"يُفسَّر شح الزيت الحاصل، بدرجة أولى، بقدوم شهر رمضان، إذ يستخدمه المسلمون بكثرة في تحضير الكعك التقليدي الذي يتناولونه على الإفطار". هكذا فسَّر ريبورتاج تليفزيوني بثَّته قناة BFMTV الفرنسية النقص الحادّ الذي تعرفه متاجر البلاد من زيت دوار الشمس. وعوض أن تتوجَّه إلى السبب الرئيسي الكامن في الحرب في أوكرانيا، إحدى كبار الموردين العالميين لحبوب دوار الشمس، وتضرُّر سلاسل توريده، فضَّلَت أن تضع القضية في قالب عنصري، متوجهة إلى المسلمين باللوم.
في نفس السياق وجَّه فانسون هيرفوي، رئيس قناة LCI الفرنسية، أصابع الاتهام إلى المسلمين بـ "سرقة الأغنام"، قائلاً في برنامج حواري على نفس القناة إنه "خلال شهر رمضان يشهد مربّو الأغنام في البوادي الفرنسية سرقات كثيرة ينفّذها المسلمون لتوفير اللحم لاحتفالاتهم خلال ذلك الشهر".
فيما لا تعدو الحالتان إلا أن تكونا جزءاً من ظاهرة عامة تنخر قسما كبيراً من الجسد الإعلامي الفرنسي، إذ يرى مراقبون أن سبب صعودها في السنوات الأخيرة هو سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون التي دأبت على اتهام المسلمين والسماح لأصوات من اليمين المتطرف بنشر خطابهم عبر ذلك الإعلام.
ردود فعل غاضبة
أثارت الحوادث الأخيرة موجة ردود فعل في أوساط المسلمين في فرنسا، تراوحت بين السخرية والغضب. وكتبت رئيسة تحرير منصة AJ+ النسخة الفرنسية خيرة تامي، على صفحتها بتويتر مستنكرة ادّعاءات رئيس قناة LCI بأنها "إسلاموفوبيا صريحة"، وأن "مثل هذه المشاهد نراها يومياً في الإعلام الفرنسي خلال فترة حكم ماكرون، لهذا هو الآن في الدور الثاني للانتخابات ضد مارين لوبان".
وأعلنت الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية "CCIE" متابعة الصحفي فانسون هيرفوي قضائياً بتهمة "التشهير العرقي والتحريض على الكراهية"، لـ"تُحقَّق العدالة في الادعاءات التي أُدليَ بها على الشاشة"، ودعت كذلك عموم المسلمين إلى تقديم شكايات ضد الصحفي المذكور.
كيف طبَّع ماكرون مع وجود الإسلاموفوبيا في الإعلام؟
يشهد الإعلام فرنسي تصاعداً في الخطاب المعادي للمسلمين، منذ أن قرَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يشنّ حملته على المسلمين من سكان البلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بإعلانه قانون "محاربة الانعزالية" الذي يقوم على شيطنة مسلمي البلاد واعتبارهم خطراً على الجمهورية.
في حديثه لـTRT عربي، يصف رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي لمسلمي فرنسا" نجيب أرزقي، الوضع بأنه "منذ انتخاب ماكرون سنة 2017 دخلت فرنسا في أزمات عديدة"، ومقابل ذلك "تفشل الحكومة في إيجاد حلول للانشغالات اليومية للفرنسيين، وبدل الاعتراف بفشلها ذاك، تتجه إلى خلق مشكل مزيَّف لإلهاء الشعب عن حقيقة ذلك الفشل". والمشكلة المزيَّفة هذه المرة أتت في شكل "هجوم عنصري ضد المسلمين".
إحدى ظواهر الإسلاموفوبيا التي عرفها الإعلام الفرنسي، كانت إفساح المجال للصحفي المثير للجدل إريك زمور باعتلاء منابر عدد من البرامج الحوارية، لدرجة أكسبته الثقة فتَرشَّح للانتخابات الرئاسية. يقول أرزقي وقتها: "المشكلة ليست في فوز زمور من عدمه، بل في التطبيع مع أفكاره وآرائه في المجال العامّ".