كان غالانت يدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يضمن إطلاق سراح المحتجزين هناك، وإقالته من منصبه تزيل المؤيد الرئيسي لمثل هذا الاتفاق في الحكومة الإسرائيلية، وفق مراقبين، كما سبق أن اختلف غالانت ونتنياهو بشأن قضايا سياسية داخلية، خصوصاً تجنيد الإسرائيليين المتشددين (الحريديم).
وفي خطاب إقالة غالانت، قال نتنياهو إنه اختار يسرائيل كاتس (وزير الخارجية في حكومته) وزيراً للدفاع، وذلك لـ"إثبات قدراته ومساهمته في الأمن القومي وزيراً للخارجية ووزيراً للمالية، ووزيراً للاستخبارات لمدة خمس سنوات، والأهم من ذلك، أنه عضو في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية لسنوات طويلة".
وشكر كاتس نتنياهو على التعيين، وقال إن إعادة المحتجزين هي "المهمة الأكثر أهمية وقيمة"، أما منصب وزارة الخارجية فتولاه جدعون ساعر، الذي انضم مؤخراً إلى حكومة نتنياهو وزيراً من دون حقيبة.
ووفقاً لمصادر مقربة من نتنياهو تحدثت مع صحيفة هآرتس العبرية، فإن "نتنياهو يفكر أيضاً في إقالة رؤساء قوات الدفاع الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)"، إلا أن نتنياهو نفى تلك التقارير قائلاً إنها "تهدف إلى بث الانقسام".
ما أسباب الإقالة؟
في منشور على منصة إكس عقب خبر الإقالة، كتب غالانت أن "أمن دولة إسرائيل سيظل دائماً مهمة حياتي". وفي مؤتمر صحفي، قال إنه فُصل بسبب ثلاث قضايا جعلته على خلاف مع نتنياهو، هي: موقفه بشأن التجنيد الإلزامي، والتزامه إعادة المحتجزين، والدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية في فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي مقطع فيديو نشره على حسابه على موقع إكس، قال نتنياهو إنه أقال غالانت بسبب انهيار الثقة بين الاثنين. وأضاف: "لقد كُشف عن فجوات كبيرة في كيفية إدارة الحرب بيني وبين وزير الدفاع غالانت، وكانت هذه الفجوات مصحوبة بتصريحات وأفعال عامة تتناقض مع قرارات الحكومة والوزراء".
وحسبما نقلت صحيفة هآرتس، قال غالانت، أمس، خلال حديثه مع جنود إسرائيليين في الشمال، إن "الجيش سيحتاج إلى تجنيد مجتمعات أخرى، وفي المقام الأول المجتمع الحريدي، بأعداد كبيرة".
وحول رد فعل الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، نقلت هآرتس عن مسؤول أمريكي قوله: "صُدمت" بقرار وتوقيت إقالة غالانت في يوم الانتخابات الأمريكية، معتبراً أن "ذلك يبدو على أمل تجنب رد فعل عنيف من الولايات المتحدة فيما كان اهتمام البلاد منصبّاً على مكان آخر".
وقال البيت الأبيض في بيان إن "غالانت كان شريكاً مهماً في الدفاع عن إسرائيل، وإن الولايات المتحدة ستواصل العمل والتعاون مع وزير الدفاع الإسرائيلي المقبل".
دعوات احتجاجية
ودعا يائير غولان، رئيس حزب العمل الإسرائيلي من يسار وسط، الإسرائيليين إلى النزول إلى الشوارع احتجاجاً على القرار، في حين وصف زعيم المعارضة يائير لابيد، إقالة وزير الدفاع في خضمّ الحرب بأنها "عمل جنوني"، وحث أنصار حزبه "يش عتيد" على النزول إلى الشوارع احتجاجاً.
أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، فرأى أن نتنياهو "اتخذ القرار الصحيح" بإقالة غالانت، وأنه ما دام في المنصب "فمن المستحيل تحقيق نصر كامل".
كانت هيئة البث الإسرائيلية قد نقلت عن مسؤول أمني أن نتنياهو "اختار السياسة على الأمن"، فيما قالت القناة 12 العبرية إن "نتنياهو التقى غالانت وسلَّمه خطاب الإقالة، في جلسة استمرت ثلاث دقائق فقط".
نتنياهو يُقدِّم مصالحه الشخصية
ووفق تحليل لصحيفة نيويورك تايمز، فإنه بإقالة وزير الدفاع، أثار نتنياهو اتهامات بأنه يعطي الأولوية للأهداف الشخصية على الأهداف الوطنية لإرضاء أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، كما يُلمّح بذلك إلى أنه سيمضي في سياساته غير الشعبية إلى حد كبير، مثل حالة إعفاء المتدينين المتشددين من التجنيد، أو على الأقل المثيرة للاستقطاب، مثل رفضه تقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس.
وقال المحلل السياسي والاستراتيجي السابق لنتنياهو، ناداف شتراوكلر، لصحيفة نيويورك تايمز إن "نتنياهو رأى في غالانت المعارضة داخل ائتلافه، والآن سيكون من الأسهل عليه أن يسير في اتجاهه الخاص، ليس فقط سياسياً، بل عسكرياً واستراتيجياً".
وفي إشارة إلى انتشار الاستياء من قرار نتنياهو، الذي وصفه معلقون بأنه "هجوم على الديمقراطية"، خرج عشرات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع في إسرائيل مساء الثلاثاء، وقطعوا طرقاً رئيسية.
