تمكن إيمانويل ماكرون، من الفوز بولاية رئاسية ثانية، بعد هزيمة زعيمة "التجمع الوطني" مارين لوبان للمرة الثانية على التوالي، لكن رئاسيات 2022، حملت عدة مؤشرات مقلقة حيال صعود اليمين المتطرف من شأنها التأثير على مستقبل فرنسا.
إذ حصل ماكرون على أكثر من 58% من الأصوات مقابل نحو 42% للوبان.
الفارق يتقلص إلى النصف
رغم الفارق الذي يتجاوز 16 نقطة بين المرشحين الرئاسيين، إلا أن لوبان تمكنت من تقليصه إلى النصف مقارنة برئاسيات 2017، عندما خسرت أمام المرشح ذاته بـ66.1% مقابل 33.9%، بفارق 32.2 نقطة.
فخسارة لوبان المتوقعة، كانت بفارق أكبر من 10 نقاط الذي توقعته معاهد سبر الآراء الفرنسية، التي تحدثت في آخر استطلاعاتها، بعد المناظرة التي جرت بين المرشحين، عن نتيجة متأرجحة ما بين 54 و56% لماكرون، مقابل 44 و46% للوبان.
واتساع الفارق خلال أيام قليلة من 10 إلى 16 نقطة يعكس تفوق ماكرون، في المناظرة التي جرت بينه وبين لوبان، حيث كان أداؤه أكثر إقناعاً منها، بناء على استطلاعات الرأي، إلى درجة دفعت موقع "فرانس 24" (رسمي) إلى التساؤل "هل قضت المناظرة على حظوظ لوبان في الفوز؟"
كما أن ماكرون، ربح لعبة التحالفات عندما ضمن دعم أغلب المرشحين الخاسرين في الجولة الأولى، بينما لم تدخل لوبان الجولة الثانية وحيدة بعد أن حصلت على دعم مرشحين اثنين، بينهما إريك زمور، اليميني المتطرف الذي حصل على المرتبة الرابعة.
تراجع نسبة المشاركة يخدم لوبان
لم يسبق لفرنسا أن سجلت نسبة امتناع عن التصويت في انتخابات رئاسية كالتي سجلتها في رئاسيات 2022، منذ 1969 (31.1%).
فوفقاً لتقديرات معاهد لسبر الآراء، بلغ معدل الامتناع عن التصويت نحو 28% من الناخبين المسجلين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والبالغ عددهم 48.7 مليون مسجل.
ونسبة الامتناع في الجولة الثانية للرئاسيات أعلى بـ1.7% مقارنة بالجولة الأولى التي سجلت معدل 26.3%.
ومقارنة برئاسيات 2017، التي سجلت نسبة امتناع عن التصويت بـ25.38% (نحو 12 مليون صوت)، فإن معدل الامتناع في 2022 ارتفع إلى 2.62%، أي بزيادة نحو مليون ناخب ممتنع.
والانحدار في نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية بدأ في 2012، عندما نزل من 84% في 2007، إلى 80.4%، ثم إلى 74.6% في 2017، وأخيراً 72% في 2022.
وارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت يمكن ربطه بعدم اقتناع فئة من الناخبين بكل من ماكرون ولوبان، معاً، خاصة من اليسار الراديكالي والمسلمين (10% من إجمالي عدد السكان).
وإن كان مرشح اليسار الراديكالي جون لوك ميلونشون (نحو 22%)، لم يدع إلى مقاطعة الجولة الثانية للرئاسيات، إلا أنه لم يدعم ماكرون، واكتفى بحث أنصاره على عدم التصويت للوبان.
وتصب حالة العزوف التاريخية عن التصويت في مصلحة لوبان، إذ إن غالبية الممتنعين عن التصويت من اليساريين والمسلمين الذين يوجدون على الطرف النقيض من اليمين المتطرف.
وفاقت نسبة الامتناع عن التصويت (28%) ما حصل عليه ماكرون في الجولة الأولى (27.85%)، ما يجعل الممتنعين عن التصويت أكبر من أي حزب في البلاد.
صعود يهدد مستقبل فرنسا
قبل عقود خلت كان اليمين المتطرف منبوذاً في فرنسا، لكن مع حصول لوبان على 42% من الأصوات أو ما يعادل نحو 14 مليون صوت، فذلك يشكل قوة تصويتية كبيرة.
وإذا تمكنت لوبان، من الحفاظ على هذه القاعدة التصويتية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن ذلك يرشحها للمشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية، إذا أخفق حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" في الحصول على 50% من الأصوات.
فهذه المرة الأولى في تاريخ اليمين المتطرف الذي يحصل فيها على نسبة تتجاوز 40%، بعدما حقق في رئاسيات 2017، نسبة 33.9%.
إذ لم يسبق وأن صوّت لليمين المتطرف نحو 14 مليون مقترع في أي انتخابات سابقة.
حيث جرى تسجيل أعلى معدل تصويت له في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2017، وحصلت فيها لوبان على أقل من 11 مليون صوت، واعتبر هذا الرقم حينها تاريخياً، قبل أن تكسره لوبان في 2022.
لذلك فالمعركة الانتخابية لم تنته بعد بانهزام اليمين المتطرف، بل ما زالت هناك جولة ثالثة للنزال السياسي، عندما تُجرى الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران المقبل، بعد نحو 7 أسابيع.
وإذا تمكنت لوبان من المشاركة في حكومة ائتلافية، فمن شأن ذلك أن يقود فرنسا إلى مزيد من التطرف في ملفات الهجرة والإسلاموفوبيا، وفتح ملفات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والاختلاف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.
فدخول اليمين المتطرف إلى الحكومة من شأنه أن يُقحم فرنسا في مرحلة عدم استقرار سياسي، ويؤثر على علاقاتها بشركائها (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويُضيّق أكثر على المهاجرين والمسلمين.
وتشكيل حكومة ائتلافية يكون اليمين المتطرف أحد أطرافها من شأنه فتح أبواب الخلاف مع الرئيس ماكرون، الذي مرت ولايته الرئاسية الأولى في هدوء دون صدام مع الحكومة، بخاصة أن فرنسا تتبنى نظاماً شبه رئاسي يتقاسم فيه رئيس البلاد ورئيس الحكومة السلطة التنفيذية.