وحسب بيانات لجنة الانتخاب، تجاوزت نسبة الإقبال على التصويت 66%، نصفهم من النساء. بالتالي شارك أكثر من 640 مليون شخص في هذه الانتخابات، من بين نحو 970 مليوناً يحقّ لهم التصويت.
وتُعَدّ انتخابات الهند هي الكبرى في العالم من ناحية عدد المشاركين فيها، إذ يصل تعداد الهنود البالغين السنّ القانونية للمشاركة في الاقتراع، نحو مليار نسمة. وفي كل موعد انتخابي تكسر الهند رقمها السابق في عدد الناخبين، إذ سُجّل 900 مليون ناخب على القوائم الانتخابية خلال الانتخابات الماضية، شارك 615 مليوناً منهم فعلياً في الاقتراع.
فيما كشفت النتائج الأولية تَقدُّم الحزب الحاكم "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وفوزه بولاية ثالثة على التوالي على رأس البلاد. غير أن هذا الفوز كان منقوصاً، إذ فقد مودي أغلبيته البرلمانية أمام الاختراق الذي حققته المعارضة بقيادة حزب "المؤتمر الوطني".
فوز مودي المنقوص
ويوم الثلاثاء أعلن مودي فوزه بولاية ثالثة على رأس الحكومة الهندية، وقال في خطاب ألقاه على جمع من المناصرين احتشد أمام مقر حزب "بهاراتيا جاناتا" في نيودلهي: "اليوم يوم مجيد؛ التحالف الوطني الديمقراطي سيشكّل الحكومة للمرة الثالثة، ونحن ممتنّون للشعب".
وأضاف مودي أن "هذا انتصار لأكبر ديمقراطية في العالم، وهذا انتصار لولاء البلاد للدستور، وانتصار لسكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة".
وأظهرت النتائج الأولية للانتخابات حلول "بهاراتيا جاناتا" أولاً بحصوله على 240 مقعداً في البرلمان. وعلى الرغم من الفوز، تُعَدّ هذه النتائج انتكاسة للحزب الحاكم، إذ خسر 63 مقعداً مقارنة بالنتائج التي أحرزها عام 2019.
وعلّق موقع "بي بي سي" البريطانية بأن نتائج الانتخابات تُظهِر تراجع بريق "علامة مودي التجارية"، مشيرة إلى أن شعبيته ارتبطت في السابق بقدرته على التسويق وتحويل الأحداث الروتينية إلى مشاهد مثيرة.
وترجع هذه الانتكاسة إلى الاختراق المفاجئ الذي حققته المعارضة بقيادة حزب "المؤتمر الوطني"، إذ فازت بـ90 مقعداً برلمانياً، أي رفعت رصيدها بـ47 مقعداً مقارنة بانتخابات 2019، معظمها على حساب مرشحي الحزب الحاكم.
وقد يفرض هذا الفوز المنقوص على مودي، من أجل تشكيل الحكومة، اللجوء إلى شركائه في الائتلاف، من بينهم أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي، وهي المجموعة التي يتزعمها حزبه ويقود من خلالها السلطة منذ انتخابه للمرة الأولى في عام 2014.
هل أتت إسلاموفوبيا مودي بمفعول عكسي؟
منذ وصوله إلى الحكم عام 2014، بنى حزب "باهاراتيا جاناتا" شعبيته على اضطهاد المسلمين والتحريض ضدهم، في تصورهم العنصري لدولة هندوسية قومية، أو ما يسمى "هيندوتفا".
وخلال هذه الانتخابات أيضاً قاد مودي دعايته على أساس الخطاب المعادي للمسلمين. وفي خطابه أمام تجمُّع حاشد في ولاية راجاستان، في أبريل/نيسان الماضي، كرّر مودي خطابه العنصري ضد المسلمين، معتبراً إياهم "متسللين" و"دخلاء" على البلاد.
