العمليّة البرية.. سيناريوهات الحرب في قطاع غزة
بينما يتواصل القصف الإسرائيلي على المنشآت المدنية في القطاع المحاصر، ما أدى إلى وقوع مئات الشهداء، لم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن إسقاط القنابل والصواريخ والمواد الحارقة على جميع أنحاء القطاع.
ويرى مراقبون أنّ القصف الجوي المكثف، وتحديداً على الأحياء الحدودية لقطاع غزة، يهدف إلى هذا السيناريو المحتمل، إذ يقول الكاتب الصحفي الفلسطيني يوسف فارس، إنّ القصف الإسرائيلي الحاصل قد يسير في هذا الاتجاه. / صورة: Reuters (Reuters)

ترتّب عن عمليّة "طوفان الأقصى" إخفاق لم تواجهه إسرائيل، منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فيما تعيش حكومتها أزمة وجوديّة، في ظل تعدد السيناريوهات التي قد تترتّب عن العملية العسكرية البريّة في قطاع غزة.

وبينما يتواصل القصف الإسرائيلي على المنشآت المدنية في القطاع المحاصر، ما أدى إلى وقوع مئات الشهداء، لم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن إسقاط القنابل والصواريخ والمواد الحارقة على جميع أنحاء القطاع.

فيما دعا الجيش الإسرائيلي نحو 1,1 مليون شخص من سكان شمال غزة إلى النزوح إلى جنوب القطاع خلال 24 ساعة.

هل تجتاح إسرائيل غزة؟

في الوقت الذي تواصل فيه القوات الإسرائيلية قصف قطاع غزة، وحصول تل أبيب على دعم دبلوماسي أمريكي وأوروبي، تزداد المؤشرات على أنّ إسرائيل تستعدّ لاجتياح بريّ للقطاع.

وفيما أعلنت الإدارة الأمريكية إرسال حاملة الطائرات الهجومية "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط، وتأكيد وسائل إعلام وصول طائرات (A-10) الأمريكية إلى منطقة الخليج، لدعم إسرائيل في حال نشوب أي نزاع إقليمي، تبدو مؤشرات على قرب الاجتياح البري للقطاع.

ومن هذا المنطلق، يقول المحلّل العسكري محمد رمال، إنّ عقبات كثيرة تقف أمام الاجتياح البري لقطاع غزة؛ بسبب النتائج الكارثية التي سيتسبب بها القرار.

ويشير رمال في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ الدخول البري يتطلب تكتيكات وإستراتيجية القتال في الأماكن غير الآهلة، وهو على المستوى العسكري عاجز عن الدخول إلى هذه المدينة الآهلة بالسكّان.

ويوضّح العميد المتقاعد أنّ التفوق المدفعي والجوي الإسرائيلي ليس مؤشراً على القدرة العسكرية، وأنّ أيّ جيش نظامي عاجز عن تحقيق التقدم في القتال في المناطق الآهلة، في ظل الاختلاف التقني بين الجيوش المنظّمة ومجموعات المقاومة.

"معنويات ضعيفة"

ووفق الخبير العسكري اللبناني عميد حمود، فإنّ عقبتين تقفان أمام سيناريو الاجتياح البري، أولاهما المعنويات الضعيفة للجنود الإسرائيليين، بعد عملية "طوفان الأقصى".

ويوضح حمود في حديثه مع TRT عربي، أنّ مردّ ذلك إلى انتشار صور ومقاطع فيديو تظهر جنوداً إسرائيليين قتلى وأسرى ضمنهم ضباط وجنرالات إسرائيليون.

ويضيف أنّ العقبة الثانية، هي استمرار تدفق المقاتلين التابعين لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي إلى داخل المواقع في غلاف قطاع غزة، حيث يخوضون يومياً اشتباكات مسلحة.

وهذه الحالة، يرى الخبير العسكري أنّها تجبر أي جيش نظامي على الإحجام عن التقدم بينما ظهره مكشوف للمفاجآت، إذ من الممكن أن تقع قوات الجيش بين فكي كماشة المقاتلين الفلسطينيين، عوضاً عن أنّ تضع هي مقاتلي الفصائل في كماشتها غرب القطاع وشرقه، حسب حمود.

في السياق ذاته، يشير رمال إلى أنّ الخسائر الإسرائيلية المتوقعة تتوقّف على عدد مسلّحي حماس وباقي الفصائل كالجهاد الإسلامي، وبخاصة أنّ حماس تتحدث عن ضمّها أكثر من خمسين ألف مقاتل مدرّبين على قتال الشوارع والأزقة.

ويضيف المحلل العسكري أنّ مناورة المقاتلين في غزة أسرع وأكثر سهولة من جيش نظامي مضطر للتحرك مع الدبّابات والآليات الثقيلة.

ويلفت رمال إلى أنّ الجانب الإسرائيلي سبق أنْ أجرى دراسة حول عملية اجتياح برّي للقطاع، قدّرت أنّ كلفة العملية ستكون أكثر من 500 جندي إسرائيلي وعشرات الضباط، إضافةً لتدمير آليات ودبابات وطائرات مسيرة، لكن عملية "طوفان الأقصى" أظهرت أنّ الكلفة ستكون مضاعفة.

