "الأدلة المزعومة" المرتبطة بهؤلاء الأفراد، ولو لم يكتشف الخطأ، لكان يمكن إدراج هؤلاء الفلسطينيين خطأً ضمن قوائم الأهداف.

وأضاف أنه قلق من أن الضباط الشباب، الذين لا يزال بعضهم دون سن العشرين، قد يتسرعون في اتخاذ قرارات تحت الضغط للعثور على أهداف بسرعة بمساعدة الذكاء الصناعي.

وقال جندي آخر في جيش الاحتلال عمل مع أنظمة الاستهداف إن الذكاء الصناعي وحده يمكن أن يقود إلى استنتاجات خاطئة.

على سبيل المثال، قد يحدد الذكاء الصناعي منزلاً مملوكاً لشخص مرتبط بحماس لكنه لا يعيش فيه. قبل تنفيذ الضربة، يجب على البشر التأكد من هوية الأشخاص الموجودين بالفعل في المكان.

تال ممران، الذي خدم لمدة 10 سنوات ضابطاً قانونياً احتياطياً في جيش الاحتلال الإسرائيلي وشارك في ثلاث مجموعات عمل تابعة للناتو حول استخدام التقنيات الجديدة، بما في ذلك الذكاء الصناعي في الحروب، قال إنه في الماضي كان الأمر يتطلب فريقاً من 20 شخصاً أو أكثر لمراجعة والموافقة على ضربة جوية واحدة خلال يوم أو أكثر، أما الآن، فمع أنظمة الذكاء الصناعي، يوافق جيش الاحتلال الإسرائيلي على مئات الضربات أسبوعياً.

قال ممران إن الاعتماد المفرط على الذكاء الصناعي يمكن أن يعزز التحيزات الموجودة مسبقاً، مشيراً إلى أن "التحيز التأكيدي قد يمنع الناس من التحقيق بأنفسهم".

وأضاف: "قد يكون البعض كسالى، لكن البعض الآخر قد يخشى معارضة الذكاء الصناعي ومواجهة الخطأ وتحمل العواقب".

روابط عميقة

من بين شركات التكنولوجيا الأمريكية، تمتلك مايكروسوفت علاقة وثيقة بشكل خاص مع جيش الاحتلال الإسرائيلي تمتد لعقود، تعززت هذه العلاقة، إلى جانب شراكات مع شركات تكنولوجيا أخرى، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ووفقاً لعرض قدمته العام الماضي أكبر مسؤولة في تكنولوجيا المعلومات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي أثناء حديثها عن كيف وفَّر الذكاء الصناعي لإسرائيل "فاعلية تشغيلية كبيرة للغاية" في غزة، ظهرت شعارات مايكروسوفت أزور، وغوغل كلاود، وأمازون ويب سيرفيسز على شاشة كبيرة خلفها.

ووقَّعت شركة مايكروسوفت مع وزارة الدفاع الإسرائيلية عقداً لمدة ثلاث سنوات في عام 2021، بقيمة 133 مليون دولار، ما جعل إسرائيل ثاني أكبر عميل عسكري لمايكروسوفت على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة، وفقاً لوثيقة راجعتها "أسوشيتد برس".

ويُصنَّف جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل مايكروسوفت على أنه عميل "S500"، وهو تصنيف مخصص لأهم العملاء العالميين الذين يحصلون على أولوية قصوى.

تشمل اتفاقيات الخدمة بين مايكروسوفت والجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 635 اشتراكاً فردياً مسجَّلة تحت وحدات عسكرية وقواعد ومشاريع محددة. ومن بين الأسماء التي راجعتها "أسوشيتد برس" كانت هناك اشتراكات تحمل أسماء "مامرام" و"8200"، وهي وحدة استخبارات نخبوية معروفة بقدراتها التكنولوجية المتقدمة.

في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد نحو أسبوعين من "طوفان الأقصى" تقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي بطلب دعم عاجل إلى Azure لتأجيل عمليات الصيانة المجدولة لبقية العام بسبب الحرب، مشيراً إلى أن أي توقف في الخدمة قد يؤثر بشكل مباشر على "أنظمة إنقاذ الحياة".