وقال مودي محرضاً، إن حزب المعارضة يسعى "لمنح المسلمين الأحقية في ثروات الأمة"، فإذا فازت بالانتخابات فإن الثروات "ستُوزَّع على من لديهم العدد الأكبر من الأولاد. ستُوزَّع على المتسللين"، فـ"هل تعتقدون أن أموالكم التي جنيتموها بشقّ الأنفس يجب أن تُعطَى لمتسللين؟ هل تقبلون بذلك؟".
وقبل هذا، في يناير/كانون الثاني الماضي، دشّن مودي حملته الانتخابية بتدشين معبد "راما" على أنقاض مسجد "بابري" التاريخي، في أكثر خطوة استفزازاً لمشاعر الأقلية المسلمة بالبلاد.
وفي حديث سابق لـTRT عربي، اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي الباكستاني حذيفة فريد، أن تدشين معبد "راما" يرتبط بشكل وثيق بالانتخابات العامة، التي تُعتبر انتخابات حاسمة في التاريخ الهندي. وقال فريد: "إنها رسالة إلى الناخب الهندوسي ومحاولة لاستمالته عبر إراقة دماء المسلمين والتعدي على مساجدهم ومقدساتهم".
ورفعت هذه التحركات شعبية حزب مودي، وكشفت استطلاعات رأي أجريت بداية أبريل/نيسان، بأن حزب "بهاراتيا جاناتا" وحلفاءه يحظون بالشعبية الكبرى، محققين نسبة 46% من نيات التصويت، مقارنة بأحزاب المعارضة التي تقف نسبتها عند 34%.
غير أن هذه الحملة أتت بنتائج عكسية هذه المرة، إذ رفض الناخبون الانصياع وراء الخطاب الطائفي الذي تبناه مودي، وهو ما أكدته وكالة "بلومبرغ"، بالقول إن حملة "بهاراتيا جانتا" تركزت بشدة على الوفاء بالوعود القومية الهندوسية، لكنها لم تكتسب جاذبية كافية بين ناخبين قلقين من الاقتصاد الذي لا يوزّع الفوائد بالتساوي.
وعلى الأرض، كشفت نتائج الدائرة الانتخابية في فايز آباد، حيث افتتح مودي معبد "راما"، خسارة "بهاراتيا جاناتا" الحاكم مقعده أمام مرشَّح حزب "ساماجوادي" المعارض النائب عوضيش براساد، في صدمة هائلة لمودي وحزبه.
اختراق "المؤتمر الوطني"
وحقّق حزب "المؤتمر الوطني" اختراقاً كبيراً خلال هذه الانتخابات، بحصده 47 مقعداً إضافياً على حصيلته في 2019، أي بمجموع 90 مقعداً إلى حدود اللحظة، ما أهله للحلول ثانياً في الترتيب. ويُعَدّ الحزب أقدم مكوّن في الساحة السياسية الهندية، إذ يعود تأسيسه إلى زعيم الاستقلال مهاتما غاندي.
ودخل "المؤتمر الوطني" هذه الانتخابات متزعما تحالفاً معارضاً باسم "التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل"، الذي ضم 28 حزباً سياسياً بهدف أساسي هو إسقاط حكومة مودي، على الرغم من الانقسامات التي شابت هذا التحالف، حول تقديم المرشحين وتقاسم دوائر التصويت، والتوقعات بأن ذلك سيضعف فرصهم في النجاح في خططهم.
فيما يرجع محللون هذه النتائج إلى الدخول الزاخم لـ"المؤتمر الوطني" في الانتخابات، بتحقيقه مفاجأة انتخابية العام الماضي وفوزه الساحق بحكومة ولاية كرناتكا جنوبي البلاد. ورجع زعيم الحزب راهول غاندي تلك النتائج إلى أن "شعب كرناتكا يكره سياسة الحقد والكراهية التي يتبعها بهاراتيا جاناتا".