أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضباً عارماً في جميع أرجاء العالم الإسلامي؛ إذ زعم مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2020 بأن الإسلام يعاني أزمة عالمية، مطالباً في الوقت نفسه بالتصدي لما سماها "الانعزالية الإسلامية"، قبل أن يعود بعد نحو ثلاثة أسابيع بتطاول آخر بدعم الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمدﷺ، كما حاول ربط الإسلام بــ"الإرهاب".
وإزاء هذا الموقف المعادي لماكرون تجاه الإسلام ورسوله، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة غضب واستياء عارمين بدت واضحة من خلال عدة وسوم تضامنية، كما نددت دول عربية وإسلامية بتلك الإساءات عبر بيانات رسمية، فيما تحولت ملاعب الرياضة إلى ساحة لاستنكار تصريحات الرئيس الفرنسي بطرق مختلفة، كما دعا رياضيون بارزون إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية.
ومن شأن كل هذا أن يُلقي بظلاله بشدة على منتخبات فرنسا الرياضية، والتي تضم في صفوفها عدداً كبيراً من اللاعبين المسلمين المهاجرين، كما لا يستبعد مراقبون ومهتمون بالشأن الرياضي أن تشهد منتخباتها انسحاب بعض هؤلاء، كما فعل اللاعب الدولي الألماني صاحب الأصول التركية مسعود أوزيل عندما قرر الاعتزال رفضاً لعنصرية الألمان.
ملاعب عربية تتضامن
لاعبو القادسية الكويتي رفعوا في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020، لافتة عريضة كُتب عليها: "بأبي أنت وأمي يا رسول اللهﷺ"، قبل مواجهة "الساحل"، ضمن منافسات الجولة الثالثة من مسابقة الدوري المحلي لكرة القدم.
وفي اليوم نفسه، عرفت قمة الجولة الخامسة من دوري الدولة الخليجية، والتي جمعت بين الكبيرين؛ الريان والدحيل، تضامناً مع النبي محمدﷺ؛ إذ تزينت مدرجات استاد "ثاني بن جاسم" بنادي الغرافة بلافتات كبيرة مكتوب عليها "حبيبي يا رسول الله".
وبعد يوم من القمة القطرية، رفع لاعبو "الخور" أحد أندية الدوري القطري الممتاز، لافتة "بأبي أنت وأمي يا رسول اللهﷺ"، في تأكيد على الموقف الإسلامي العام الرافض للتطاول على الإسلام ورسوله.
أبوتريكة يؤيد مقاطعة فرنسا
ولم يتوقف الأمر عند هذا الأمر فحسب؛ بل دعا أسطورة كرة القدم المصرية محمد أبو تريكة لمقاطعة المنتجات الفرنسية رداً على موقف باريس الرسمي من نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد وإعلان ماكرون تمسك بلاده بها وعدم التخلي عنها.
وقال أبو تريكة، خلال وجوده باستوديو تحليلي لقناة "بي إن سبورت": "إلا النبي محمدﷺ، وإلا ديانة الإسلام، ومثلما نحترم الديانات الأخرى لا بد أن يتم احترامنا"، ثم وجه رسالة واضحة لا لبس فيها مفادها: "قاطع كل من يسيء للنبي وكل من يسيء للإسلام".
وشدد النجم المصري، الذي لطالما عرف بمناصرته للقضايا العربية والإسلامية، على ضرورة مخاطبة الفرنسيين بالمال "طالما يخاطبوننا بالمال"، مشيراً إلى أننا "نلجأ لله عز وجل، ولردة فعل الشعوب، وليس الحكومات".
بدوره تضامن النجم المصري محمد النني، الذي يدافع عن ألوان فريق آرسنال الإنجليزي، مع حملة "إلا رسول الله"، وكتب مغرداً عبر حسابه في "تويتر": "رسول الله خط أحمر.. يكفي كل مسلم أن الله زكّى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وقال (وإنك لعلى خلق عظيم)".
نقاش وشرخ
مسؤول الرياضة في قناة "ليبيا الأحرار" (خاصة)، جمال الشيباني، يقول إن "أصوات الشعوب دائماً تتجسد، وهذا ما حدث من خلال الجماهير والأندية الرياضية العربية وغيرها بنصرة الرسولﷺ".
وأشار إلى أن هذا حدث "بدون رعاية رسمية من الحكومات"، والتي قال إنها أصبحت تسير بعكس عقارب الساعة، وفق حديثه لــ TRT عربي.
وحول الدور المنوط بالرياضة لفعله للرد على المتطاولين، يعتقد "الشيباني"، أن بإمكان الرياضة فعل الكثير "في حال كانت هناك رغبة لدى المؤسسات والاتحادات الرياضية في الرد على ماكرون، الذي أظهر حقداً دفيناً على الإسلام والمسلمين وسيد الخلق".
ومن شأن تصريحات ماكرون المسيئة، أن تُفقد منتخب فرنسا، المتوّج بطلاً لكأس العالم 2018، جماهيره وأنصاره العرب والمسلمين، كما أن "الديوك" الفرنسية، قد تتعرض لـ"صافرات الاستهجان في قادم المحافل والمناسبات الرياضية"، وفق الإعلامي الرياضي الليبي.
