بعد حل البرلمان الفرنسي.. سيناريوهات مقامرة ماكرون في مواجهة اليمين المتطرف
شهدت فرنسا، مساء الأحد، زلزالاً سياسياً لم تشهد مثله من قبل، بعد الاكتساح الذي حققه اليمين المتطرف، متمثلاً في حزب التجمع الوطني، بالانتخابات الأوروبية، فيما انتكس حزب الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المركز الثاني، في خسارة مدوية هزت أركانه.
حزب الرئيس إيمانويل ماكرون انتكس في انتخابات البرلمان الأوروبي / صورة:  Reuters  (Reuters)

وأفرزت صناديق الاقتراع في فرنسا، حصول حزب "التجمع الوطني" على 31.4% من الأصوات، وفوزه بـ30 مقعداً من أصل 81 تحظى بها البلاد. فيما حلت لائحة حزب "النهضة" الحاكم ثانيةً بـ14% من الأصوات و13 مقعداً. وجاءت لائحة "الحزب الاشتراكي" ثالثة بـ13.8% من الأصوات و13 مقعداً.

وعقب هذه النتائج، قرر الرئيس إيمانويل ماكرون مفاجأة الجميع بإعلانه حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، تجرى دورتها الأولى في 30 يونيو/حزيران الجاري. وقال ماكرون: "أعلن حلَّ الجمعية الوطنية، وسأوقع مرسوم إجراء الانتخابات التشريعية للدورة الأولى في 30 يونيو/حزيران، والدورة الثانية في 7 يوليو/تموز".

ورجع ماكرون قراره هذا إلى نتيجة الانتخابات الأوروبية لأنها "غير جيدة للأحزاب التي تدافع عن أوروبا"، مضيفا أن "صعود القوميين والديماغوجيين يشكل خطراً على أمتنا". وبالتالي، فإن القرار "يتيح مرة جديدة" للفرنسيين "خيار مستقبلنا البرلماني من خلال الاقتراع".

زلزال سياسي في فرنسا

كان آخر رئيس فرنسي حلّ البرلمان هو جاك شيراك في أبريل/ نيسان 1997، بعد استطلاعات رأي رجحت فقدان أغلبيته البرلمانية وقتها، أمام تصاعد شعبية الاشتراكيين. مستخدماً هذه الصلاحية التي يتيحها الدستور الفرنسي، ومشترطا تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في موعد لا يتعدى 40 يوماً.

وأثارت قرار ماكرون مفاجأة لدى عدد من المحللين، الذين وصفوه بـ "زلزال ضرب الساحة السياسية الفرنسية". بالمقابل تعدد ردود فعل السياسيين والأحزاب بخصوص هذا القرار، وتنوعت قراءاتهم له.

ومن ناحية الأغلبية الحاكمة، رحّب رئيس "الحركة الديمقراطية" فرانسوا بايرو، بقرار حل البرلمان، معتبراً إياه"قراراً شجاعاً" اتخذه ماكرون من أجل "إخراج البلاد من حالة الركود". وأضاف: "إن رئيس الجمهورية يتحمل مسؤولياته، وهذا لا يتكرر كثيراً في تاريخ بلادنا. إنه يقول للفرنسيين: أعطيكم خيار المستقبل".

ومن جانب المعارضة اليسارية، رجع زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف، جان لوك ميلونشون، القرار إلى أن ماكرون "لم يعد لديه أي شرعية لمواصلة سياساته، ولمواصلة تعميم مخططات سوء التهميش الاجتماعي التي انخرط فيها". وشدد ميلونشون: "بما أن لدينا انتخابات، فهي الفرصة للتأكيد بصوت عالٍ للغاية، أننا عندما نكون أبيّين (أي من فرنسا الأبية)، فإننا لا نخشى الشعب".

وبدوره، دعا الأمين العام لـ"الحزب الاشتراكي" أوليفييه فور، إلى تشكيل جبهة شعبية موحدة من أجل خوض أطوار الانتخابات، لأن "توازناً للقوى تطور هذا المساء"، بالتالي "على الجميع التفكير في أفضل الظروف للاتحاد الذي يتيح لنا أن يكون لدينا مشروع، ويسمح لنا بأن يسمعنا الفرنسيون".

