ووفقاً لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية فإن المقترح الذي حمل اسم "الفقاعات الإنسانية" يتضمن القضاء على مقاتلي المقاومة الفلسطينية في أحياء عدة شمال مدينة غزة، ومن ثمّ التعامل مع قادة محليين، على أن يرعى هؤلاء عملية توزيع المساعدات الإنسانية.
الخطة التي حظيت بدعم وتبني وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت تتضمن توفير جيش الاحتلال الإسرائيلي الدعم والحماية لهذه المناطق وقادتها المحليين، وخاصة في المراحل الأولى.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، مساء الأحد، إن إسرائيل ستعمل على "عزل مناطق في قطاع غزة وإخراج نشطاء حركة حماس من هذه المناطق، ومن ثم تشكيل حكومة بديلة عن الحركة".
وأبلغ غالانت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعمل على إعداد خطة لإنشاء حكم بديل لحركة حماس، وأن ذلك يساهم في عودة المحتجزين الإسرائيليين.
الأمر ذاته أكده غالانت خلال زيارته إلى قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي التي أوضح فيها عزمهم إنشاء بديل لحكومة حركة حماس في قطاع غزة.
لماذا الآن؟
تتزامن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت مع طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن لخارطة طريق للوصول إلى صفقة تبادل وإنهاء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل بالإضافة إلى تصاعد النقاش الإسرائيلي الداخلي حول ترتيبات اليوم التالي للحرب على غزة.
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعة، خطة للتبادل ما بين حركة حماس وإسرائيل على ثلاث مراحل تضمنت مجموعة من البنود على رأسها التوصل إلى وقف لإطلاق نار دائم.
أثارت خطة بايدن نقاشاً داخل إسرائيل وذلك لتضمنها قبولاً ببقاء حركة حماس وعدم تفكيكها كما أرادت إسرائيل وأعلنت في أكثر من مناسبة، هذا الأمر دفع وزير الدفاع غالانت للتأكيد خلال حديثه مع وزير الخارجية بلينكن على أن إسرائيل ملتزمة تفكيك سلطة حركة حماس المدنية والعسكرية.
وهو ما دفع مجلس الحرب لاحقاً لنقاش الخطة المقدمة من المؤسسة الأمنية وغالانت، ووفقاً لموقع والا الإسرائيلي ففي حال نجاح هذه الخطة فمن الممكن تعميمها على بقية المناطق في قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد إسرائيل نقاشاً داخلياً حول ترتيبات اليوم التالي للحرب في غزة، في ظل مساعي اليمين المتطرف لعودة الاستيطان في قطاع غزة، ألمح رئيس الوزراء نتنياهو إلى إمكانية إنشاء حكم عسكري في غزة، ما دفع المؤسسة الأمنية إلى تسريب وثيقة تشرح تكاليف الحكم العسكري الذي يصل إلى ما يقرب من 20 مليار شيكل و5 ألوية قتالية.
وتأتي خطة غالانت والمؤسسة الأمنية لتضع معالم رؤية إسرائيلية تجيب عن سؤال اليوم التالي والمرحلة المقبلة، عبر إنشاء جسم محلي بديل عن حكم حركة حماس التي تصر إسرائيل على أن تفكيكها شرط لنهاية الحرب.
كما أنها تأتي محاولة لتقديم إجابة حول قضية اليوم التالي للحرب بعيداً عن عودة احتلال قطاع غزة وفي ظل رفض أغلب الأطراف السياسية الإسرائيلية لعودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة.
القديم الجديد: خطة الزيتون والعشائر
قدّم وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي خطته التي تقضي بإنشاء "لجنة مدنية" من قوى فلسطينية "غير معادية" تكون بديلة عن حركة حماس.
تركزت الخطة التي قدمها غالانت على إدارة عملية توزيع المساعدات الإنسانية لتكون المدخل الذي يجري من خلاله بناء قوة متعاونة مع الاحتلال ومعادية لحركة حماس.
ونظرت جهات إسرائيلية عدة للتعاون مع العشائر الفلسطينية لتكون نواة هذه القوة التي سوف تعتمد عليها إسرائيل في تأمين المساعدات وتوزيعها، وفي سبيل ذلك تواصلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع بعض المخاتير والشخصيات الاعتبارية، عارضة عليهم التعاون والعمل المشترك.
أراد جيش الاحتلال الإسرائيلي وغالانت أن يبدأ تطبيق نموذج العمل هذا في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة. الحي الذي تعرض للاجتياح والهجوم في أكثر من مناسبة، رفضت العائلات والعشائر فيه التعاون مع السلطات الإسرائيلية، ما حدا بها إلى اغتيال بعض الوجهاء والضغط على الآخرين، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.
فلم ينجح جيش الاحتلال في خلق بؤرة متعاونة بحي الزيتون، والعكس ما جرى بعد أن تمكنت لجان الطوارئ في غزة من ترتيب عملية توزيع المساعدات وتأمينها، ليقوم الاحتلال لاحقاً باغتيال القيادي في الشرطة الفلسطينية فائق المبحوح الذي أشرف على هذه العملية.
هل ينجح في الشمال ما فشل في الزيتون؟
تؤشر خطة غالانت المقدمة لمجلس الحرب إلى أزمة "اليوم التالي" للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فحتى هذه اللحظة لم تتمكن إسرائيل من تحديد الأهداف السياسية التي تريد تحقيقها في غزة.
فحجم التباينات بين أعضاء الحكومة من جهة والمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من جهة أخرى ما زال كبيراً، بين اليمين المتطرف الذي يروج للاستيطان والمؤسسة العسكرية والأمنية التي ترفض التورط في حكم غزة والبقاء فيها.
تواجه خطة غالانت مجموعة من التحديات أهمها تحديد الجهة التي سوف تتعاون مع الاحتلال، فالعائلات والعشائر الفلسطينية سبق وأن أوضحت في أكثر من مناسبة رفضها التعاون مع أي خطوات إسرائيلية بهذا الشأن. ويواجه الاحتلال تحدي تأمين المناطق التي ستكون بؤراً لتوزيع المساعدات الإنسانية.
فحركة حماس والمقاومة الفلسطينية تتمكن في كل مرة من إعادة تنظيم صفوفها في المناطق التي ينسحب الاحتلال منها. ما يجعل من إمكانية خلق فراغ وتجاوز الحركة صعباً من دون تأمين قوات الاحتلال لهذه المناطق.
وهنا تظهر أزمة أخرى، وهي تورط الاحتلال بالبقاء في قطاع غزة، وهو ما تحذر منه أطراف إسرائيلية عدة على رأسها وزير الدفاع نفسه. فحماية القوات المتعاونة التي تدعو الخطة إلى إنشائها تستلزم بقاء شكل من أشكال النشاط والحضور لجيش الاحتلال في قطاع غزة.
وبالنظر إلى تجارب الاحتلال الإسرائيلي في مناطق أخرى كجنوب لبنان التي حاول إنشاء فيها قوات موالية له بعد اجتياح لبنان 1982، يلاحظ الفشل الكبير في خلق كيانات محلية متعاونة مستقرة.