وقال مايكل كوبلو، محلل في منتدى سياسة إسرائيل، وهي مجموعة بحثية مقرها نيويورك، لصحيفة نيويورك تايمز، إنه " من الواضح أن الأمر لن يكون سوى عاصفة نارية قصيرة الأجل وسيُترك بعد ذلك في وضع أفضل".
وفي القضايا التي تهم منتقدي إسرائيل أكثر من غيرها، مثل إدارة حروب إسرائيل في غزة ولبنان، كان غالانت متحالفاً إلى حد ما مع نتنياهو، وسعى ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحقهما معاً في ما يخص حرب الإبادة الجارية على غزة منذ أكثر من عام.
لكن داخل إسرائيل كان يُنظر إلى غالانت بوصفه "شوكة في خاصرة نتنياهو"، حسب صحيفة نيويورك تايمز التي أشارت إلى خلافاته مع نتنياهو التي بدأت قبل عدة أشهر من بدء الحرب، عندما تحدث في مارس/آذار 2023 ضد مساعيه في إصلاح النظام القضائي، ليطرده نتنياهو بعد أيام ثم يعيده بعد احتجاجات حاشدة اجتاحت البلاد.
من جهته، يقول محلل الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، لـTRT عربي إن "عدة عوامل تكثفت في لحظة واحدة أدت إلى اتخاذ نتنياهو هذا القرار؛ أولاً الخلاف بينهما قديم حول الإصلاحات القضائية حتى ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، فضلاً عن موضوع غزة، وشكل اليوم التالي للحرب، والحكم في غزة، إذ خرج في مؤتمرات صحفية وعارض نتنياهو، وأيضاً قضية تجنيد المتدينين الحريديم، وبعض التشريعات الأخرى... فهذه الخلافات كلها تجمعت".
ويضيف منصور: "وجد نتنياهو نفسه أمام لحظة، إما أن يقيل غالانت وإما أن يخسر ائتلافه، وذلك أن غالانت يقف حجر عثرة أمام تشريعات تطالب بها الأحزاب المتدينة لتعويضها عن القرارات التي اتخذتها المستشارة القضائية من أجل وقف مساعدات لجمعياتهم ومؤسساتهم الدينية، وهددت الأحزاب الدينية إذا لم يلتزم نتنياهو ويؤمّن غالبية ستصوِّت ضد الموازنة وبالتالي ستسقط الحكومة".
ويشير منصور إلى أنه من أجل تمرير هذه القوانين أقال نتنياهو غالانت، ويقول: "وأعتقد أنه أيضاً بهذه الخطوة يريد أن يردع كل خصومه وكل معارضيه، وأن يهيِّئ الأرضية لفترة ترمب والتعامل مع الحرب وأدواتها وطريقة إدارتها بشكل مختلف يتناسب مع التماهي بينه وبين ترمب في النظرة إلى القضية الفلسطينية والمنطقة وترتيبها، والتخلص من الضغوط التي كانت تمارسها الإدارة الديمقراطية".
كاتس.. "دمية في يد نتنياهو"
ويرى منصور أن وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، لا خبرة عسكرية لديه ولا ينتمي إلى المؤسسة الأمنية، ويقول: "هو شخصية تابعة لنتنياهو، أي مثل الدمية في يده، ولذلك من سيكون وزير الدفاع بشكل فعلي ومن سيدير المنظومة هو نتنياهو، وهذا سيزيد من توتر العلاقة بين المستوى الأمني والمستوى السياسي".
ويتابع: "كاتس عملياً يأتي في ظل فترةٍ المنظومة الأمنية فيها مستاءة، بعدما كان غالانت هو الذي يشكل حماية لها ويدعمها وقراراتها ويثبِّتها في المستوى السياسي، والآن انتهى كل ذلك، ولذلك واضح أن تعيين كاتس يعني، كما قال أحد كبار المحللين الإسرائيليين، أن نتنياهو هو من سيصبح وزير الدفاع بشكل فعلي".
ووفق هآرتس، كان كاتس عضواً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) منذ عام 1998، وكان لفترة طويلة ذا نفوذ عالٍ في حزب الليكود، وله سيرة ذاتية طويلة تتناسب مع ذلك، إذ شغل منصب وزير الخارجية، ووزير الطاقة، ووزير الزراعة، ووزير النقل، ووزير الاستخبارات، ووزير المالية.
وكاتس حليف قوي لنتنياهو، ومن غير المرجح أن ينتقد أو يدفع ضد نهج نتنياهو المتشدد في مناقشات وقف إطلاق النار، ويُعرف وزير الدفاع الجديد بمواقفه المتطرفة تجاه الفلسطينيين ومسألة التوسع الاستيطاني والحرب في قطاع غزة.
واليوم الأربعاء، قدمت منظمتان مدنيتان ورؤساء جامعات في إسرائيل، التماساً لمحكمة العدل العليا ضد قرار إقالة غالانت، وطلب الالتماس الذي تقدمت به "الحركة من أجل جودة الحكم" ومنتدى "السور الواقي لإسرائيل" من المحكمة إصدار أوامر بتجميد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إقالة غالانت، ومنع تعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس بدلاً منه.
وادَّعى الالتماس أن إقالة غالانت في خضمّ حرب متعددة الساحات جرت لـ"اعتبارات خارجية تتعلق بالحفاظ على الائتلاف"، وأن "القرار ملوَّث للغاية ويرقى إلى مستوى عدم المعقولية".
وقال رئيس حركة جودة الحكومة، المحامي إليعاد شارغا، إن قرار رئيس الوزراء في خضمّ الحرب في غزة ولبنان "عمل غير مسؤول ويُعرِّض الأمن للخطر"، وأضاف: "سنطالب المحكمة العليا بالتدخل الفوري".