حرب غزة.. هل توقِف مساعي واشنطن لعملية تطبيع سعودية-إسرائيلية؟
بعد أن علقت الرياض محادثات التطبيع مع تل أبيب، تطرح تساؤلات حول مصير المسار برمّته بعد المواجهات الدامية الدائرة حالياً في غزة.
Saudi Israel Normalization / صورة: AP (AP)

أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 21 سبتمبر/أيلول الماضي خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية أنّ المملكة "تقترب كل يوم أكثر فأكثر" من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مشيراً إلى وجود دعم من إدارة بايدن لتحقيق ذلك.

وتلت تصريحات ولي العهد تسريبات، عن مصادر إقليمية نشرتها وكالة رويترز، أفادت بأنّ السعودية عازمة على التوصل إلى اتفاق دفاع عسكري مشترك يلزم الولايات المتحدة الأمريكية بالدفاع عن الرياض، مقابل التطبيع مع إسرائيل.

وبعد التصريحات السعودية والتسريبات الأمريكية، أتت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في غلاف غزة، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد بعملية توغل داخل قطاع غزة، بالتوازي مع قصف جوي واسع أودى بحياة الآلاف من المدنيين.

الأمر الذي أدى إلى ردود أفعال إقليمية وعربية، من ضمنها تعليق الرياض لمحادثات التطبيع مع تل أبيب، ما طرح تساؤلات حول مصير المسار بعد المواجهات الدامية في غزة.

دوافع أمريكا لإنجاح التطبيع بين السعودية وإسرائيل

منذ أغسطس/آب الماضي ظهرت مؤشرات على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إعطاء زخم أكبر لوجودها في منطقة الشرق الأوسط، ونشرت 3 آلاف جندي في منطقة البحر الأحمر، بالإضافة إلى سفن بحرية تابعة للأسطول الخامس.

ووقّعت واشنطن في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقية أمنية واقتصادية مع البحرين، بهدف تعميق التعاون الدفاعي والاستخباراتي بين البلدين.

أمام هذه التطورات، يرى أستاذ العلاقات الدولية خطار أبو دياب أنّ واشنطن لم تنسحب من المنطقة أساساً، بل ركزت جهودها على المحيطين الهندي والهادي في سياق الصراع مع الصين.

ويبيّن أبو دياب في حديثه مع TRT عربي، أنّ "واشنطن عادت إلى العمل على مشروعها الأساسيّ، وهو دعم تحالفها مع دول الخليج، مقابل توطيد علاقة العرب مع إسرائيل".

ووفق رأي أستاذ العلاقات الدولية، فإنّ الدافع إلى إعادة الاهتمام بإنجاز هذا المشروع هو الحرب الروسية الأوكرانية، والحاجة إلى دور السعودية في سوق الطاقة، فضلاً عن اهتمام الصين بالشرق الأوسط الذي تجسد في رعاية بكين لصفقة بين الرياض وطهران.

بدورها ترى مرح البقاعي، مستشارة السياسات الدولية، أنّ أمريكا وإدارة بايدن تحديداً وجدت أنّها أخطأت في تقدير العلاقة مع السعودية، رغم أنّ الجانبين تجمعهما علاقة استراتيجية ممتدة لأكثر من ثمانية عقود.

وتضيف البقاعي لـTRT عربي، أنّ إدارة بايدن أدركت أنّ عدم إعادة علاقتها بالسعودية إلى مسارها الطبيعي، ستكون خسارة للجانب الأمريكي، نظراً لأن السعودية أكبر مُصدّر للنفط، وتتحكم اليوم بأسعاره العالمية، وبالتالي مؤثرة في الاقتصاد العالمي والأمريكي.

وتشير البقاعي إلى الدور السياسي الذي يمكن أن تقوده المملكة داخل جامعة الدول العربية، بحكم أنّها قائدة "المبادرة العربية للسلام" الهادفة إى تأسيس سلام شامل في المنطقة وإقامة دولة فلسطين، مضيفةً أنّ هذا الشرط على قائمة المطالب السعودية.

شروط سعودية لإقامة علاقات مع إسرائيل

نقلت وكالة رويترز عن مصدر أمريكي قوله: "إن مستوى الضمانات الأمنية التي يمكن أن تمنحها واشنطن إلى السعودية قد لا ترقى إلى اتفاقيات دفاعية صارمة على غرار حلف شمال الأطلسي، لكن يمكن أن تُصنف السعودية حليفاً رئيسياً خارج حلف شمال الأطلسي كما هو الحال بالنسبة إلى إسرائيل".

ويؤكد أحمد الشهري، رئيس منتدى الخبرة السعودي المتخصص بالشؤون الاستراتيجية والسياسية والأمنيّة، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن دعم عسكري للمملكة السعودية، ومشروع نووي سلمي، واتفاق أمنيّ، لكنّه لا يرقى إلى مستوى المعاهدة الملزمة كما هو الحال مع اليابان أو كوريا الجنوبية.