كما أن تلك التصريحات بحسب الشيباني "قد تُحدث شرخاً داخل صفوف المنتخب الفرنسي، خاصة أنه يضم في صفوفه كوكبة من النجوم المسلمين، المؤثرين فوق المستطيل الأخضر"، لافتاً إلى أن هذا يفتح نقاشاً قد يؤثر على مستوى المنتخب الأول خاصة في نهائيات كأس أمم أوروبا المقبلة، والمقررة إقامتها صيفَ العام المقبل.
خسارة نجومها!
بدوره أكد الصحفي الرياضي التونسي محمود النصيري أن الرياضة لطالما أصلحت ما أفسدته السياسة في العالم، مستدلاً بحجم التفاعل الكبير رفضاً للتطاول الفرنسي الرسمي على رسول الإسلام.
وبيّن "النصيري" في حديثه لـ"TRT عربي"، أن الهبة الإسلامية الشعبية بالعالم الإسلامي مدعومة بتصريحات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "كانت كفيلة لتُحدث هزة في الاقتصاد الفرنسي، الذي تأثر بحملة المقاطعة الواسعة التي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبناها نجوم رياضيون على غرار أبوتريكة ونجم الكرة التونسية ووزير الرياضة الأسبق طارق ذياب وغيرهم".
وتوقع أن تؤثر التصريحات الفرنسية المسيئة على المنتخب الفرنسي وأدائه على أرضية الميدان، في ظل وجود لاعبين مسلمين، وهنا يدور الحديث حول نجم خط الوسط بول بوغبا، والذي لعب دوراً قيادياً في فوز "الديوك" بمونديال روسيا، إلى جانب زميليه نغولو كانتي ونبيل فقير، فضلاً عن الجناح السريع عثمان ديمبلي والظهير بنجامين ميندي.
ولم يستبعد الصحفي المطلع على الكرة الفرنسية، أن يُقدم بعض من نجوم المنتخب الفرنسي على خطوة اعتزال اللعب دولياً "في حال استمرت باريس في عدائها للإسلام ورسوله، واتباع نهج متطرف في معاداة الدين الإسلامي ومعلم البشرية محمدﷺ، وهو ما يتنافى مع أبسط شروط الاعتدال والوسطية، مبيناً أن ذلك كفيل "بترك عواقب وخيمة على أداء الكتيبة الفرنسية مستقبلاً".
وللرياضة دور كبير في مواجهة مثل هذه الإساءات للإسلام، في ظل تطور وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثر الجماهير الرياضية بمواقف نجومها ورموزها، وهو ما يزيد من حجم ردود الأفعال، ويضاعف انتشارها وتأثيرها على الناس من شتى الديانات والثقافات، وفق "النصيري"، الذي قال إن المسلم "يحترم مقدسات الآخرين، ولا يسمح بالإساءة والتطاول على مقدساته".
عنصرية فرنسا
ورغم عنصرية فرنسا تجاه المسلمين والمهاجرين، إلا أن هؤلاء أدوا دوراً كبيراً في وضعها على منصات التتويج في مختلف الألعاب والرياضات، مثلما فعل النجم السابق والمدرب الحالي زين الدين زيدان، صاحب الأصول الجزائرية، عندما قاد "الديوك" للتتويج بكأس العالم، نسخة عام 1998.
وكان مرصد الإسلاموفوبيا قد قال في يوليو 2018، إن لاعبى فرنسا المسلمين أسهموا فى إسعاد الفرنسيين، وفضحوا معايير اليمين المتطرف المزدوجة، في تعليقه على فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم 2018، عقب الفوز بالمباراة النهائية أمام كرواتيا، تحت أنظار الرئيس إيمانويل ماكرون.
ولفت المرصد، التابع لدار الإفتاء المصرية، إلى أن معظم وسائل الإعلام الفرنسية لم تُشِر من قريب ولا من بعيد إلى أن هؤلاء اللاعبين الذين أبهجوا الفرنسيين وحققوا الفوز لفرنسا هم مسلمون، فى حين أنها تبرز هذا الانتماء حال قيام أحد المسلمين بعمل إرهابى، وتوجِّه الاتهام إلى أكثر من مليار مسلم، ويطالب بعضها المسلمين جميعاً والمؤسسات الإسلامية بالاعتذار عن هذه الجرائم الفردية.
واشتدت في السنوات الأخيرة، الهجمة على المهاجرين في فرنسا ودول غربية أخرى، والتي وصلت إلى دعوات لطردهم من جانب اليمين المتطرف، كما قررت الحكومة الفرنسية أواخر ديسمبر 2017، إجراء مسح للمقيمين في مراكز الإيواء الطارئة بشكل خاص، وسط اتهامات حقوقية بالتخطيط لعمليات طرد للاجئين، فيما رفض ماكرون، فتح مراكز لاستقبال المهاجرين الوافدين إلى أوروبا.