يواجه إمام مدينة بانيول-سير-سيز (جنوب فرنسا)، محجوب المحجوبي، خطر الترحيل من البلاد، نظراً لاتهام السلطات الفرنسية له بـ"إهانة العَلم الفرنسي" و"التحريض على الكراهية"، ارتباطاً بمقتطف اجتزئ من خطبة كان قد ألقاها بمسجد المدينة.
وينفي الإمام كل التهم الموجهة إليه، فيما تأتي التحركات ضده في سياق حملة أطلقتها الداخلية الفرنسية خلال السنتين الأخيرتين على الأقل، لاحقت ورحّلت خلالها عدداً من الوجوه الدينية البارزة في أوساط الجالية المسلمة بالبلاد.
الإمام المحجوبي مواجهاً الطرد
لقي المقطع المجتزأ من خطبة الإمام محجوب المحجوبي، التي كانت في الأساس حول موضوع "علامات الساعة"، ضجة كبيرة في فرنسا، وذلك بعد أن جرى تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعدها في وسائل الإعلام، دون الإشارة إلى السياق الديني العام للخطبة.
وفي ذلك المقطع المتداوَل، يتحدث الإمام عن اتحاد المسلمين في آخر الزمان "بحيث لا تُفرِّقهم الأعلام الثلاثية الألوان"، واصفاً النزاعات التي تجري حول هذه الأعلام خلال المباريات أو الأحداث بـ"الشيطانية". فيما تحدث في مجمل الخطبة عمّا يُحرِّمه الدين الإسلامي من تعاطي الخمور والعلاقات غير الشرعية.
وتلقَّف النائب اليميني المتطرف نيكولاس ميزوني، هذه المقاطع، وأعاد نشرها على حسابه بموقع "إكس"، متهماً الإمام بأنه قصد إهانة العلم الفرنسي، الذي يشار إليه عادةً بـ "الثلاثي الألوان Tricolore".
واتهم الإعلامي بقناة CNews، باسكال برو، الإمام المحجوبي بأنه "يهاجم فرنسا ويهين علمها، ويسخر منّا ومن فرنسا وتاريخها". وحرض الإعلامي المعروف بمعاداته للمسلمين والمهاجرين من أجل ترحيل الإمام، كما حرّض ضد مسلمي البلاد "لأن ما يقصده المحجوبي بيوم الساعة هو واقع فرنسا المهانة اليوم"، حسب تعبيره.
ويوم الأحد، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أنه طلب من مفوض شرطة مقاطعة غراد، سحب الإقامة الممنوحة للإمام محجوب المحجوبي. كما فُتح تحقيق معه، اتُّهم فيه بـ"التحريض على الكراهية وإهانة العَلم الفرنسي".
وذكَّر تقرير لموقع قناة BFMTV، بأن الإمام المحجوبي كان موضوع مراقبة الأجهزة الأمنية طوال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وأنه قُدمت في حقه ثلاث شكاوى منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وعقب هذا القرار، فعل بيير موران، النائب اليميني المتطرف عن حزب التجمع الوطني، حركة استفزازية، إذ زار مسجد التوبة الذي يعمل به الإمام، وأعطاهم تذكرة طائرة نحو تونس، في دلالة على ترحيل محجوب المحجوبي.
وينفي الإمام أنه قصد بخطبته ما وجِّه إليه من اتهامات بإهانة العلم الفرنسي، وقال في حديثه لموقع France bleu: "لقد كانت زلّة لسان، وليست خطأ، لأن الخطأ يكون طوعياً. لقد كانت زلّة لسان في كلامي لأنني لست فولتير، ولا فيكتور هوغو للأسف. بدلاً من قول: كل هذه الأعلام متعددة الألوان أو ألوان مختلفة، قلت: ثلاثية الألوان".
وفي السياق نفسه، صرّح محامي الإمام المحجوبي، بأن موكله "لا يفهم الاتهامات التي وجهها إليه مفوض شرطة غراد، وينفي كل التهم المنسوبة إليه".
فرنسا تلاحق الأئمة!
ليست هذه المرة الأولى التي تجري فيها ملاحقة الأئمة في فرنسا، إذ قبل الضجة حول الإمام المحجوبي، اتهمت الداخلية الفرنسية عام 2022 الإمام المغربي حسن إكويسن بـ"المساس بمبادئ الجمهورية"، ورحّلته إلى بلاده بموجب قانون "محاربة الانعزالية" المثير للجدل.
واعتمدت الداخلية الفرنسية على مقاطع فيديو مجتزأة من خُطب الإمام حسن إكويسن من أجل إصدار قرار ترحيله، وهو نفس السلوك الذي يُتخذ اليوم في حق الإمام محجوب المحجوبي.
وحسب محامية الإمام حسن إكويسن، فإن مقاطع الفيديو التي استندت إليها الداخلية في قرارها "منتزَعة من سياقها"، وأن قناته على يوتيوب تحتوي على النسخ الكاملة للمحاضرات التي "يُبدي فيها دعمه للمساواة بين الجنسين"، معتبرةً قرار الداخلية "انتهازية سياسية".
وحسبما كشف تحقيق سابق للموقع الفرنسي ميديابارت، فمنذ قضية حسن إكويسن والداخلية الفرنسية تخطط لتعميم قرارات الطرد على عشرات الوجوه الدينية البارزة في الجالية المسلمة بفرنسا.
وقال تحقيق ميديابارت، إن لدى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، "هوس" بملاحقة التمثيليات الإسلامية، بحثاً عن دعاية إعلامية في أوساط اليمين المتطرف.
وفي منشور له على منصة إكس، يوم الأحد، قال دارمانان إن وزارته كثّفت حملاتها ضد مَن وصفهم بـ"الإسلام المتشدد"، وإن نسبة قرارات الترحيل التي أصدرتها في حقهم زادت 26% خلال عام 2023.