الحراك الأمريكي لوقف إطلاق النار في لبنان.. تغطية على العدوان أم خطوة جادة؟
وسط التوغل البري للاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان، واستمرار غاراته العنيفة على مناطق متفرقة بالبلاد، وتنفيذه اغتيالات جديدة بين قيادات حزب الله، أفادت وسائل إعلام مختلفة بأن الولايات المتحدة تُجري مفاوضات للتوصل إلى اتفاق يضمن وقف إطلاق للنار في لبنان.
هوكشتاين يصل إلى بيروت لإجراء مباحثات وقف إطلاق النار / صورة: AA (AA)

وأعلنت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية وصول المبعوث الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتاين، اليوم الثلاثاء، إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، لمناقشة المقترح التي قدمته الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، وتلقي الرد اللبناني عليه، فيما أفادت هيئة البث العبرية بأن هوكشتاين سيتوجه إلى تل أبيب، الأربعاء، لمناقشة الرد مع الجانب الإسرائيلي.

كانت السفيرة الأمريكية في بيروت، ليزا جونسون، قد سلَّمت، الخميس الماضي، لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، في ظل الحرب الإسرائيلية على البلاد.

وأمس الاثنين، قالت القناة 12 العبرية إن "الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق في لبنان تصل إلى مرحلة حاسمة هذا الأسبوع". وأوضحت أنه "بعد أن أحالت سفيرة واشنطن ليزا جونسون، الاقتراح الأمريكي-الإسرائيلي إلى لبنان، أرسل حزب الله وثيقة رد إلى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وسيسلِّمها الأخير لهوكشتاين الذي يصل إلى بيروت، الثلاثاء، واعتماداً على درجة التقدم، ستُحدَّد الخطوات التالية".

غموض حول المقترح

نقلت وسائل إعلام لبنانية أن مسودة الاتفاق ترتكز على القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في أغسطس/آب 2006، ويدعو إلى وقفٍ كاملٍ للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، وإنشاء منطقة خالية من السلاح والمسلحين بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني، جنوبي لبنان، باستثناء القوات التابعة للجيش اللبناني وقوات يونيفيل الأممية.

وأوضحت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أن الاقتراح الأمريكي المكون من 13 نقطة، يركِّز على وقف إطلاق نار مبدئي لمدة 60 يوماً، ويدعو إلى نزع سلاح حزب الله في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، الذي يمتد على بُعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود الجنوبية للبنان، فضلاً عن انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية.

وحسب هيئة البث العبرية، يتضمن المقترح انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، ومنع الحزب من إعادة إقامة مواقع في المنطقة، ومنع نقل السلاح عبر سوريا إلى الحزب.

ويوجد غموض حول بعض نقاط المقترح، إذ أفادت صحيفة إسرائيل اليوم بأنه على الرغم من الحديث عن محاولة التوصل إلى اتفاق، تسعى إسرائيل لإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان، وتسعى كذلك في الوقت نفسه إلى الاحتفاظ بالقدرة على قصف لبنان في أي لحظة ضمن شروط التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وقال يسرائيل كاتس، الذي عُين وزيراً للدفاع، في منشور على منصة إكس، يوم الثلاثاء الماضي، إنه التقى جنرالات إسرائيليين وطلب منهم مواصلة الهجوم ضد حزب الله، متابعاً: "في لبنان لن يكون هناك وقف لإطلاق النار، ولن يكون هناك أي هدنة. سنستمر في ضرب حزب الله بكل قوتنا حتى تتحقق أهداف الحرب. لن توافق إسرائيل على أي ترتيب لا يضمن حق إسرائيل في فرض ومنع الإرهاب بمفردها".

في المقابل شدد حزب الله على أن التفاوض مع إسرائيل يجب أن يكون مبنياً على أمرين: وقف العدوان، وحماية السيادة اللبنانية بشكل كامل غير منقوص. ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن المقترح حول وقف إطلاق النار لا يتضمن أي نص يسمح بحرية عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان حال الاشتباه بوجود تهديد، وأكد أن تضمين أي بند يسمح بذلك "أمر غير مقبول، ولا يمكن حتى فتح نقاش بشأنه، لأنه مساس بسيادة لبنان".

وأوضح بري أن نقطة الخلاف هي أن المقترح الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار ينص على تشكيل لجنة تضم دولاً غربية للإشراف على تنفيذ القرار الأممي رقم 1701، مؤكداً أن هذا غير مقبول لبنانياً، وفق ما نقلته الوكالة.

في السياق، لفتت صحيفة فاينانشيال تايمز إلى أن "إغفال مطالبة إسرائيل بالقدرة على إنفاذ وقف إطلاق النار من جانب واحد، يعني أن لبنان قد يكون من المرجح أن يوافق على المشروع الجديد، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل قد تخلت عن هذا الشرط".