ويشير الشهري في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ المملكة تفضل التروي والتعامل بصبر وحكمة في المسار التفاوضي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتنظر في الطرح المقدم، وهي تمتلك خيارات الحصول على الطاقة النووية والأسلحة من دول أخرى.

ويرى أنّ "مشكلة الولايات المتحدة تكمن في أنّها وضعت هذه العروض مقابل التطبيع مع إسرائيل، من دون أن تُلزم تل أبيب بتنفيذ المبادرة العربية التي تعتبرها السعودية مرجعية لأي علاقة مع إسرائيل".

ويعتبر الباحث الاستراتيجي أنّ الرؤية السعودية في المقابل، تقتضي "إقامة حياة كريمة للفلسطينيين، كما عبّر عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية".

ويبيّن أنّ "المملكة لا تمانع في إقامة علاقات مع إسرائيل، لكن لابدّ أن يكون هناك حلّاً، فالشرق الأوسط الأخضر الذي تحدث عنه ولي العهد السعودي لا يأتي في ظل وجود أزمة احتلال قائمة وشعب فلسطيني يطالب بحقوقه".

ويشير الشهري إلى تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي، التي وضحت عدم وجود بنود جاهزة للتوقيع فيما يتعلق بالتطبيع السعودي الإسرائيلي، معتبراً أنّ السعودية تفكر "بتقييم الضمانات التي يمكن تقديمها لها من دون استعجال، على عكس إدارة بايدن وحكومة نتنياهو الساعِيتَيْن إلى تحقيق إنجازات عاجلة".

من جانبه، يوضح أبو دياب أنّ السعودية اشترطت العودة إلى حل الدولتين للقضية الفلسطينية، مقابل تجاوبها مع الجهود الأمريكية، كما طالبت بضمانات أمنية، بما في ذلك حصولها على سلاح نووي في حال امتلكته إيران.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية أنّ إدارة بايدن تسعى إلى تحقيق منجزات تدعم من خلالها حظوظها في الانتخابات الأمريكية المرتقبة، مثل اتفاقية إطلاق المحتجزين التي وقعتها مؤخراً مع إيران، وتحاول إنجاز صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل.

انعكاسات حرب غزة على مستقبل التطبيع

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أكد وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، أن استمرار التطبيع بين بلاده وإسرائيل مرهون بحل سلمي للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ ولي العهد السعودي كان واضحاً خلال محادثات التطبيع، وربط الأمر بإيجاد طريق إلى السلام.

وشدد جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب أهمية اتفاقيات إبراهيم للسلام الموقعة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وانتقد هجوم حركة حماس على مواقع الجيش الإسرائيلي، معتبراً أن "هدفها تعطيل التطبيع".

وأشار كوشنر خلال زيارته إلى السعودية للمشاركة في مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، إلى أن "التقدم بين السعودية وإسرائيل كان يمضي بشكل جيد".

ويرى رضوان زيادة الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، أن مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب، والذي كانت ترعاه واشنطن، قد توقف بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في محيط غزة.

ويبرر زيادة رأيه الذي تحدث به لـTRT عربي، بتغير أولويات الإدارة الأمريكية بعد اندلاع المواجهات في غزة، بالإضافة إلى صعوبة ذهاب السعودية باتجاه التطبيع في ظل ما ترتكبه إسرائيل من مجازر بحق سكان قطاع غزة، معتبراً أن المناخ العام لم يعد يساعد استمرار المحادثات لإنجاز التطبيع في الوقت الراهن.

ويعتقد الباحث باسل حفار، أن "الباب ما زال موارباً أمام مسار التطبيع، لأن السعودية لم تتخذ خطوات صدامية مع تل أبيب، مثل قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، أو منع الطيران الإسرائيلي من التحليق فوق الأجواء العربية".

ويؤكد حفار في حديثه مع TRT عربي، أن البيان الختامي في القمة العربية والإسلامية الأخيرة التي احتضنتها الرياض، "لم يتضمن أي فقرة تصطدم مع التفاهمات السابقة مع الإسرائيليين"، ونص فقط على نقاط تتعلق بالوضع الآني، مثل ضرورة فك الحصار وإيصال المساعدات ووقف العدوان على غزة، أما فيما يخص مستقبل القضية الفلسطينية فالبيان أكد أهمية إحلال السلام وفق حل الدولتين.

وحسب اعتقاد حفار فإن "النهج السعودي -حتى اللحظة- يشير إلى عدم رغبة الرياض في التأثير على تفاهمات وخطوات التطبيع في الوقت الحالي، وتحييدها عن أدوات المواجهة".

لكنه لم يستبعد أن تكون السعودية تفكر في عدم استخدام أوراقها مباشرة، وتعمدت تأجيل الحديث في النقاط المتعلقة بالتطبيع لاستخدامها لاحقاً في حالة التصعيد الأكبر لو اقتضت التطورات الميدانية ذلك، أي أنّ مستقبل المسار قد يكون مرهوناً بما ستؤول إليه الأحداث، وفق حفار.


TRT عربي