"خرجنا بلا شيء".. كيف يعيش النازحون في لبنان؟
مع استمرار تصعيد الاحتلال الإسرائيلي على الجبهة اللبنانية منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي وتخطي أعداد النازحين المليون و200 ألف شخص، تواجه مراكز الإيواء اكتظاظاً شديداً بعد أن بلغت طاقتها الاستيعابية.
استمرار عملية النزوح من جنوب لبنان بسبب هجمات الاحتلال الإسرائيلي / صورة: AA (AA)

وفي تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت إنه مع تزايد أعداد النازحين كل يوم، وصلت مراكز الإيواء المؤقتة التي أنشأتها الحكومة اللبنانية، والتي يبلغ عددها 892، إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة تقريباً، إذ ينام في شوارع بيروت وفي أبرز مناطقها كالكورنيش، مئات الرجال والنساء والأطفال في العراء.

"خرجنا من منازلنا من دون شيء"

ريما جنزارة من سكان الضاحية نازحة من ثلاثة أسابيع في منطقة كورنيش بيروت التي تحولت إلى ملاذ النازحين، تصف رحلة نزوحها بالـ"صعبة تحت الضرب"، بإشارة إلى اشتداد قصف الاحتلال الإسرائيلي.

وتقول في مقابلة مع TRT عربي: "نزحنا في الليل بعد إرسال الاحتلال إنذارات الإخلاء، بعد ساعة وجدت نفسي أنا وزوجي وأولادي الخمسة هنا في الكورنيش، إذ لم نجد أي مساعدة أو أي مستلزمات مثل الفراش والأغطية".

وتضيف: "نحن بحاجة إلى طعام وشراب وأدوية لأطفالي"، مشيرةً إلى أنه عند نزوحها لم تستطع إحضار شيء معها من منزلها وأنه لم يعد باستطاعتها العودة لأخذ حاجياتها.

وتردف: "ممنوع أن ندخل الآن الضاحية، حيث ينتشر الجيش وتكثر الصواريخ، كما طالبت السيدة بالمساعدة لها ولأبنائها بقولها: "عندي رسالة بدي يسمعها العالم كله أنو أنا بدي حدا يساعدني وأولادي لأنه خسرنا كل شيء في الحرب.. خسرت منزلي الذي انقصف ولم أستطع إخراج شيء منه".

وتشكو ريما من صعوبة وضع النزوح على ولدها المريض، وهو يعاني نقصاً في الأوكسجين، ولا يستطيع تحمل اكتظاظ المراكز، "ابني مريض ونحن بحاجة إلى منزل يؤوينا وليس لدي النقود"، حسب تعبيرها.

وكان وزير البيئة رئيس لجنة الطوارئ الوزارية ناصر ياسين دعا إلى "إنقاذ لبنان من المأساة التي يعيشها اللبنانيون وخصوصاً النازحين من بلداتهم وقراهم وبيوتهم في الضاحية".

وقال في حديث صحفي، إن "لبنان لم يشهد أزمة نزوح في تاريخه كالتي تحصل اليوم في الجنوب والبقاع بشرقه ووسطه والضاحية، التي تجاوز عدد النازحين فيها المليون نسمة، جراء العدوان الإسرائيلي الذي يحاصر لبنان بتوزيع ضرباته على مختلف المناطق اللبنانية".

عذاب رحلة النزوح

الحاجة فاطمة حسين خليفة تروي بدورها تفاصيل رحلة نزوحها من الجنوب إلى مدينة طرابلس في الشمال، حيث كانت مع بناتها وأزواجهن وأحفادها، مشددةً على معاناة النازحين وتعبهم خلال الرحلة.

اضطرت الحاجة مغادرة منزلها بعد اشتداد وتيرة القصف، وتقول لـTRT عربي، إن الرحلة استغرقت نحو 10 ساعات بسبب الازدحام الشديد على الطرق، إذ اضطرت السيارة إلى التوقف عدة مرات، ما تسبب بفقدانها الوعي بسبب حرارة الجو.

وتضيف: "كنا محاصرين في الازدحام وتعطلت معنا السيارة، الأمر الذي تسبب بتأزم صحتي، عند وصولنا بقينا عند أحد أقاربنا ليلة واحدة، ثم في اليوم التالي نزحنا إلى مدرسة بمنطقة دير عمار بطرابلس".

تُواصل الحاجة فاطمة سرد مشاهدها المؤلمة من رحلة النزوح، مشيرةً إلى ما رأت في بيروت من دمار وخراب. وتقول: "شفت دمار عالطرقات، بنايات مدمرة، ناس نايمة على الكورنيش، مش قادرين يلاقوا مكان يريحوا فيه، حاطين شراشف بس من الشمس. كل العالم عم بتعاني وبتطلع بتقول ما لقينا ملجأ، نحن قاعدين بالمدرسة، بس غيرنا نام عالطريق".

تعرب فاطمة عن أسفها والحزن على حال النازحين الذين اضطروا للنوم في الشوارع، بقولها: "مش عارفة شو عم يصير"، إذ تُظهر قلقها على مصير الناس، وعدم معرفتها بما سيحدث في المستقبل.

وتُشير إلى أن رحلة النزوح كانت مرهقة للغاية، وخاصة مع وجود أطفال صغار، وُصفت رحلة النزوح بـ"الرهيبة" لدرجة أن "قلبي انقطع من الضغط"، حسب تعبيرها.

تُعبر الحاجة عن امتنانها للجهود المبذولة لمساعدتها، مُشددةً على أنهم "عم بيعملوا كل شي" لتوفير الراحة لها وأهلها. وعلى الرغم من أن رحلة النزوح كانت مرهقة ومخيفة، إلا أنها أبدت صمودها أمام الصعوبات.

وتلفت الحاجة إلى أنهم يعيشون في ظروف صعبة مع نقص المياه، لكن هناك من يُقدم لهم المساعدة، فهم يُحضرون لهم الطعام مثل السندويشات، ويساعدونهم في الحصول على الاحتياجات الأساسية.

أهالي تحت القصف

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أكد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أنّ المدنيين في لبنان من لبنانيين ولاجئين محاصرون تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي، لافتاً إلى أن بعضهم مجبر على المغادرة، بينما يرغب آخرون في ذلك لكنهم لا يستطيعون.

وقال غراندي للصحافيين في بيروت، "هناك تحدٍّ إنساني ناجم عن النزوح وتحدٍّ آخر بسبب استحالة التنقل".

من جهته، أوضح إيفو فريسين، ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان "لا يزال هناك 6 آلاف لاجئ سوري في الجنوب"، المنطقة التي تأثرت أولاً بالقصف المتبادل عبر الحدود قبل أن تصبح مسرحاً لمواجهات برية بين حزب الله وإسرائيل منذ الأسبوع الماضي.

وأضاف فريسين، "لم يتمكنوا من المغادرة لأن الوضع لم يكن آمناً والآن لا يعرفون إلى أين يذهبون". وتابع "فات الأوان".

ومنذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، تشن إسرائيل حرباً على لبنان، عبر غارات جوية غير مسبوقة كثافة ودموية استهدفت حتى العاصمة بيروت، بالإضافة إلى توغل بري بدأته في الجنوب، متجاهلة التحذيرات الدولية والقرارات الأممية.

وقتلت إسرائيل منذ هذا التاريخ وحتى مساء الأربعاء 1323 شخصاً وأصابت 3 آلاف و698، منهم عدد كبير من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 1.2 مليون نازح، وفق الحكومة اللبنانية.

TRT عربي - وكالات