فرص التوصل إلى اتفاق

يرى المختص في الشؤون الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية مأمون أبو عامر، أن المسودة التي سلَّمها الجانب الأمريكي للبنان ونشرت بعض نقاطها القناة 12 العبرية، على الرغم من أن منها نقاطاً إيجابية تشجِّع على البحث فيها، لكنَّ بها أيضاً نقاطاً سلبية قد تدفع إلى عدم القبول بها.

ويوضح أبو عامر لـTRT عربي أن إحدى النقاط الإيجابية هي "مبدأ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان -وإن كان غير واضح بالضبط الترتيبات والمواعيد- أما الثانية فهي التزام تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 ودخول الجيش اللبناني للجنوب، ما قد يجعل بعض بنود المسودة تلبِّي مطالب اللبنانيين ويستجيب لها حزب الله".

ويستطرد: "لكنَّ اللغم في هذا المقترح هو أنه من ترتيب الولايات المتحدة، الحليفة الأولى للاحتلال الإسرائيلي"، مبيناً وجود بعض الأمور الغامضة حوله، مثل الوعد الأمريكي بضمان حق إسرائيل في التدخل في لبنان ثانيةً في حالة شعورها بأن حزب الله لا ينفِّذ الاتفاق.

في السياق، يشير أبو عامر إلى أن الاتفاق ينص على أن اللجنة العسكرية التي ستشرف على تنفيذ القرار الأممي رقم 1701، ستكون فرنسية-أمريكية، متسائلاً عمّا يضمن حيادية اللجنة، إذ إن "جهة التقييم هي أطراف منحازة إلى إسرائيل والولايات المتحدة التي تتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل".

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن حزب الله لن يقبل بتنفيذ الاتفاق إلا في وجود لجنة محايدة، "فإمَّا أن تكون لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة وإما أن تكون لجنة ثلاثية من أطراف يتساوى فيها المنحازون لحزب الله وإسرائيل، إذافة إلى طرف ثالث محايد"، مشيراً إلى أن تشكيل لجنة منحازة لطرف واحد هو تلاعب ومحاولة من الإدارة الأمريكية لإعطاء الدفَّة للجانب الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة.

تغطية على العدوان أم خطوة جادة؟

وعن مدى جدية الولايات المتحدة في تلك الخطوة يشك أبو عامر أن الرئيس الأمريكي الحالي لديه رغبة في وقف إطلاق النار سواء في غزة أو في لبنان، قائلاً إن "هذه حرب بايدن في المنطقة، وهو يريد أنه يتلاءم مع المواقف الإسرائيلية تماماً، ويقدم دعماً تاريخياً للصهيونية العالمية التي يعد نفسه منها، ويفضّل أن يخلَّد ذكره صهيونياً أكثر منه رئيساً للولايات المتحدة خدم الأمن والسلام العالمي".

من جهة أخرى ادّعى إعلام عبري أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعمه في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان. وقالت هيئة البث العبرية، الجمعة، إن "وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر، التقى، الأحد الماضي، ترمب الذي أعطاه الضوء الأخضر للاستمرار في محاولة التوصل إلى تسوية حول لبنان".

ويستبعد المختص في الشؤون الإسرائيلية هذه النقطة، إذ إن ترمب من مصلحته تعطيل الوصول إلى اتفاقية حتى يتولى الحكم رسمياً ويبدأ بفرض الأمن والسلام باسم القوة التي جاء بها، ويعلن بنفسه وقف إطلاق النار، "وعليه ترمب يريد أن يعقِّد الأزمات أمام بايدن حالياً، كما أن الأخير لا يريد أن يسهِّل الأمور أمام الإدارة المقبلة للأول".

أما عن جدية الموقف الإسرائيلي، فيعتقد أبو عامر أن ما سيحسم الأمر هي المعارك الميدانية والتوغل الإسرائيلي في لبنان، "فإذا نجح حزب الله في تعزيز صورته وتحقيق خسارة كبيرة في الجانب الإسرائيلي بأكبر عدد ممكن من القتلى، سيجبر الطرف الإسرائيلي على البحث عن مخارج".

في السياق، أشار أبو عامر إلى أن تفاصيل جبهة القتال البرية غير واضحة بشكل كامل، إذ لا توجد إحصائيات من الجانب الإسرائيلي، ولا يستطيع حزب الله أن يقدم مثلاً مقاطع مصوَّرة كما يحدث في غزة، مستطرداً: "يبدو في المجمل أن الجانب الإسرائيلي تكبَّد عدداً لا بأس به من القتلى، لكن حتى الآن ليس بالعدد الكافي لإجبار الاحتلال على تغيير سياساته".

TRT عربي - وكالات