صُنف الطلب على أنه قادم من "غليلوت – 8200" وهي قاعدة عسكرية شديدة الحراسة تضم وحدة 8200 المسؤولة عن العمليات السرية، وجمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية، وفك الشفرات، والحرب السيبرانية، والمراقبة.

تُظهر السجلات أن فريق دعم Azure العالمي في مايكروسوفت استجاب لنحو 130 طلب دعم مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر العشرة الأولى من الحرب. كما أن وحدة الخدمات الاستشارية التابعة لمايكروسوفت عملت عن قرب مع جيش الاحتلال الذي شكَّل 50% من إجمالي إيرادات هذا القسم، وفق وثيقة داخلية.

داخل إسرائيل، يوجد فريق مخصص من 9 موظفين على الأقل من مايكروسوفت يعملون حصرياً لخدمة حساب جيش الاحتلال الإسرائيلي. ومن بينهم مسؤول تنفيذي كبير خدم 14 عاماً في وحدة 8200، بالإضافة إلى قائد سابق لتكنولوجيا المعلومات في الاستخبارات العسكرية، وفق سيَرهم الذاتية المنشورة عبر الإنترنت.

تُخزَّن بيانات مايكروسوفت في خوادم ضخمة في مبنيين خارج تل أبيب، تحيط بهما جدران عالية وأسلاك شائكة. كما تدير مايكروسوفت حرماً تقنياً بمساحة 46 ألف متر مربع في هرتسيليا شمالي تل أبيب، ومكتباً آخر في جاف يام جنوبي إسرائيل، حيث رُفع علم إسرائيلي كبير.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، فصلت مايكروسوفت موظفَين اثنين بسبب مساعدتهما في تنظيم وقفة احتجاجية غير مصرح بها خلال استراحة الغداء لدعم اللاجئين الفلسطينيين في مقرها الرئيسي في ريدموند، واشنطن. وصرحت مايكروسوفت آنذاك بأنها أنهت توظيف بعض الأشخاص "وفقاً لسياستها الداخلية"، لكنها رفضت تقديم تفاصيل إضافية.

حسام نصر، أحد الموظفين الذين فُصلوا، ويعمل مع مجموعة "لا لـAzure لدعم الفصل العنصري" (No Azure for Apartheid)، قال إنه وزملاء سابقين يضغطون على مايكروسوفت لوقف بيع خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الصناعي للجيش الإسرائيلي.

وقال نصر: "الحوسبة السحابية والذكاء الصناعي هما القنابل والرصاص في القرن الحادي والعشرين. مايكروسوفت تزوِّد الجيش الإسرائيلي بأسلحة رقمية لقتل وتشويه وتهجير الفلسطينيين، في أكبر مأساة أخلاقية في عصرنا".

في أوائل 2021، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي "Gospel"، وهو أداة ذكاء صناعي تفرز كميات هائلة من البيانات الرقمية الإسرائيلية لاقتراح أهداف للهجمات المحتملة. كما طوَّر جيش الاحتلال الإسرائيلي نظام "Lavender"، وهو نظام تعلُّم آلي يصفي البيانات الاستخباراتية وفق معايير محددة لإنشاء قوائم بالأهداف المحتملة، بما في ذلك الأشخاص.

يصنف نظام Lavender الأفراد بين 0 و100 بناءً على احتمالية أن يكونوا مقاتلين، وفق ضابط استخباراتي استخدم النظام. وأوضح أن التصنيف يعتمد على معلومات استخباراتية، مثل شجرة العائلة (على سبيل المثال، إذا كان والد الشخص مقاتلاً معروفاً وسُجن سابقاً)، بالإضافة إلى المكالمات الهاتفية التي جرى اعتراضها.

في مايو/أيار 2021، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة قصف استمرت 11 يوماً على قطاع غزة، وصفها مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية بأنها "أول حرب ذكاء صناعي".

في ذلك الوقت، قال المسؤولون العسكريون الإسرائيليون إن الذكاء الصناعي عَمِلَ "مضاعفَ قوة"، ما أتاح لهم تنفيذ عدد أكبر بكثير من الضربات الجوية مقارنةً بالحروب السابقة.

TRT عربي - وكالات