مدى جدية فكرة الاجتياح الجزئي

سيناريو آخر يُطرح أمام الإسرائيليين، وهو اجتياح برّي جزئي لقطاع غزة، يهدف إلى التعويض عن فكرة الاجتياح الكلي للقطاع؛ بسبب صعوبة الأمر.

ويرى مراقبون أنّ القصف الجوي المكثف، وتحديداً على الأحياء الحدودية لقطاع غزة، يهدف إلى هذا السيناريو المحتمل، إذ يقول الكاتب الصحفي الفلسطيني يوسف فارس، إنّ القصف الإسرائيلي الحاصل قد يسير في هذا الاتجاه.

ويشير فارس في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ إسرائيل قصفت أحياء العامودي والتوام في المناطق الغربية من شمال غزة، والسكة وشعشاعة وصلاح الدين في المناطق الشرقية من الشمال، وأيضاً الحدود الشرقية لأحياء الشجاعية والتفاح، والحدود الغربية على طول القطاع، بحيث دمّر شارع الرشيد الذي يربط شمال غزة بجنوبها من جهة البحر الغربية.

ويعتبر الكاتب الصحفي الفلسطيني أنّ هذا القصف يأتي في سياق التمهيد الناري لدخول القوات البرية، من جهتَي البحر والحدود الشرقية.

يضاف إلى ذلك، وفق فارس، أنّ الطائرات الإسرائيلية استخدمت قنابل تؤدي مهمّة تدمير المباني من فوق الأرض، وصناعة موجة ارتجاجية شديدة تحتها، بهدف هدم الأنفاق وإتلاف مرابض الصواريخ ومكامن المقاومين.

بدوره، يؤكد المحلل العسكري محمد رمال، أنّ الحروب النظامية لا تعرف مصطلح الاجتياح الجزئي، كما أنّ طبيعة غزة الجغرافية وتداخل المناطق والشوارع، إضافةً إلى الأنفاق تحت الأرض، لا يسمح بتحقيق أي هدف باجتياحات برية مرحلية أو جزئية.

وحول ارتباط وصول حاملة الطائرات الأمريكية إلى البحر المتوسط، يشير العقيد المتقاعد عميد حمود إلى أنّ "جيرالد فورد" هدفها "رفع معنويات الجيش الإسرائيلي المدمَّرة"، وجل ما يمكنها فعله "هو مساعدة الجيش الإسرائيلي في تحليل البيانات والمعلومات".

وفي المقابل، يؤكد مصدر دبلوماسي عربي، أنّ ضباطاً رفيعي المستوى وخبراء استخبارات عسكرية أمريكيين وصلوا إلى إسرائيل، وانضمّوا إلى غرفة عمليات في مقر وحدة الاستخبارات العسكرية، للمساعدة في تحليل المعطيات الميدانية.

وفي حديثه مع TRT عربي، يشير المصدر إلى أنّ حاملة الطائرات "جيرالد فورد" باتت على صلة بغرفة عمليات الجيش الإسرائيلي، وهي حاضرة لمواجهة احتمالات توسع المواجهة لتشمل حزب الله أو أي دعم إقليمي.

جهوزية الفصائل الفلسطينية

وتكثر التساؤلات كذلك حول جهوزية الفصائل الفلسطينية في غزة لمواجهة أي تطور ميداني مرتقب.

ويجيب على ذلك علي بركة، رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحركة حماس في الخارج، مؤكداً أنّ حركتَي حماس والجهاد الإسلامي لديهما خطة متكاملة لكل مراحل تطور الصراع الحالي، بما في ذلك الحرب الشاملة.

ويضيف بركة لـTRT عربي، أنّ لدى الفصائل في غزة أدوات مهمة للمواجهة، مضيفاً: "مستعدون للتصعيد إلى أبعد الدرجات، وكل الاحتمالات متوقعة، ونحن مستعدون لأي غزو بري للقطاع".

واعتبر رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحركة حماس في الخارج، أنّ سيناريو الدخول البري لإسرائيل إلى غزة سيكون أفضل سيناريو لدى الحركة لحسم الصراع.

إلى ذلك، يشير المحلل العسكري محمد رمال، إلى أنّ فصائل المقاومة في غزة تملك أسلحة نوعية يدرك الإسرائيليون حجمها، وتحدثوا عنها إعلامياً واستخباراياً سابقاً، كالمسيّرات، وأسلحة مضادة للمدرعات، وعبوات ناسفة شديدة الانفجار، وصواريخ يصل مداها إلى شمال إسرائيل، هذا فقط على صعيد فصائل غزة.

ويلفت إلى مخاوف إسرائيلية من ردّ فصائل لبنانية وعراقية انطلاقاً من لبنان وسوريا، والذهاب إلى معركة مفتوحة ضمن ما يطلق عليه "توحيد الساحات".

ويعتقد رمال ّأن هذا المعطى سبب التردد الفعلي لإسرائيل بعدم خوض المعركة البرية، لأنّ الخسارة ستكون نتائجها كارثية على مستقبل إسرائيل وصورتها التي جرى رسمها خلال العقود الماضية.

TRT عربي