ورحّبت مارين لوبان، رئيسة الكتلة النيابية لحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، بقرار ماكرون، معتبرة أنه "يتماشى مع منطق مؤسسات الجمهورية الخامسة"، ومؤكدة استعداد حزبها لـ"استعادة البلاد ووضع حد لآفة الهجرة"، على حد تعبيرها.

وشهد الشارع الفرنسي اضطراباً إثر إعلان حل البرلمان، فخرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة باريس ومدن أخرى ضد القرار الذي يفتح المجال لليمين المتطرف كي يحكم البلاد، حسب رأيهم. وتطورت الأوضاع في مظاهرة يوم الأحد بمدينة تولوز، حيث نشب اشتباك عنيف بين الشرطة والمحتجين.

ما سيناريوهات "مقامرة" ماكرون؟

ويضع القرار بحل البرلمان الساحة السياسية الفرنسية في حالة "عدم يقين"، بحيث تتعدد السيناريوهات التي تضع "مقامرة" ماكرون البلاد في مواجهتها.

وفي مقدمة السيناريوهات المطروحة، هي فوز ماكرون بالأغلبية المطلقة داخل البرلمان، وهذا لن يحدث دون تحالف مع الجمهوريين. أو على الأقل احتفاظه بأغلبية نسبية، مستفيداً من كبح تحالف اليسار لتقدم اليمين المتطرف.

غير أن هذه الفرضية ضعيفة الحدوث، نظرا للاستقطاب الكبير بين الناخبين، وانقسامهم بين اليمين واليسار المتطرفين، وسخطهم الكبير على سياسات ماكرون بخصوص الملفات الاجتماعية، كإصلاح نظام التقاعد.

بالمقابل، إن لم يتحقق هذا السيناريو، فسينتهي الحال إلى فوز اليمين المتطرف بأغلبية في البرلمان، تمكنه حكومة "تعايش" تحت رئاسة ماكرون. وهو الأمر الذي ترجحه نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة، مثل أول استطلاع رأي أجري بعدها، والذي وضع حزب "التجمع الوطني" في مقدمة ترتيب نوايا التصويت بـ 34%، يليح تحالف أحزاب اليسار (NUPES) بـ22%.

وتفادياً لأي مفاجآت انتخابية، أو تحسباً لتعزيز أغلبيته في حال الفوز، يسعى "التجمع الوطني" لعقد تحالفات مسبقة مع مكونات أخرى في الطيف اليميني المتطرف الفرنسي كحزب "الاستعادة" الذي يتزعمه الصحافي المثير للجدل إيريك زيمور، أو حتى التحالف مع اليمين الجمهوري المعتدل.

وفي هذا السياق، أكد زعيم "التجمع الوطني" جوردان بارديلا أنه: "سيحدث اتفاق بين التجمع الوطني والجمهوريين". وهو ما رحب به من الناحية الأخرى زعيم "الجمهوريين" إيريك سيوتي، داعياً أعضاء حزبه إلى قبول هذا العرض، ما أثار انقسامات واسعة داخل الحزب.

فيما السيناريو الثالث، وهو نجاح تحالف أحزاب اليسار (NUPES) في وضع حد لصعود اليمين المتطرف، وفوزهم بأغلبية مريحة في البرلمان، وبالتالي تشكيل حكومة "تعايش" مع الرئيس ماكرون. وفي حال نجاح هذا السيناريو، يتوقع أن يكون التعايش بين الرئيس والحكومة صعباً، نظراً للاختلاف السياسي الكبير بين ماكرون وتحالف اليسار.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، سرعان ما تحركت أحزاب اليسار يوم الاثنين الماضي، من أجل إعادة تشكيل تحالف "الجبهة الشعبية"، الذي أخذ طابعاً أكبر من ذاك الذي خاضوا به الانتخابات البرلمانية في 2022، بانضمام الاتحادات النقابية الكبرى إلى التحالف وكذلك أحزاب اليسار الأكثر راديكالية كـ"الحزب الجديد المناهض للرأسمالية".

TRT عربي